عـــــودة الـقـيــــصـر

بوتن يسجل أرقاما قياسية جديدة ويدون في تاريخ روسيا أحداثا غير مسبوقة عاد القيصر فلادمير بوتن رئيساً منتخباً لجمهورية روسيا الاتحادية للمرة الثالثة في تاريخه. عاد إلى الكرملين ليحكم الاتحاد من المكان الطبيعي والمعتاد، ومن الكرسي الأول المعتاد، بعد أن اضطره الدستور إلى حكم روسيا من مبنى رئاسة الحكومة، ومن الكرسي الثاني لمدة ست سنوات خلت، ترك خلالها صديقه الحميم الرئيس، و رجل البترول الروسي الرسمي المعروف ديمتري مدفيدف لينعم بالأحلام أو يكابد الكوابيس في سرير قادة روسيا الكبار، وأن يلهو ببعض الاستقبالات الداخلية والزيارات الخارجية.وبهذه العودة يسجل بوتن أرقاما قياسية جديدة، كما يدون في تاريخ روسيا أحداثا غير مسبوقة، فهو أول قائد روسي شغل المناصب العليا صعودا ونزولا ثم صعودا مرة أخرى، ولكن ليس بفعل التآمر والانقلابات، بل بفعل دستور مطاط، فلقد اعتاد الناس في تلك الديار على نموذج الصعود ثم الاختفاء موتا أو سجنا أو إقصاء، ولقد توهم الكثيرون، بل كانوا واثقين، وخاصة في الغرب، أن انتخاب الرئيس مدفيدف سوف يكون بداية النهاية للرئيس بوتن، وأن بريق الحكم وأطماعه قد تدفع الرئيس مدفيدف الى فض عرى الصداقة العريقة بينهما.وبوتن أيضاً أول قائد روسي يخرج من رئاسة الحكومة الى الرئاسة، ثم يعود اليها ليخرج منها مجددا الى الرئاسة وقد يعود الى رئاسة الحكومة، من يدري؟ ويخرج من رئاسة روسيا الاتحادية بعد أن حكمها اثني عشر عاما، وهاهو يعود اليها ربما ليحكم اثني عشر أخرى، وقد يخرج منها مرة أخرى ليعود إليها مجددا، من يدري؟ لكن كل ذلك يتم بمقتضى الدستور الروسي الذي صمت عند صياغته عن التناوب والتداول، ليترك بيد هذا الرجل القوي وكبير الحيلة قدرة قانونية سليمة تماماً للمناورة والنجاح.وبعودته يتصدر بوتن أيضاً المركز الأول في سنوات حكم روسيا ، و مع بدء اليوم الأول لفترة رئاسته الجديدة يتحدى بوتن أرقام جوزيف ستالين في طول سنوات الحكم، إذ يبدأ بذلك اليوم المنتظر قريبا السنة الخامسة والعشرين، والطريق مفتوح أمامه، في الوقت الحاضر على الأقل، ليكمل الثلاثين عاما وربما ستة وثلاثين عاما، والأعمار بيد الله طبعا، وبذلك، وما لم تشهد روسيا الاتحادية أزمة ما أو اضطرابات تطيح به، يكون الرئيس بوتن، إن أراد التوقف هناك قد حكم روسيا لمدة ستة وثلاثين عاما بالتمام والكمال، وهي مدة تزيد كثيرا عن سنوات أي حاكم روسي أو سوفياتي حكم هذه البلاد وهذا الشعبإلا أن هذه العودة المظفرة للقيصر فلادمير بوتن وضعت العالم من جديد أمام أسئلة كبيرة وكثيرة وحرجة، فالسنوات العشرين الماضية من حكمه لم تشهد ثباتا في علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما، كما أنه لم يلق المعاملة «العادلة» التي يستحقها من مفهومه الشخصي، إن كان لمستوى التعاون الذي أبداه ومارسه مع الغرب، أو للمكانة الدولية الكبرى لبلاده روسيا الاتحادية.وسبب ذلك طبعا أن مفهوم بوتن «للعولمة» لا يزال قاصرا على مبادئ «الأممية الشيوعية» التي تربى عليها في طفولته وشبابه داخل مؤسسة الحزب الشيوعي، ثم لاحقا داخل مؤسسة الاستخبارات الروسية العتيدة «الكي جي بي» صاحبة العقيدة القتالية الصلبة، بأن العدو هناك في «الغرب» وأن الخطر يأتي من الغرب، وبالتالي فإن مفهومه للتعاون مع الغرب اقتصر على السياسة الوقائية من خطر نشوب حرب غير مقصودة وتعاون تجاري واقتصادي بحت.ويمكن الجزم أن مفاهيم الانفتاح لدى الرئيس بوتن كانت محافظة جداً بالقياس الى الرئيس الأسبق وصاحب نظرية الانفتاح الكلي ميخائيل غورباتشوف، بل وحتى من زعيمه السياسي الرئيس بوريس يلتسن، إذ يمكن اعتبار بوتن الابن البار لمدرسة الرئيس الأسبق يوري اندربوف والذي جاء الى الرئاسة مباشرة من مدرسة «الكي جي بي»، مدرسة ترى بوضوح ودون أي تجميل مشكلات روسيا الحقيقية، لكنها مدرسة توجب العلاج حصرا ضمن مفهوم الوطنية الروسية الرافضة للوصاية والتدخل الخارجي ، وهي مدرسة تؤمن أيضاً بأعلى قدر ممكن من مركزية الحكم من خلال الكرملين، و إلا ترهل الحكم وتفككت الدولة .وإذا كان القدر عبس كثيرا في وجه يوري اندربوف، سواء لتقدم سنه وأمراضه قبل أن تؤول إليه الكرملين، او بسبب الكوارث والمشاكل الاقتصادية الضخمة، فذلك لأن القدر كان يخبئ ضحكته الكبرى لوريثه الشرعي فلادمير بوتن، سواء من حيث شبابه وحيويته، او من خلال انفجار الثراء المالي والاقتصادي في روسيا، وذلك ما كان يخشاه الغرب دوما، رئيس روسي قوي وشاب، يتحكم بثروات كبيرة لكنه يدير السياسة الخارجية بروح محافظة، وهكذا يهيئ «الغموض» الروسي للغرب الكابوس الذي لا يريد أن يحلم به.وربما تشكل عودة بوتن الى الكرملين مشكلة كبرى للعرب قياسا الى السياسات الروسية الحالية، فمن المؤكد وقوفه شخصيا وراء ما نشكو منه جميعا، سواء الدعم السياسي اللامحدود لنظام بشار الاسد، أو المدد العسكري المؤثر في الصراع، لكن كل ذلك لا يمنع من محاولة إيجاد قواسم مشتركة مع بوتن الرئيس المنتخب والمتحرر توا من الضغوط الانتخابية، خاصة أن الجزء الأكبر من رداءة الموقف الروسي في جوهره موجه الى الغرب، وليست هناك أي علامات لحب مفقود بين بوتن وبشار، بقدر ما بين بوتن والغرب من ثقة مفقودة بعد أحداث ليبيا، وقبل ذلك في أزمة الرادارات الامريكية العملاقة والصراع مع جورجيا.وربما كان الحل الأمثل في هذه المرحلة الحرجة إبقاء الحوار روسيا- خليجيا، لمدى ارتباط ذلك أيضاً باحتمالات تفاقم الأزمة الإيرانية والتداعيات المحتملة لها، ولا شك أن روسيا اليوم أو الحوار معها «جرعة» في غاية المرارة، ولكنها جرعة قد تكون العلاج، من يدري؟ بقلم: محمد رشيد, كاتب فلسطيني

عـــــودة الـقـيــــصـر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خامنئي يحكم قبضته على البرلمان

تسليم 45 ألف شهادة للفحص التقني للسيارات بتادلا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات