العنف ضد رجل الأمن دليل على وجود خلل

الباحث عبد الجبار شكري في علم الاجتماع قال لـ الصباح إن على الدولة أن تحصن أجهزتها من السلوكات اللا قانونية أكد الدكتور عبد الجبار شكري (باحث في علم الاجتماع والنفس) أن عنف والعنف المضاد يدل على وجود انحراف يتنامى بشكل قوي في مجتمعنا، وهذا العنف، يعتبر خروجا عن قواعد المجتمع وخروج عن قوانين الدولة، فعندما يتكاثر عنف جهاز الأمن والعنف المضاد ضد رجال الأمن، فهذا يعني أن هناك خللا في المجتمع... ماهي طبيعة العلاقة بين المواطن والأجهزة الأمنية؟كان جهاز الأمن يشكل بالنسبة إلى المغاربة، إلى حدود السنوات الأخيرة جهازا قمعيا يمارس العنف والقمع على المواطنين باستمرار، وهو عنف تبرره الدولة لبسط سيطرتها وهيبتها على المجتمع.فعنف الأجهزة الأمنية يفسر من الناحية السيكولوجية بكونه إشباع لرغبات عدوانية مكبوتة في اللاشعور، فعندما تزداد الشحنات النفسية لهذه المكبوتات تتجه نحو الأنا مطالبة إياه بإشباعها، لكن الأنا لا يستطيع أن يشبعها بشكل فعلي، نتيجة عدم مشروعيتها في الواقع ونتيجة عدم مطابقتها لضوابط الأنا الأعلى، فيتجه الأنا إلى ممارسة العنف على المتظاهرين، فيحقق لها الإشباع الاستيهامي.أما التفسير السوسيولوجي لعنف جهاز الأمن فيتمثل في ممارسة الإلغاء والإقصاء، نتيجة وجود توتر يفتعله بعض عناصر جهاز الأمن يكون نتيجة اصطدام بين رغبة جهاز الأمن في الهيمنة والسيطرة والسيادة وبين رغبة المتظاهرين في التعبير عن مطالبهم بأشكال سلمية، فتشكل المظاهرة كينونة غريبة وأجنبية على جهاز الأمن، تشكل هذه المظاهرة مع عنف جهاز الأمن مفارقة صارخة تدل لحظة الخروج من قوقعة الخوف على نحو غريب يقتسم معها المواطن الفضاءات النفسية والاجتماعية نفسها، ويقتسم معها عوالم مشتركة، لكن في هذا الاقتسام والمشاركة يحدث الاحتكاك والتصادم بين الذوات الجماعية، فيحضر العنف كوسيلة لإنهاء التوتر والاصطدام من أجل الاحتواء وممارسة الهيمنة والوصاية. ولهذا فإن دور جهاز الأمن ليس تعنيف الناس وتخويفهم بواسطة الشطط في استعمال العنف بل الحفاظ على أمن المواطن بواسطة القانون. هل مازالت النظرة نفسها لجهاز الأمن مستمرة في السنوات الأخيرة؟< لقد بدأنا نشاهد في السنوات الأخيرة تغيرا في النظرة إلى جهاز الأمن باعتباره مرعبا ومخيفا، قد انهارت بفعل تداعيات أحداث الربيع العربي. إن العنف الذي كان يمارسه جهاز الأمن على المواطنين والذي كان يشكل أداة ترهيب وتخويف لم يعد كذلك، بل ولد عنفا مضادا حيث بدأ المواطنون لا يخافون ولا يهربون من رجال الأمن بل يواجهونهم بعنف مضاد إلى درجة إصابة رجال الأمن.إن انتشار عنف رجال الأمن ضد المواطنين وانتشار العنف المضاد ضد رجال الأمن في الآونة الأخيرة كما حدث في مدينة تازة، يدل على تطاول البعض على مؤسسات الدولة وعدم احترام رجالاتها، خصوصا إذا كانوا من هيأة الأمن والجيش، وهذه المؤسسات هي رمز سيادة الدولة، فبدونها لا تمارس الدولة سلطتها، وبدونها لا تفرض هبتها على المواطنين . لقد كان الناس في «حالة الطبيعة « في وعي شقي نتيجة الخوف من العنف المنتشر في كل مكان، والذي لم يكن يمنعه أي عائق أخلاقي أو ديني أو إنساني، والتي كان الناس يوجدون كما يقول هوبز في وضعية «حرب الكل ضد الكل « فاضطر الناس إلى الخروج من هذا الوعي الشقي ومن هذه الوضعية البئيسة إلى الدخول إلى « حالة المدنية « عن طريق التفكير في طريقة حضارية وهي ما سماه فلاسفة عصر الأنوار « التعاقد الاجتماعي « ويعني تنازل جميع الناس عن جزء من حريتهم وعن جزء من أموالهم إلى سلطة عليا هي الدولة، في المقابل تقوم الدولة بحماية حياة الناس وحماية كرامتهم وممتلكاتهم عن طريق قوانين وضعية وعن طريق جهاز أمني وجهاز عسكري يقوم بهذه المهمة. وفي هذا الصدد يقول جون لوك « يبدو لي أن الدولة جماعة من الناس تكونت لغرض واحد هو المحافظة على خيراتهم المادية .....بواسطة قوانين مفروضة.....وإذا أراد أحد انتهاك هذه القوانين.....فإن تجرؤه ينبغي أن يقمع بواسطة الخوف من العقاب...)) وفي السياق نفسه يقول باروخ اسبينوزا «إن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة أو إرهاب الناس....بل هو تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان... « إنه في لحظة تكون المجتمع البشري في أشكاله البسيطة الأولى - العائلة والعشيرة والقبيلة والمدينة والدولة - سواء كان أساس هذا التكون طبيعيا أو تعاقديا من أولوية مهامه هو الحفاظ على كيانه بواسطة ممارسة السلطة، إن جهاز الأمن يتجاوز في كثير من الأحيان الحدود المسموح بها لممارسة مهامه اتجاه المواطنين بحيث يمارس العنف على المواطنين بدون مبرر، وهذا العنف الذي أخذ يواجه به المواطنين و المظاهرات السلمية ولد عند المواطنين عنفا مضادا اتجاه رجال الأمن. مما أصبحنا نجد أنفسنا في وضعية العنف والعنف المضاد وهذا يضر بهبة الدولة كما يضر بأمن المواطنين.إن هذا العنف والعنف المضاد يدل على وجود انحراف يتنامى بشكل قوي في مجتمعنا، وهذا العنف، يعتبر خروجا عن قواعد المجتمع، المتمثلة في المرجعية الدينية، وفي منظومة القيم والتقاليد، والأعراف، والخروج كذلك عن نظام القيم الإنسانية العليا وعن قوانين الدولة، فعندما يتكاثر عنف جهاز الأمن والعنف المضاد ضد رجال الأمن ، فهذا يعني أن هناك خللا في المجتمع و هذا الخلل، ناتج عن الدولة نفسها لأنها تساهم بشكل مباشر في ممارسة العنف والعنف المضاد. ما هي الأساب التي تؤدي إلى ممارسة العنف من طرف جهاز الأمن أو العنف المضاد من طرف المواطنين؟إن العنف والعنف المضاد يشير إلى مجموعة من الأسباب السيكولوجية والسوسيولوجية ، في ما يتعلق بالدلالات السيكولوجية نجد:أولا- إن الشخص الذي يمارس العنف والعنف المضاد في كلا الطرفين رجل الأمن والمواطن، هو في الأصل شخص، مصاب بما يسمى في الاضطرابات النفسية « الشخصية الهذائية- البارانوية « وهي الشخصية المصابة بجنون العظمة، إلى درجة أنها تعتقد أنها فوق الجميع، وأحسن من الجميع، ولها الحق في كل شيء، من هنا فهي لا تتعامل إلا مع أصحاب القوة والسلطة، ولكي تبرهن هذه الشخصية لنفسها أنها تتميز بالعظمة على الجميع، فهي تسعى إلى إيذاء أصحاب القوة والسلطة، سواء في شكل قوة رجال الأمن أو في شكل قوة المواطن المتظاهر أو المنحرف.ثانيا - تتميز شخصية صاحب العنف والعنف المضاد، بما يسمى في الاضطرابات النفسية، الشخصية غير المتزنة انفعاليا، وهذا النوع من الشخصية، تتسم في كل تصرفاتها وسلوكها وردود أفعالها وفي طريقة تفكيرها بالتهور المفرط، وعدم الاتزان الانفعالي، ونقصان الرؤية والتبصر، في ما ستقدم عليه من تصرفات، دون وزن عواقب الأمور، في كونها ستنجح، أو لا تنجح ، ولهذا نجد رجل الأمن يقوم بعنف اتجاه المواطن أو المواطن يقوم بعنف مضاد تجاه رجل الأمن.ثالثا- يشكل العنف المضاد ضد رجال الأمن رغبة قوية في الانتقام باعتبار أن رجل الأمن مارس على المواطن العنف أولا . ذكرتم الدلالات السيكولوجية للعنف والعنف المضاد، فما هي في نظركم الدلالات السوسيولوجية لهذه الظاهرة الشاذة ؟في ما يتعلق بالدلالات السوسيولوجية ، نجد ما يلي:أولا- عندما نشاهد ارتفاع نسبة العنف المضاد ضد رجال الأمن، فهذا يعني وجود خلل قوي في المنظومة الإدارية الأمنية، على مستوى التأطير والكفاءة والالتزام بالأوامر الصادرة عن المؤسسة الأمنية، من توجيهات وملاحظات وتنبيهات، لرجال الأمن الذين يستهينون بهذه الأوامر، وينتهكونها بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يؤدي إلى الوقوع في أخطاء وثغرات، فيعطون الفرصة للمواطنين لممارسة العنف عليهم، ومن بين هذه الانتهاكات تعنيف المواطن بالضرب والجرح أو بالسب والقذف.ثانيا- إن أجهزة الأمن تمتلك القوة الرمزية والفعلية لضمان أمن المواطنين، وحماية ممتلكاتهم، ومصالحهم، بأمر الدستور الذي يعتبر أعلى سلطة قانونية في البلاد، يلتزم بها الجميع، وتلزم الجميع باحترامها والخضوع لها، لكن عندما يتعرض جهاز الأمن للعنف المضاد، فمعنى هذا أن هؤلاء الأشخاص قد جردوه من هذه القوة الرمزية والفعلية في حماية نفسه، فبالأحرى أن يحمي المواطنين.ثالثا- إن تعرض أجهزة الأمن للعنف المضاد، يتخذ دلالة سوسيولوجية وهي الجرأة والتطاول على حرمة وهبة هذا الجهاز، التي يحتفظ بها الوعي الجمعي المغربي في ذاكرته عبر التاريخ، والتي خلقت في المواطن المغربي فوبيا التعامل معه أو الاقتراب منه، ونسجت هذه الفوبيا رمزية قوة وبطش جهاز الأمن في كل المجالات- فبالأحرى أن يمارس عليه العنف المضاد. في نظركم ما هي الإجراءات الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة العنف من طرف رجال الأمن والعنف المضاد من طرف المواطنين؟على الدولة من أجل تحصين أجهزتها الأمنية من السلوكات الشاذة واللا قانونية أن تقوم بمجموعة من الإجراءات والآليات وهي كالتالي : أولا عدم الوقوع في سوء اختيار الأفراد في هذه الأجهزة. ثانيا إيجاد أجهزة ومؤسسات فعالة وقوية للمراقبة، مهمتها مراقبة سلوكات هؤلاء الأشخاص داخل عملهم وخارجهم.ثالثا: يجب أن تلجأ الدولة إلى صرامة القانون لردع هؤلاء الأشخاص الذين يمارسون العنف ضد جهاز الأمن . رابعا: يجب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها و أن تبادر إلى تخليق الحياة العامة السياسية والاقتصادية من جهة ومن جهة أخرى أن تعمل على إصلاح كل الفساد المستشري في هذه الأجهزة.خامسا: فتح حوار مسؤول مع المواطنين في ما يتعلق بمطالبهم الاجتماعية. أجرى الحوار: الصديق بوكزول

العنف ضد رجل الأمن دليل على وجود خلل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شرطة المرور... ضحايا استغلال النفوذ

لعنة الاعتداءات تلاحق رجال الأمن بأكادير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات