وحدة المدينة… الحكامة الترابية وحسابات السياسة

صراع المنتخبين خيم على التجربة والتقطيع الترابي ظل وسيلة لحسم انتخابي على المقاس اقتربت تجربة نظام وحدة المدينة من استكمال عشريتها الأولى، وذلك بعد إقرار هذا النظام الترابي وحصره في مدن بعينها، مباشرة بعد الانتخابات الجماعية لسنة 2003، إذ كان الملك استبق الدعوة، خلال افتتاح الدورة الأولى للبرلمان للسنة التشريعية 2000-2001، إلى إقرار نظام جديد للحكامة الترابية بإصلاح الميثاق الجماعي وإحداث نظام مختلف لإدارة المدن يكرس وحدتها، ويجعل تسييرها من اختصاص مجلس المدينة، ويبقي على مجالس للمقاطعات وحدات فرعية لا تتمتع بالشخصية المعنوية ولا الاستقلال المالي، وهو نظام جرى تنفيذه في المدن التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة، إذ كان لهذا الإطار الترابي، وحدة المدينة، انعكاس على نمط الاقتراع بهذه المدن.على بعد انقضاء عقد من الزمن على تنزيل نظام وحدة المدينة، ظهرت بعض المشاكل السياسية والإدارية التي تهم تسيير هذه الوحدات الترابية، ما جعل بعض النصوص القانونية المؤطرة للتجربة في حاجة إلى مراجعة وذلك حتى تضمن تجاوز هذه الثغرات، غير أن ما يصلحه القانون يفسده الساسة، ذلك أن كثيرا من مجالس المدن، تعيش مشاكل في التسيير وتعطيل شؤون المواطنين، فقد تحولت اجتماعات مجلس المدينة إلى حلبة للصراع بين الأحزاب لتصريف خطاباتها السياسية، كما أن الحاجة إلى أغلبية لتسيير هذه المدن، جعل الكثير من التحالفات هجينة وتفتقد إلى معايير الوحدة والتعايش والانسجام، ما أدى إلى انعكاس هذه الوضعية الاستثنائية على تسيير هذه المدن.الصراع السياسي كان أبرز مميزات المرحلة السابقة التي طبعت تدبير الشأن المحلي لكثير من المدن، فالأحزاب السياسية التي تتصارع في ما بينها إبان الانتخابات التشريعية، تبحث عن التحالف بينها في الانتخابات الجماعية، وهو ما يجعل التحالف داخل المجالس الجماعية لا يخضع لتحالف الأغلبية الحكومية نفسها.في السياق ذاته، عرت دراسة أجرتها وزارة الداخلية لتقييم حصيلة الممارسة الجماعية بعد الإصلاح الذي عرفه الميثاق الجماعي سنة 2002، عن حقائق صادمة، نظير ظهور صعوبات تعرقل السير العادي لبعض المجالس الجماعية، وإشكالية تدبير المدن ذات نظام المقاطعات، وهيمنة المهام الإدارية على حساب التدبير الاستراتيجي في بعض الجماعات، وضعف فعالية الإدارة المحلية في غياب تنظيم محكم، وافتقارها إلى طاقم إداري يعتمد عليه المجلس في إعداد وتنفيذ القرارات، وإشكالية تدبير المرافق العمومية في المدن الكبرى وغياب الضوابط الضرورية لضمان التنسيق بين المتدخلين في مجال الخدمات العمومية·قبل آخر انتخابات جماعية، جرت سنة 2009، أعادت الدولة مراجعة عدد من النصوص المنظمة لوحدة المدينة، وذلك في محاولة لتجاوز الهفوات التي أبانها تطبيقها في إطار تنزيل نظام وحدة المدن. وفي هذا الإطار، جاء المشروع التعديلي الذي يتمم ويغير القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، وأهم ما أقره المشروع تكريس صلاحيات الرئيس المنتخب، وإعمال إجراءات تكريس الاستقرار الرئاسي داخل الجماعة المحلية بوضع حد للانقلابات، في التجارب الجماعية السابقة لفترة 2003، التي كثيرا ما أطاحت برؤساء منتخبين بسبب خلافات سياسية أو حسابات ضيقة بين الأعضاء المنتخبين. بالمقابل، نزعت الاختصاصات الجديدة لرئيس مجلس المدينة عن المقاطعات صلاحياتها، كما أصبح مجلس المدينة يتمتع بصلاحيات تدبير برامج التهيئة والصيانة والطرق العمومية، وكذا الاختصاصات المتعلقة بالشرطة الإدارية.التقطيع الترابي ظل واحدا من الوسائل التي تستخدمها الداخلية لضبط الخريطة، وفي السياق ذاته، استبقت الوزارة الانتخابات الجماعية الأخيرة بتعديلات أدخلتها على التقسيم الجماعي لعدد من الدوائر والجماعات المحلية، استنادا إلى نقاش مفتوح احتضنه مقر وزارة الداخلية، وشارك فيه ممثلون عن الأحزاب ورؤساء الجماعات على امتداد التراب الوطني. بإعادة تنظيم الخريطة الجماعية، أصبحت تضم نحو 1503 جماعات، منها 1282 جماعة قروية و221 جماعة حضرية، في سياق تكريس دور الإدارة المحلية وتعزيزها في مجال سياسية القرب، وخلق مجالات ترابية متضامنة، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الديمغرافية والمجالية والاجتماعية والاقتصادية. وشملت عملية الملاءمة 484 جماعة من أصل 1497، بما يقارب إنجاز تغييرات في الوسط القروي همت 480 جماعة قروية من بين 635. كما نص المشروع على إحداث 14 جماعة قروية جديدة وجماعتين حضريتين، ومنح صفة جماعة حضرية لفائدة 20 جماعة قروية، بالإضافة إلى دمج عشر جماعات قروية في ما بينها. إحسان الحافظي

وحدة المدينة… الحكامة الترابية وحسابات السياسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حـرب المــواقـع فـي دورات مـجـالـس المــدن

الرجاء والكاك يودعان القسم الأول للسلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات