تزايد الفوارق وضعف التناسق اختلالات واكبت نظام وحدة المدينة

محمد زين الدين الباحث في العلوم السياسية أكد أن تطبيق مشروع الجهوية الموسعة لا ينبغي أن يتم دفعة واحدة أكد محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية أن من بين الأهداف الأساسية التي استهدفها المشرع من إخراج نظام وحدة المدينة، هو عدم التعاطي مع مفهوم المقاطعة وحدة للتنمية المحلية، إذ ينبغي للمشاريع أن تندرج في سياق مفهوم المدينة وفق منظور شمولي، لكن الواقع العملي عاكس هذه التصورات، إذ تفتقد هذه المشاريع التخطيط الاستراتيجي التشاركي مثلما يغيب عنها عنصرا التقييم والتقويم اللذان يعتبران من أهم مرتكزات نجاح التخطيط الاستراتيجي. في ما يلي نص الحوار: ماهو التقييم العلمي والسياسي لأداء مجالس المدن ونظام وحدة المدينة؟استهدف المشرع المغربي من وراء تبني نظام وحدة المدينة تجاوز الإطار التقليدي الذي كان يحد عمل المجلس الجماعي، إذ سعى هذا النظام إلى تحقيق هدفين أساسيين؛ فمن جهة، استهدف إقرار تدبير عقلاني للموارد المالية والبشرية لوحدة المدينة بغية تحقيق مبادئ الحكامة المحلية، وسعى من جهة أخرى إلى تحقيق متطلبات وحاجيات القرب، بيد أنه على مستوى الممارسة اعترت هذين الهدفين اختلالات عدة، منها ما هو عام أي ينسحب على جل المدن الكبرى التي طبق فيها هذا النظام، ومنها ما هو خاص.فعلى سبيل المثال لا الحصر، نستحضر مبدأ الموقع الجغرافي لكل مدينة على حدة، فحجم المشاريع المنجزة في الدار البيضاء لا يمكن قياسها مقارنة مع انجازات مدينة كسلا أو فاس .أما الاختلالات العامة، فيمكن رصدها على سبيل المثال لا الحصر في الجوانب التالية كوجود خروقات في التسيير والتدبير لدى بعض المجالس، والتي كشفت عنها بوضوح تقارير المجلس الأعلى للحسابات منذ تقرير سنة 2007 ، وتزايد الفوارق الاقتصادية والاجتماعية داخل المدينة نفسها في إطار ما يعرف بتأثير نظرية المركز والمحيط، وضعف التناسق الحضري، وغياب تصور شمولي ومنسجم للتسيير والتدبير، إلى جانب غياب ملحوظ للتدبير الاستراتيجي التشاركي، كما أظهرت الممارسة محدودية المعايير المعتمدة في مراقبة وتتبع أنظمة التدبير المفوض ومحدودية في تدبير النظام الجبائي لهذه المجالس . إلى ماذا تعزى هذه الاختلالات؟هناك جملة من الأسباب وراء هذه الاختلالات، لكن يبقى أهمها وجود تركيبات سياسية هجينة في تشكيل مكاتب هذه المجالس، إذ تهيمن عليها الحسابات الحزبية والسياسوية والمصلحة الشخصية الضيقة بين أعضائها على حساب التدبير الديمقراطي للشأن العام المحلي، ما انعكس على غياب برامج مشتركة وأفضى إلى سوء التدبير المالي، المتجسد أساسا في تراجع حجم الادخار الإجمالي للميزانية بفعل هيمنة مصاريف التسيير المتزايدة باستمرار، وارتفاع حجم الاعتمادات المنقولة بالنسبة إلى ميزانية التجهيز من سنة إلى أخرى، وتزايد ظاهرة المداخيل غير المقبوضة، ما يترجم أزمة الثقة بين هذه المجالس والمترفقين المتعاملين معها إلى جانب ضعف مراقبة ميزانية هذه المجالس، إذ يكفي أن نستحضر هنا أن مدينة بحجم الدار البيضاء تعرف ضعفا ملحوظا على مستوى مراقبة الحساب الإداري، إذ نجد مؤسسة وحيدة مسؤولة عن مراقبة الحساب الإداري للجماعة الحضرية للدار البيضاء، ولمجلس العمالة، ومجلس الجهة ككل، وهذا أمر لا يستقيم مع تطبيق مبادئ الحكامة المحلية، خصوصا أن الدستور اليوم يربط المسؤولية بالمحاسبة.إلى جانب هذه الاختلالات، نسجل ضعفا ملحوظا في الشراكات بين هذه المجالس وباقي الفرقاء، فلو عدنا إلى نموذج الدار البيضاء سنجد أنها لا تحقق سوى فائض 100 مليون درهم، مقابل برمجة مشاريع تفوق 6 مليارات درهم، كمشروع الترامواي الذي تطلب ميزانية 650 مليارا، ناهيك عن انجاز مشاريع البنيات التحتية وغيرها من المشاريع التنموية، ما يتطلب تدخلا من قبل الدولة والمستثمرين لانجاز هذه المشاريع، أضف إلى ذلك ظاهرة تأخر انجاز هذه المشاريع، وإشكالية إعادة هيكلة الموظفين، فالدار البيضاء مثلا كانت تتوفر على 23 ألف موظف جماعي لينزل هذا العدد حاليا إلى 17 ألفا، ومع ذلك مازال هذا الرقم يؤثر على ميزانية هذه المدينة بفعل ارتفاع معدل كتلة الأجور، كما أن عدم تفعيل سياسة اللاتمركز تعيق تحقيق الفاعلية المطلوبة في عمل هذه الفئة، كما نسجل على هذه التجربة غياب التدبير التشاركي بين فعاليات المجتمع المدني وهذه المجالس.هل ساهمت مركزة معظم الصلاحيات التدبيرية بيد العمداء ونزعها عن رؤساء المقاطعات في عقلنة نمو المجال بشكل متضامن في المدن أم أن الأمر كانت له انعكاسات سلبية؟إن من بين الأهداف الأساسية التي استهدفها المشرع من إخراج نظام وحدة المدينة هو عدم التعاطي مع مفهوم المقاطعة وحدة للتنمية المحلية، إذ ينبغي للمشاريع أن تندرج في سياق مفهوم المدينة وفق منظور شمولي، لكن الواقع العملي عاكس هذه التصورات، إذ تفتقد هذه المشاريع التخطيط الاستراتيجي التشاركي مثلما يغيب عنها عنصرا التقييم والتقويم اللذان يعتبران من أهم مرتكزات نجاح التخطيط الاستراتيجي.رغم أن الميثاق الجماعي حدد في إطار وحدة المدينة الأدوار التي تلعبها المجالس الجماعية في علاقتها بالمقاطعات الجماعية، في إطار إعمال مقاربة القرب الموكولة إلى المقاطعات، لكن على مستوى الواقع تحولت هذه المقاطعات إلى أريكة فارغة، إذ سحب منها العديد من الاختصاصات لفائدة نظام التدبير المفوض كالإنارة العمومية التي فوضت إلى شركات خاصة، فيما المفروض أن يسند هذا الاختصاص إلى المقاطعات الجماعية، والأمر نفسه يتعلق بجمع النفايات التي كان ينبغي أن يوكل إليها أو على الأقل منحها أمر المراقبة والتتبع لهذه الشركات، مع فرض غرامات جزائية على هذه الأخيرة في حالة خرق دفتر التحملات.هل لأزمات مجالس المدن التي نعيشها اليوم علاقة باستمرار تدخل سلطة الوصاية في عدد من البرامج التنموية وميزانيات مجالس المدن؟بفعل مقتضيات الميثاق الجماعي، أصبح هناك هامش كبير من الاستقلالية متاحة لمكاتب مجالس المدن في علاقتها مع سلطات الوصاية التي عمل القانون الجديد على تحديد صلاحياتها بدقة اجتنابا لتداخل الاختصاصات بين الطرفين، والواقع أن هناك تكاملا بينهما في اتجاه يمكننا من تجاوز مفهوم الوصاية لتعويضها بمفهوم المواكبة من قبل هذه السلطات لمجالس المدن، وكنموذج على تحقيق هذا التكامل يجب أن تتكامل ميزانية مجلس المدينة مع ميزانيات مجلس العمالة ومجلس الجهة بغية إنجاز البنيات التحتية.لكن نسجل أحيانا نوعا من التدخل يقع لاعتبارات شخصية ومزاجية أكثر ما هي قانونية، ليس فقط في علاقة هذه المجالس مع سلطة الوزارة، بل حتى مع ممثلي وزارة المالية. هل ستنتقل صلاحيات رئيس مجلس المدينة إلى رئيس الجهة ضمن إطار الجهوية الموسعة ؟بالنظر إلى المستجدات التي حملتها مقتضيات الدستور الجديد، وكذا الاختصاصات التي أفردها تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية لرئيس المنصب الجهوي، فإن جانبا من هذه الاختصاصات ستفرد لرئيس المجلس الجهوي، إذ أصبح بموجب هذه التعديلات هو الآمر بالصرف، لكن عمل هذه المجالس سيستمر وسيكون من المجدي بعد اجراء الاستحقاقات المقبلة وضع تقييم موضوعي لنظام وحدة المدينة، لأن الأمر هنا يتعلق بتجربة جنينية بحاجة إلى التقييم والتقويم المستمرين حتى يمكن لهذا النظام أن يجسد فعليا مجالا حضريا لتفعيل السياسات العمومية الفاعلة والفعالة، وأيضا موطنا لمصالح متعددة ومتقاربة، وآلية لتحقيق تنمية محلية مستدامة تجعل المواطن أساسها المركزي. لذا يتطلب الأمر ضرورة اعتماد منهجية تقوم على منظور شمولي لواقع وآفاق المدينة، مع تبني أسلوب التخطيط الاستراتيجي التشاركي، بمعاييره الواقعية، والقابلة للتنفيذ، والمستندة إلى تدشين تدبير تشاركي بين مختلف الفاعلين، بما يمكن من تحقيق التوازن بين قضايا القرب، والقضايا العامة ذات البعد الاستراتيجي المطروحة. الجهوية وسياسة اللاتمركز وصول المغرب اليوم إلى إقرار نظام جهوية موسعة، معناه أنه راكم تجربة مهمة بإيجابياتها وسلبياتها، خصوصا مع إقرار قانون التنظيم الجماعي لسنة 1976، لكن الدخول اليوم في تطبيق مشروع الجهوية الموسعة لا ينبغي أن يتم دفعة واحدة، لأن الأمر يتعلق بمشروع متداخل الأبعاد منها ما هو قانوني ومنها ما هو اقتصادي واجتماعي، لكن أعتقد أنه ينبغي التركيز أساسا في هذه المرحلة على كيفية إنزال هذا المشروع الضخم على أرض الواقع من خلال توفير كافة الشروط الذاتية والموضوعية بغية ضمان استمراريته، لأن هذا المشروع لن يعمق فقط مسار سياسة اللامركزية بالمغرب، بل سيغير من وظائف الدولة بما سيخدم بشكل ايجابي المواطن والمجتمع على حد سواء. أجرى الحوار: رشيد باحة

تزايد الفوارق وضعف التناسق اختلالات واكبت نظام وحدة المدينة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إجماع على فشل نظام وحدة المدينة بمراكش

اختلالات عميقة وتباين بين المقاطعات ومجلس مدينة طنجة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات