زين الدين أستاذ القانون الدستوري أكد أن مبادرة “البام” تسعى إلى تفعيل آلية دستورية
أكد محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري، بكلية الحقوق بالمحمدية, أن تنزيل ملتمس الرقابة مهمة صعبة في السياق المغربي، لصعوبة حصول الحزب صاحب المبادرة على النصاب، بسبب تشتت الخريطة السياسية، وطبيعة العلاقات المتوترة بين مكونات المعارضة في البرلمان.
في ما يلي نص الحوار:
< لوح “البام” بتفعيل آلية ملتمس الرقابة ضد الحكومة. كيف تقرأ الشروط السياسية التي تأتي فيها المبادرة؟
< يمكن تناول مبادرة حزب الأصالة والمعاصرة فتح النقاش حول تفعيل ملتمس الرقابة ضد حكومة العثماني، من زاويتين دستورية وأخرى سياسية.
فمن الزاوية الدستورية الصرف، يمكن القول إن المبادرة ممكنة بالنسبة إلى توفر الحزب على إمكانية جمع خمس توقيعات أعضاء مجلس النواب، التي ينص عليها الفصل 105 من الدستور، بالنظر إلى توفره على 102 مقعد، والتي تمكنه من إمكانية معارضة استمرارية عمل الحكومة.
ويفرض القانون بعد جمع التوقيعات وإرسالها إلى رئيس المجلس انتظار مدة ثلاثة أيام، لفسح المجال أمام إمكانية تراجع النواب بعد الدخول في مفاوضات، على أن الموافقة النهائية على الملتمس تقتضي التوفر على الأغلبية المطلقة.
وإذا كانت المرحلة الأولى ممكنة، كما سلف الذكر، نظرا لعدد النواب الذي يتوفر عليه الحزب صاحب المبادرة، فإن مسألة المصادقة تتطلب التوفر على أغلبية أعضاء المجلس، وهو الأمر الذي يفرض فتح مشاورات مع أحزاب أخرى في المعارضة، ولم لا نواب غاضبين من الأغلبية، للمرور إلى المرحلة الثالثة من مسطرة تنزيل ملتمس الرقابة.
ومن الناحية السياسية، فإن ملتمس الرقابة له تداعيات سياسية قد تفضي في حال نجاحه إلى إسقاط الحكومة بشكل جماعي، وهي مهمة صعبة في السياق المغربي، لصعوبة الحصول على النصاب، بسبب تشتت الخريطة السياسية، وطبيعة العلاقات المتوترة بين مكونات المعارضة في البرلمان.
< لم يلق مقترح “البام” دعما من حزب الاستقلال رغم تبنيه موقف المعارضة في مواجهة حكومة العثماني. ما هي أسباب هذا الرفض؟
< لم تجد مبادرة “البام” دعما من قبل أحزاب المعارضة، خاصة الاستقلال، بسبب طبيعة العلاقات المتوترة بين الحزبين، الموروثة عن فترة تولي شباط والعماري مسؤولية الأمانة العامة بالحزبين، وتورط “البام” في حروب مع مكونات الحقل السياسي، ما فرض عليه عزلة قاتلة، خاصة مع حزب الاستقلال الذي يتوفر على فريق يتجاوز الأربعين عضوا، وهو الأمر الذي يقف حاجزا في وجه دعم مقترح ملتمس الرقابة.
ولحد الساعة، يصعب الرهان على تفجير مكونات الأغلبية، رغم وجود تناقضات واختلافات بين مكوناته، وبالتالي لن يجد “البام” من يدعم مشروعه، مادام الجميع متمسكا بالبقاء داخل الحكومة، رغم الخلافات التي تتفجر من حين إلى آخر داخل الأغلبية.
ويبدو أن “البام” يواجه وضعا داخليا صعبا، بعد ذهاب إلياس العماري، وانتخاب حكيم بنشماش، الذي يسعى إلى إعادة بناء الحزب وتقوية دوره في المعارضة، عبر إشهار ورقة ملتمس الرقابة.
والحال أن السياق السياسي الذي طرحت فيه المبادرة غير ملائم، لإعادة هيكلة الحكومة، بسبب الاحتجاجات الشعبية وتداعيات المقاطعة، وفشل الحوار الاجتماعي، وهي أوضاع تهدد الاستقرار، وبالتالي لن تغامر الأحزاب بركوب دعوة “البام” بتنزيل ملتمس الرقابة.
< يرى البعض أن إعادة الانتخابات ستعيد “بيجيدي” من جديد، بسبب غياب بديل قادر على تغيير الخريطة السياسية. كيف تقرأ هذا السيناريو في علاقته بمبادرة “البام”؟
< في الواقع، لا يتخوف العدالة والتنمية من إعادة الانتخابات، لأنه يظل واثقا من قواعده الانتخابية وقوة تنظيماته المحلية، في المقابل، لا تتوفر باقي المكونات على بدائل قوية تضمن لها الإطاحة بـ “بيجيدي”، وهو ما نشهده اليوم بشكل جلي في الساحة السياسية، رغم الأوضاع الاجتماعية المتسمة بالاحتقان.
وأشاطر الرأي القائل إن تنظيم انتخابات قبل الأوان، في ظل هذه الشروط، قد يعطي النتائج نفسها، ويبوئ العدالة والتنمية الرتبة الأولى، وتكرار تجربة “البلوكاج” السابق، بخصوص تشكيل الأغلبية الحكومية. لذلك أرى أن مشروع ملتمس الرقابة الحالي لا يتوفر على شرط التنزيل.
وفي المقابل، أؤكد أن طبيعة الظرفية التي تمر منها حكومة العثماني اليوم، والقضايا الحارقة التي تواجهها، تفرض البحث عن بدائل سياسية أخرى، للخروج من وضعية الاحتقان، وتجاوز سلاح ملتمس الرقابة.
ويمكن القول إن إشهار ملتمس الرقابة حتى وإن لم يكتب له النجاح، يعتبر مكسبا لـ “البام”، لأنه يفضح فشل الحكومة في التعاطي مع ملفات الاحتقان الاجتماعي، واستعادة الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين، باعتباره ضرورة لتفادي المزيد من التوتر وتعزيز الاستقرار.
ملتمسات رقابة فاشلة
< عرف المغرب مناسبتين لتقديم ملتمس الرقابة الأولى في 1964 والثانية في 1990، لم تنجحا معا، بسبب عدم استكمال الشروط. ما هي القواسم المشتركة بين الملتمسين والمبادرة الحالية؟
< يعود فشل ملتمسي 1964 و1990 إلى العجز عن التوفر على نصاب قانوني، أمام عدم القدرة على جمع توقيعات الأغلبية المطلقة للإطاحة بحكومتي أبا حنيني وعز الدين العراقي. والأمر يعود إلى الشروط التي لم تتمكن فيها أحزاب المعارضة في التجربتين من جمع الأغلبية المطلقة، فأقبر الملتمسان.
والحال أن الجارة إسبانيا، والتي تتوفر على تقاطب قوي، تمكنت بسهولة من إسقاط حكومة راخوي اليمينية، من قبل الحزب الاشتراكي وحلفائه في اليسار والتنظيمات الراديكالية من قبل “بوديموس” والأحزاب الكاتلانية، في حين أن تجربة المغرب، البرلمانية، وطبيعة النظام الانتخابي المعتمد لا يسمحان بفرز خريطة سياسية بحزبين أو ثلاثة، ما يصعب مهمة تشكيل الحكومة وإسقاطها أيضا.
لكن يبقى المهم في مبادرة “البام” اليوم هي أنها فتحت النقاش من جديد حول الثنائية القطبية، وإعادة نمط الاقتراع، لمواجهة تشتت المشهد الحزبي، والذي يظل عائقا أمام فرز تقاطب واضح وقوي.
إن المشكل في رأيي، يهم القوى السياسية التي أضحت عاجزة عن تأطير الشارع، وهو الأمر الذي تجلى بشكل واضح في حراك الحسيمة وجرادة، واللذين تجاوزا دور الوسائط السياسية، وهمشا دور الأحزاب، وهو الأمر الذي يفرض اليوم التفكير جديا في إعادة هيكلة المشهد الحزبي، بما يضمن تفعيل دور المعارضة، واستعادة ديناميتها في البرلمان، وتفعيل آليات الرقابة المختلفة وضمنها ملتمس الرقابة، للتفاعل مع انتظارات المواطنين، والجواب على مطالبهم الملحة.
أجرى الحوار : برحو بوزياني