مساره يشبه سلوكه في كرسي الاحتياط. بدأ مساعدا، وكاد يتوقف عن التدريب في سن مبكرة، والتفرغ لتدبير شركة نظافة، وفي المباريات يترنح، ويغير خططه، ويضغط في مناطق المنافس، تارة، ويدافع تارة أخرى، حتى يفوز.
هذا المعطى تأكد أكثر في مباراتي أوكرانيا وسلوفاكيا الإعداديتين، إذ جرب فيهما كل خططه وأفكاره دفعة واحدة، إذ لعب بثلاثة لاعبين في وسط الدفاع، ثم بلاعبين، وجرب الضغط العالي بقوة، وجرب التحفظ ثم جرب الهجوم بأكبر عدد من المهاجمين.
كل هذا لا يجعل المنتخب الوطني يحقق نتائج إيجابية منذ وصول المدرب الأشقر إلى دكة الاحتياط فحسب، بل جعله صعب المراس وغامضا على منافسيه، حتى لو كانوا من حجم إيران وإسبانيا والبرتغال.
مدافع مغمور
لعب هيرفي رونار، المولود في 30 شتنبر 1968 بفرنسا، مدافعا في فرنسا، وحمل قميص ثلاثة فرق في الدرجة الثانية وفي دوري الهواة، هي فريق كان في الفترة من 1983 إلى 1990، وخاض خلالها 87 مباراة، وسطاد دو فالوريس في الفترة من 1991 إلى 1997، وخاض خلالها 105 مباريات، ودراغينغون في موسم 1997 – 1998، وخاض معه 23 مباراة.
وعجلت الإصابة، باعتزال هيرفي رونار عن سن 32 سنة، فتولى تدريب آخر فريق لعب له، وهو دراغينغون في الموسم الموالي لتوقفه عن الممارسة، قبل أن يدرب كامبريدج يونايتد الإنجليزي في الدرجة الثانية في 2004، لكنه سرعان ما عاد إلى فرنسا، ليدرب سونغ نام وتشيربورغ في الفترة من 2005 و2007.
في 2007، بدأ اليأس من التدريب وعالم الكرة يتسرب إلى هيرفي رونار، إذ لم يحقق أي نجاحات تذكر في الفرق التي دربها، فقرر حينها التفرغ لشركته المختصة في النظافة.
لم تمر سوى أشهر معدودة على قراره، حتى تلقى رونار اتصالا من أستاذه كلود لوروا، الذي عرض عليه العمل مساعدا له في الدوري الصيني، ليبدأ معه رحلة طويلة انتهت به في إفريقيا، وتحديدا في زامبيا من 2008 إلى 2010، وأنغولا في 2010.
وفي الفترة التي عمل فيها رونار رفقة كلود لوروا في زامبيا ترك انطباعا لدى المسؤولين بأن هذا الرجل يستحق فرصة لتدريب منتخبهم، فعينوه مدربا رسميا بعد الانفصال عن لوروا.
في مرحلة زامبيا الأولى، لم يقض هيرفي رونار سوى فترة قصيرة، إذ أقاله المسؤولون الزامبيون، ليخوض بعد ذلك تجربة قصيرة مع أنغولا واتحاد العاصمة الجزائري، ثم عاد إلى زامبيا، فكانت انطلاقته الحقيقية.
بداية الثورة
استطاع هيرفي رونار أن يحقق ما عجز عنه في المرحلة الأولى، وما عجز عنه أستاذه كلود لوروا، إذ فرض أسلوبه الخاص، واستطاع أن يحقق نتائج باهرة مع هذا المنتخب، الذي قاده إلى تحقيق حلم لم يكن يتوقعه أكثر الزامبيين تفاؤلا، وهو التتويج بكأس إفريقيا بعد أقل من سنة على تعيينه.
كبر طموح رونار بعد التتويج بكأس إفريقيا، إذ أعلن حينها أن هدفه بلوغ كأس العالم 2014 بالبرازيل، إذ قال حينها “سأبقى في زامبيا. ماتزال عندي أحلام أريد تحقيقها، ومنها تأهل هذا المنتخب إلى نهائيات كأس العالم”.
لكن رونار فشل في تحقيق حلمه، رغم إعفاء زامبيا من الدور التمهيدي، فغادر نحو فرنسا، لعله يرد الاعتبار إلى نفسه، ويحقق ما عجز عنه في بداية مساره التدريبي، فتولى تدريب نادي سوشو موسم 2013 – 2014، لكنها كانت تجربة فاشلة، ليعود بعدها إلى بيته الإفريقي، حيث سيدرب كوت ديفوار، ويتوج معه بكأس إفريقيا 2015، ليسطع نجمه بشكل لافت في كرة القدم الإفريقية.
الصفحة المغربية
بعد مغادرة كوت ديفوار، اختفى رونار عن الأنظار في الساحة الإفريقية، لكن اسمه بقي يتردد بقوة في وسائل الإعلام الفرنسية، التي ظلت في كل مرة تربطه بتدريب أحد المنتخبات، وضمنها المنتخب الوطني المغربي، الذي كان يشرف عليه بادو الزاكي.
وفي كل مرة كانت فيها الصحف الفرنسية تشير إلى تفاوض رونار مع الجامعة، كان المسؤولون المغاربة يتصدون بقوة لتلك الأخبار، مؤكدين ثقتهم في الزاكي إلى حدود الليلة التي سبقت الإعلان عن تعيين رونار، وكان ذلك بالضبط في 16 أبريل 2016.
في ذلك اليوم، حل رونار بالمغرب، وأعلنت الجامعة تعيينه مدربا رسميا لأسود الأطلس، فيما استدعى فوزي لقجع بادو الزاكي إلى اجتماع طارئ لفسخ عقده، ليتأكد أن ما كانت تكتبه الصحف الفرنسية ليس “إشاعة”.
وحاول فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، امتصاص الضغط الذي أثارته إقالة الزاكي وتعيين رونار، بالقول إن الناخب الوطني الجديد سيتكلف بتدريب المنتخب الأول ومنتخب المحليين في الوقت نفسه، فضلا عن التنسيق مع الإدارة التقنية الوطنية للإشراف على المنتخب الأولمبي.
لم يتأخر هيرفي رونار في وضع بصمته على أداء المنتخب الوطني، فسرعان ما ظهر تطور كبير على أداء اللاعبين، بمن فيهم أولئك الذين كان يتلقون انتقادات الجمهور المغربي، على غرار يونس بلهندة وامبارك بوصوفة وخالد بوطيب، والذين تحسن أداؤهم بشكل لافت، بسبب الأسلوب المعتمد من قبل الناخب الوطني.
في كأس إفريقيا 2017 بالغابون، بدأت ملامح منتخب قوي تظهر، بعد تمكن أسود الأطلس من تجاوز الدور الأول، مقدمين عروضا أسعدت المغاربة طيلة المباريات التي خاضوها في البطولة.
بعد تلك البطولة، دخل رونار تحديا آخر، هو قيادة أسود الأطلس نحو كأس العالم 2018 بروسيا، وبدأ مسار التصفيات بتعادل مخيب للآمال أمام كوت ديفوار في مراكش، غير أنه سرعان ما كفر عنه في المباريات الموالية، إلى أن انتزع بطاقة التأهل على حساب كوت ديفوار.
ويعتبر رونار رابع مدرب أجنبي يتأهل مع أسود الأطلس إلى نهائيات كأس العالم، بعد اليوغوسلافي فيدينيك سنة 1970 بالمكسيك، والبرازيلي المهدي خوصي فاريا في 1986 بالمكسيك، والفرنسي هنري ميشيل سنة 1998، علما أن الإطار الوطني عبد الله بليندة الربان المغربي الوحيد الذي قاد المنتخب المغربي إلى مونديال أمريكا سنة 1994.
عبد الإله المتقي