نـادي القضـاة… مـاذا بعـد الاستقلاليـة ؟

مئات الأعضاء يجتمعون اليوم ليقرروا في مصير ناديهم وسط ترقبات كبرى يعقد نادي قضاة المغرب اليوم (السبت)، جمعه العام، الذي لن يكون كباقي الجموع السابقة، لا من حيث راهنية الأحداث ولا من حيث التوقيت. جمع عام سيتم خلاله انتخاب المجلس الوطني، وبعدها رئيس جديد أو التمديد للرئيس الحالي بولاية جديدة، ومكتب تنفيذي جديد، غير أن المؤشرات المصاحبة للجمع العام تؤكد أنه لن يكون كسابقيه في ظل استقلال السلطة القضائية ووجود رئيسه السابق ضمن تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية. أسئلة حارقة تنتظر من النادي الإجابة عنها وعن موقعه داخل المنظومة القضائية، وهل سيكون فاعلا في المستقبل أم أن التقزيم في أدوار الجمعيات المهنية القضائية التي جاء بها القانون ستجعله فقط جمعية تعنى بالجانب الاجتماعي للقضاة. حصيلـة ثمانـي سنـوات 20 غشت 2011، تاريخ مهم داخل الجسم القضائي عندما قرر مجموعة من القضاة الثورة على التقاليد وتأسيس جمعية قضائية جديدة بعد أن منح دستور 2011 إمكانية ذلك، كانت تلك النقطة التي أثارت العديد من التساؤلات حول المولود الجديد في ظل التعددية الجديدة أيضا، هل سيكتب له الاستمرار أم لا, خاصة أن الولادة كانت عسيرة وفي الشارع العام, بعد أن تم منعه من حق استعمال قاعة بالمدرسة الوطنية للطاقة والمعادن كما كان مبرمجا، بعد أن أعلموا في آخر لحظة برفض إدارة المدرسة السماح لهم رغم العقد الذي يربطها باللجنة التنظيمية، وعزت الإدارة سبب الرفض إلى أوامر صادرة من جهات عليا، حسب ما جاء في الكلمة التي ألقيت أمام باب المدرسة لشرح أسباب منع حوالي 400 قاض حضروا من مختلف محاكم المملكة لأجل المشاركة في الجمع العام. لم يعد هناك ما يعرف بعقدة الخوف التي لازمت القضاة المغاربة لمدة طويلة، حتى أضحوا بعيدين عن الحياة المجتمعية، إذ برهن القضاة في ذلك اليوم عن شجاعة قل نظيرها، بعد أن تحدوا قرار المنع الذي جوبهوا به، والذي لم يكن قرار كتابيا، وإنما مجرد رسالة شفوية من القائمين على المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، التي لم تسمح لهم بعقد الجمع العام، رغم العقد الذي يربطها بالنادي، بعلة أوامر عليا تبقى قاب قوسين، لأنه في حال وجود تلك الأوامر فإنها تشكل ضربا حقيقيا لمسلسل الديمقراطية ورهان التغيير الذي انخرط فيه المغرب منذ الخطاب الملكي ل9 مارس الماضي، الذي أكد على ضرورة الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، ترجمت محاوره في الدستور الجديد، من خلال تغييرات مهمة همت القاضي بشكل خاص وأعطته ضمانات خلال الممارسة المهنية، كما أحدثت تغيرات في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء الذي أضحى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكرست حقه في تأسيس جمعيات مهنية. كما أوكل إليه الدستور حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون. جرأة تلك اللحظة والإصرار على عقد الجمع العام، شكلا بالنسبة لنادي قضاة المغرب ضربة حظ ساهت في تسريع الأحداث، وفي إيجاد مكان له ضمن المتغيرات التي عرفتها الساحة القضائية ساعتها, بعد الإعلان عن استقلال السلطة القضائية وما صاحبها من نقاش قوي كان للنادي الفتي ساعتها دور فيها. بعد أشهر قليلة من تأسيس نادي قضاة المغرب وانتخاب ياسين مخلي رئيسا له، والذي يشغل في الوقت الحالي عضوا بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بدأت الأحداث تتسارع في ظل التأسيس لاستقلال السلطة القضائية، وكانت أولى الانتظارت كما عبر ساعتها ل"الصباح" مخلي هو تطبيق مضامين الخطاب الملكي لعشرين غشت 2009 بخصوص تحسين وضعية القضاة بشكل مستعجل، وثانيا المساهمة الفاعلة للنادي في وضع تصوراته مع قضاة المملكة حول مشاريع النصوص التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، وثالثا انتظار العمل الجاد على تجسيد التضامن القضائي وتحسين ظروف اشتغال القضاة داخل المحاكم عن طريق إنجاز دراسات وأبحاث علمية لتحديد المشاكل التي يعانيها موضوع بناء سلطة قضائية، طبقا لنص الدستور. بالإضافة إلى التمسك بدور الملاحظة وتقييم أعمال المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورصد الاختلالات التي تعيشها جميع المؤسسات المتدخلة في منظومة العدالة، ومباشرة بعد تنصيب الحكومة ساعتها، وتعيين مصطفى الرميد وزيرا للعدل والحريات، خرج النادي بقرار إمهال الحكومة إلى غاية 15 ماي من السنة نفسها لأجل الشروع في تنفيذ برنامجه النضالي الرامي إلى تحسين وضعية القضاة المادية والمعنوية في حال عدم استجابتها لمطالبهم ليدخل النادي بعدها في نقاشات حادة مع الوزارة الوصية وصلت حد رفع الشارة بالمحاكم وتنظيم وقفات احتجاجية، لم ترض باقي زملائهم الذين أن لم يعجبهم نهج القضاة أسلوب الاحتجاج للتعبير عن غضبهم. المعـارك الكبـرى التحديات التي ستواجه القضاء المغربي، حسب عبد اللطيف الشنتوف الرئيس الحالي للنادي قضاة المغرب، يمكن إجمالها في ثلاثة تتمثل في تدبير الشأن القضائي في ظل انعدام الموارد المالية ثم شفافية عمل المجلس وكذلك في صدور قانونين ذوي جودة كبيرة مرتبطة بالقضاء. فيما يخص تحدي انعدام الموارد المالية، فإنه مؤثر من دون شك، إذ طيلة خمس سنوات من النقاش لم يتم التفكير في بناء مقر للمجلس مع إن مقره بناية مستقلة كان أمرا محسوما بالدستور، وعندما صدر القانونان التنظيميان تم كراء مقر غير لائق بتاتا، كما نبه إلى ذلك بيان الجمعيات المهنية للقضاة جميعا. ولم يتم إصلاح الوضع في حينه. كما أن المجلس انطلق الآن وليس لديه العدد الكافي من الموظفين ولا حتى موقع إلكتروني للتواصل ولا مكاتب جيدة للاشتغال والاستقبال ولا أي شئ من هذا القبيل، وكل هذا كان يمكن تجاوزه لو دبرت المرحلة السابقة بشكل جيد، وطبعا هذا دون نسيان ظروف الاشتغال واستقبال المتقاضين بالمحاكم . أما تحدي الرفع من الشفافية فأمر مطلوب منه، إذ هي التي سوف تؤكد للقضاة وللرأي العام أن القضاء ومؤسساته قادرون على تحمل المسؤوليات وحسن إدارتها، وأول الامتحانات أمام المجلس تتمثل في شفافية عمله وإخراجها للرأي العام وبيان المعايير المعتمدة . وأما تحدي صدور قوانين جديدة فإنه مما تنبغي الإشارة هنا إلى أنه منذ دستور 2011 لم يصدر من القوانين المهمة للقضاء المغربي إلا القانونان التنظيميان. ولكن لكي يشتغل القضاء في شروط تضمن المحاكمة العادلة فإنه لا بد من تغيير الترسانة القانونية التي يشتغل بها كل يوم إن على مستوى القوانين المسطرية أو القوانين التي تخص تنظيم الموضوعية والتي يعود بعضها إلى الستينات والسبيعنات, كالقانون الجنائي والمدني والمسطرتين المدنية والجنائية وقانون التنظيم القضائي. استقلال النيابة العامة في ظل النقاش الذي أثير حول موقع النيابة العامة ضمن استقلال السلطة القضائية خاصة أن دستور 2011، لم يحدد تلك الجهة، أثيرت العديد من النقاشات إن كانت النيابة العامة ستبقى تابعة لوزارة العدل بالنظر إلى أن الأخيرة هي المسؤولة عن السياسة الجنائية، أو للسلطة القضائية لتحقيق الاستقلال الحقيقي للقضاء الذي نص عليه الدستور، لتأتي مبادرة نادي قضاة المغرب الذي دعا في اجتماع لمجلسه الوطني في ماي 2012 إلى التوقيع على عريضة المطالبة باستقلال النيابة العامة عن وزير العدل، وهددوا بصيغ احتجاجية تصل إلى تقديم استقالات جماعية. إعداد: كريمة مصلي

نـادي القضـاة… مـاذا بعـد الاستقلاليـة ؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شعبوية سياسيين

فك لغز سرقة 117 مليونا بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات