المجلس العسكري بمصر في مواجهة برلمان إسلامي

الإخوان واجهوا الكثير من الاتهامات وأكدوا أن القوات المسلّحة والداخليّة نجحت في تأمين الانتخابات للمرة الأولى في تاريخ مصر السياسي، تجري انتخابات برلمانيّة حرّة ونزيهة ومعترف بها من الأغلب الأعم من الشعب المصري، ومختلف دول العالم... علاوةً على لجان مراقبة دوليّة عدة عاينت سير الأمور على الأرض، كان في طليعتها «مركز كارتر الحقوقي الدولي» الذي يترأسه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، والذي حضر على رأس وفدٍ كبير إلى القاهرة وجال متفقّداً الكثير من اللجان والمقار الانتخابيّة المصرية، خصوصاً في مداولات الإعادة للمرحلة الثالثة من الانتخابات، حيث عاين انتظام حركة الناخبين وحرصهم على الإدلاء بأصواتهم دونما أي عراقيل أو احتجاجات تُذكر.لكن هل جرت الانتخابات المذكورة فعلاً بسلاسة، ومن دون مخالفات لأيّ من القوانين المرعيّة، وخصوصاً منها المادة الرابعة من الإعلان الدستوري الذي وضعه المجلس العسكري بنفسه، وبموافقة ضمنيّة من سائر الكتل السياسيّة المصريّة المعنيّة؟عن هذا السؤال سنجيب طبعاً في تضاعيف سياق هذه المقالة، لكننا قبل ذلك يجب أن نعترف بأنّ النجاح الانتخابي الكاسح للإسلاميّين كان متوقّعاً منذ شهور، وبخاصة على جبهة الإخوان المسلمين.. هذا الحزب المنظّم، والذي يمتلك ماكينات عمل سياسي واجتماعي ودعوي هائلة منذ ثمانية عقود إلى الآن، على الرغم من أنه تعرّض للحظر كحزب طوال سنواتٍ، بل عهودٍ بأكملها.وينبغي الاستدراك هنا أنّ بعض فتاوى السلفيّة كان ممّا لا يستسيغه عقل أو منطق أو معتقد، بحسب كثيرٍ من المصريين. ومن هذه الفتاوى مثلاً، أنّ فوز السلفيّين مذكور في القرآن الكريم. فقد قال نائب رئيس حزب النور في محافظة الدقهليّة محمد عبد الهادي بالحرف الواحد: «إنّ الله أخبر عن نتائج انتخابات مصر في القرآن الكريم.. من خلال قوله تعالى: «ونُريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين».. وتابع: «نحن من الذين استضعفوا في الأرض، ونفوز في الانتخابات، لأنّ الآية تنتهي بقوله تعالى: «ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين».على أنّ الإخوان بدورهم واجهوا أيضاً ويواجهون الكثير من الاتهامات، ومنها وأخطرها، أنهم «جماعة المواقف الانتهازيّة والصفقات مع كل المقتدرين في الداخل والخارج».. وبأنهم متفقون، مثلاً، مع الأميركان، خصوصاً في ما يتعلّق بالحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد، وفي حفظ المصالح الأميركيّة. ويستند من يتّهمهم بذلك من المصريّين إلى ما قالته الصحف الأميركيّة نفسها، ومنها «النيويورك تايمز» التي وصفت ما جرى بين الطرفين بأنه «تبدّل تاريخي في السياسة الخارجيّة الأميركيّة».و»أنّ ثمّة قبولاً أمريكياً وثقة تدريجيّة بوعود الإخوان المسلمين المتعلقة بإرساء الديمقراطيّة واحترام الحريات الفرديّة، وفتح السوق، والالتزام بالمعاهدات الدوليّة، بما فيها معاهدة السلام مع إسرائيل».توافق الجيش وحزب "الحرية والعدالة"كما يرى بعض الليبراليّين المصريين بأنّ هناك توافقاً بين المجلس العسكري وحزب «الحرية والعدالة» الإخواني على كثيرٍ من الأمور، خصوصاً في السياسة الخارجيّة، وفي العلاقة مع أميركا والغرب عموماً.ويستطرد هذا البعض متهماً المجلس العسكري بأنه سكت عن الرشوة والأموال المتدفقة من الخارج لدعم الإسلاميّين. كما سمح بتكوين أحزاب دينيّة (حزب النور) مخالفاً بذلك المادة الرابعة من الإعلان الدستوري الذي وضعه المجلس العسكري نفسه.أما الإخوان فقد ردّوا على منتقديهم في أكثر من مناسبة إعلاميّة، ومنها ما قاله د. سعد الحسيني، القيادي في حزب «الحرية والعدالة» بأنّ الجماعة اعتادت مواجهة الانتقادات التي هي في معظمها مختلقة، ومركّبة، وتعكس تبرّم فشل الآخر المنافس لنا». وفي ما يشبه الإشادة بالمجلس العسكري والدفاع عنه قال «إنّ القوات المسلّحة والداخليّة نجحت في تأمين الانتخابات، وعوّضت الفترة الماضية التي سادها انفلات أمني. وأردف يقول إنّ الجيش لم ولن يقبل بتزوير الانتخابات بأي شكلٍ كان.واشنطن تعزز علاقتها بالإخوانوفي الوقت الذي تعزّز فيه واشنطن علاقتها السياسيّة بالإخوان، فإن البعض يرى أنها لا تتخلى عن علاقتها القويّة بالعسكر، على عكس ما يشاع في الأجواء من أنّ هناك عدم رضا جزئيّاً عن أداء العسكر في السلطة لغاية الآن. وربما تكون واشنطن هي التي نصحت قادة الإخوان بمنح أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصريّة حصانة تحول دون مقاضاتهم في جرائم قد يتهمون بارتكابها منذ توليهم مقاليد السلطة في فبراير من العام الفائت وحتى اللحظة.وقد فسرت «الواشنطن بوست» موافقة الإخوان على منح القوات المسلحة المصريّة هذا العرض، أملاً منهم في عودة العسكر إلى ثكناتهم، وبالتالي تحقيق الانتقال السلمي إلى نظام الحكم الديمقراطي.وبالفعل كشف مسؤولون في الإخوان أنهم الآن بصدد إجازة تشريع يحدّ من صلاحيات أمنيّة يرى منتقدوها أنّ قادة الجيش أفرطوا في استخدامها في الشهور السبعة الفائتة. لكن بعد طمأنة القادة العسكريين بأنهم لن يحاكموا مثل قائدهم السابق حسني مبارك.غير أنّ هذا العرض الإخواني (وبرأي قادة إخوانيين أيضاً) لن يرى النور إلاّ بعد موافقة أسر الشهداء الذين سقطوا في الاحتجاجات منذ فبراير الماضي.لكن من جهة أخرى، ثمّة من يرى أنّ الجيش المصري لن يسلّم السلطة إلى الإسلاميّين إلاّ بالمعنى الشكلي للكلمة. أما جوهريّاً، فهو سيظلّ القابض على ناصية الأمور، وإلى أمد بعيد مرتبط باستقرار مصر، وعودة نفوذها الإقليمي كدولة مقتدرة ومُهابة الجانب في كل شيء على صعيد متغيّرات الشرق الأوسط، والصراع الذي سوف لن يتوقّف بأشكال مختلفة مع إسرائيل، الساعية للهيمنة على العالم العربي والإسلامي برمته. وما يؤكد تمسّك الجيش بأهدافه هذه ما نقلته «نيويورك تايمز» عن الرئيس كارتر الذي كان زار المشير طنطاوي وتحدّث معه في حجم السلطة والامتيازات التي ستمنح للعسكريين. قال كارتر «عندما قلت للمشير طنطاوي لنفترض أن تباعداً في وجهات النظر حصل بينكم وبين الإسلاميين، وهم على رأس السلطة، فماذا أنتم فاعلون، وكيف ستحلّون الأمر؟ لم يجب المشير طنطاوي عن سؤالي هذا وتركني موضع حيرة قصوى». عن مؤسسة الفكر العربي

المجلس العسكري بمصر في مواجهة برلمان إسلامي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التصريح وضع أهدافا ولم يحدد وسيلة لتحقيقها

التخفيضات لا تخضع لقانون مؤطر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات