محيط ابتدائية سلا … الاتجار بالتنازلات

سماسرة جعلوا منها مهنة في الوساطة بين المتهمين والضحايا مقابل مبالغ مالية بات تنازل الضحايا للمتهمين "حرفة" جعل منها مشتكون و"سماسرة"، مصدر رزق عن طريق التدليس بالمحكمة الابتدائية بسلا. ويرجح متتبعون بأن بعض الضحايا المنحرفين جعلوا منها فرصة للابتزاز، فيما آخرون يتعرضون للتهديد والبعض يراعون حسن الجوار، فيما الكثيرون يلجؤون إلى أموال التنازل للقيام بعمليات تجميل لرتق الجروح، بسبب طول أمد التقاضي وصعوبات تنفيذ الأحكام، ما يدفع مصالح الأمن إلى إعادة تعقب المجرمين الذين يستفيدون من التنازل والإفراج. إنجاز: عبدالحليم لعريبي كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، امتلأت المقاهي المحيطة بابتدائية سلا، عن كاملها. أمهات المعتقلين أخذن أماكنهن قبل نقل فلذات أكبادهن إلى المحكمة، فيما "السماسرة" كانوا مشغولين بالبحث عن المصالحة بين الأطراف المشتكية والمشتكى بها. والدة شاب في مقتبل العمر ظلت تترصد محاميا أملا في التنازل لابنها الموجود رهن الاعتقال، بعدما أوقف بتهم الضرب والجرح. حينما ولج المحامي إلى المقهى استعطفته وعيناها مغرورقتان بالدموع، لكن المحامي تحدث إليها بصوت مرتفع "شوفي معا المحامي ديال ولدك"، فانصرفت الأم بحثا عن عائلة الخصم. تنازلات خارج المحكمة شرعت هيأة قضايا الجنحي التلبسي في المناداة على المعتقلين داخل المركز المخصص لهم بالقاعة، وبعدها نهض المطالبون بالحق المدني، بعضهم مازالوا يحملون ضمادات على روؤسهم وأيديهم نتيجة الضرر الذي لحق بهم من الاعتداء، وضحايا آخرون سقطوا في فخ النصب والخداع، وأملهم هو استرجاع الأموال التي سلموها إلى من وعدهم بالحصول على وظيفة أو قضاء غرض إداري. وفي الوقت الذي وجه فيه رئيس الجلسة الاتهامات إلى موقوف أمامه، طلب منه التصريح في شأن الجرائم التي اقترفها، همس بعض المحامين بصوت منخفض لهيأة المحكمة، بأن المشتكين تنازلوا للجانح بقرارات كتابية، فتسلمت المحكمة التنازل، فيما أجلت البت في قضايا أخرى إلى الأسبوع المقبل، بطلب من الدفاع في انتظار الحصول على تنازلات بين الأطراف المشتكية والمشتكى بها. ورغم أن الضحايا يتنازلون أمام المحكمة دون ذكر المقابل الذي يحدد جبر ضررهم عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة تعرضهم للضرب والجرح والنصب...، إلا أن محيط المحاكم يشهد مفاوضات عسيرة يتوسط فيها "السماسرة" مقابل استفادتهم من مبالغ مالية من الطرفين معا، وبعضهم يطلب من الضحية التريث لتمديد آجال الاعتقال للمتهم حتى يقبل بشرط المبلغ المالي وتدفع عائلته المقابل للحصول على التنازل. حرفة لجمع المال داخل ردهات المحكمة الابتدائية بسلا، عاينت "الصباح" في حالات متعددة أشخاصا، جعلوا من التنازل مهنة لجمع المال. واحد من هؤلاء بحي الانبعاث بلغ عدد تنازلاته في ظرف خمس سنوات ثمانية، تشابك فيها بأسواق للقرب بالحي، وكلما وصل إلى المحكمة، يبادر إلى طلب الصلح لخصمه مقابل مبلغ معين من المال. مصدر "الصباح" يحكي بأن التنازل مقابل المال أصبح يتفشى بشكل كبير، وجعل منه البعض "حرفة" للوصول لتحقيق مكاسب مادية على حساب الآخر. ولا يخفي المتحدث نفسه أن هذا النوع من الأشخاص غالبا ما يكون من ذوي السوابق وعلى دراية كبيرة، ويضيف أن بعض المحتالين باتوا يقومون بإيذاء أنفسهم عمدا عن طريق إلحاق جروح بأجسادهم، والادعاء أمام المحكمة أنهم أصيبوا من قبل أشخاص معينين، قبل ابتزاز المشتكى بهم، كما انتقلت هذه "المهنة" إلى القضايا المتعلقة بحوادث السير، إذ أظهرت حسب رأي محام العديد من الأبحاث أن حوادث سير كانت وهمية، وينقل فيها الضحايا المزورون إلى مستشفيات ويحصلون على شهادات طبية يدعون فيها حصولهم على عجز بدني، لكن يفتضح أمرهم أمام المحكمة، ويجدون أنفسهم ملاحقين بتهم ثقيلة أمام النيابة العامة. الأمن في موقف محرج يوضح مصدر أمني ل"الصباح" أن عناصر الشرطة هي التي تكون ضحية في نهاية المطاف، حينما يحصل الجانح من ذوي السوابق على تنازل من قبل الضحية، وتفرج عنه النيابة العامة، فيجد الأمن نفسه مطالبا بتعقب المنحرفين في الشوارع لإعادة اعتقالهم وتقديمهم أمام المحكمة في قضايا مشابهة. وشدد المصدر الأمني على أن العديد من المفرج عنهم غالبا ما يكونون من أصحاب السوابق، ويتعاطون للمواد المخدرة، ما يسهل عليهم ارتكاب جنح الضرب والجرح والتهديد بارتكاب جنح وجنايات، لكن المشتكي في هذه الحالات يحصل على مبالغ مالية مقابل التنازل، لكن لا يراعي مصالح ضحايا مفترضين إذا كان الجانح يشكل خطورة على المواطنين في الشارع العام. التنازل لا يضمن الإفراج رغم أن العديد من ذوي المعتقلين يدفعون المال مقابل الحصول على تنازلات في شأن المطالب المدنية، إلا أن ذلك لا يضمن الإفراج عن الموقوفين الموجودين رهن الاعتقال الاحتياطي. ويصرح أحد المحامين ل"الصباح" أن النيابة العامة لا تتنازل في الدعوى العمومية والمتابعة التي تسطرها للجانح، لكن التنازل يضمن حسب قوله للموقوف حكما مخففا في حال عدم تمتيعه بالسراح المؤقت. ويؤكد المحامي أن الكثير من الحالات خصوصا في القضايا المتعلقة بالنصب وإصدار الشيكات، تلجأ فيها المحاكم إلى تمتيع المتابعين بالسراح المؤقت، في الوقت الذي يكون فيه الضحية هدفه هو استرجاع ما سلمه من أموال، لكن هناك جرائم أخرى ترفض فيها المحكمة تمتيع المتابع بالسراح، وتقضي في حقه بعقوبة سالبة للحرية حتى يكون عبرة للآخرين، خصوصا في القضايا المتعلقة باغتصاب القاصرين وهتك أعراضهم. الضحية يخاف من الانتقام قال المحامي حاتم عريب، من هيأة المحامين بالرباط، في تصريح ل"الصباح" إن هناك عوامل أخرى تدفع الضحية إلى التنازل، أهمها الخوف من الانتقام، مضيفا أن العديد من المشتكين يخافون على حياتهم ويجدون في نهاية المطاف أنفسهم غير محميين من قبل الشرطة والنيابة العامة، أمام عتاة المجرمين، ويبادرون إلى التنازل، كما يدفع حسن الجوار بين الأطراف المدعية والمدعى عليها إلى إبرام الصلح. ويؤكد عريب أن هناك ضحايا آخرين يرغبون في الحصول على المال من أجل القيام بعمليات تجميل نتيجة إلحاق الطرف المشتكي الضرر بالمشتكى به، إذ يعتقد المطالب بالحق المدني أن هناك عراقيل تحول دون حصوله على التعويض المدني بسبب طول أمد التقاضي والصعوبات في تنفيذ الأحكام القضائية، ما يدفع به إلى البحث عن مبالغ مالية تحدد نسبيا ضرره، بدل الانتظار الطويل، مشددا في الوقت ذاته على أن الضحية رغم تنازله في المطالب المدنية، فالنيابة العامة تبقي الدعوى العمومية قائمة. وشدد المتحدث نفسه على أن الضحية يجب أن تحميه مصالح الأمن الوطني أو الدرك الملكي تحت إشراف النيابة العامة، حتى لا يخضع للتهديد من قبل المتورط في الاعتداء عليه.

محيط ابتدائية سلا … الاتجار بالتنازلات

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العثماني يسائل الرميد حول "سحب الثقة"

واش انت الضامن؟!

مقالات ذات صلة