الثلوج تنعش إفران خلال العطلة ونهاية الأسبوع وجشع تجار وحراس سيارات يفسد الفرحة أنعشت الثلوج السياحة بإفران وأدفأت جيوب أبنائها ممن ارتفع مدخولهم من مهن موسمية تناسلت بمواقع مكسوة ببياض، أخفى حلكة عيشهم وضاعف أطماعهم للربح ولو بطرق ملتوية تشكى منها زوار غضبوا من أسعار ملتهبة فحمت وجه المدينة وأحرقت أملها في سمعة تضاعف رقم سياحها في مثل هذا الفصل. اختناق سويسرا المغرب بزوارها من مختلف المدن المغربية، منذ بداية العطلة البينية، ضخم جشع تجار وأرباب مقاه ومطاعم لا يرون في زبنائهم إلا جيوبهم المثقوبة يسعون لاستنزاف مدخراتهم عن سبق إصرار، إضافة إلى مستغلي مواقف السيارات المستأسدين على زوار قد لا يسلمون من بطشهم ولسانهم السليط. "على باب الله" العنف اللفظي والجسدي، مألوف في مثل تلك المواقف حتى العشوائية منها بمحطة ميشلفين، حيث تراست وتلاصقت السيارات على طول الطريق لجبل هبري، بتفاوت بين المواقع، إذ تكررت مشاهد الاصطدام والتلاسن والسب بين سائقيها وحراس لا يتوانون في ابتزاز زوار بمبالغ تفوق 10 دراهم لركن سيارة. الأمر نفسه يستنسخ بمواقف سيارات داخل المدار الحضري سيما قرب مركب تجاري داخله يغادره الزائر بغصة في فؤاده المتيم بحب مدينة تغنى بهدوئها وسكينتها وجمالها، الفنانون قبل أن تبتلي بظواهر تخدش سمعتها وتبكي أهلها قبل زوار مستهدفين في جيبوهم من قبل تجار مفروض مراقبتهم. ينصح أحمد، متقاعد من فاس، كل راغب في تناول وجبة غداء ب"المارشي"، بالتثبت من الأسعار قبلا وتدقيق الحساب طالما أن زيادة مبالغ غير مستحقة قد تفوق 30 درهما، مألوفة بجل المطاعم، ناصحا بوجبة أرخص تقدمها نساء فقيرات اصطففن بخيام وضيعة بميشلفين في انتظار زبناء ينعشون جيوبهن. بساحة ميشلفين قبالة مكان التزحلق على الثلج، تقف نحو 12 امرأة بشموخ الجبل، على "باب الله" في انتظار زبناء يقدرون ظروفهن. أغلبهن من دواوير بتمحضيت أثثن خيامهن البلاستيكية، بلوازم الطبخ، ويقدمن أطباقا بأثمنة مشجعة أملا في ربح ولو بسيط يساعدن به أسرهن على تدبر تكاليف عيشها. مطابخ مفتوحة كانت الساحة زوال الثلاثاء الماضي، غاصة بسيارات وحافلات رحلات منظمة للصغار والكبار من الجنسين ممن تسابقوا للهو واللعب وكراء قطع خشبية ب20 درهما للاستمتاع بجمالية التزحلق فوق ثلوج رسمت على الموقع لوحات زادته رونقا، والتقاط صور تؤرخ لذكريات جميلة لا يمحيها الزمن. كساد "مطابخ" بنات المنطقة، اللائي انهمكن في إعداد شاي قد يغري زوارا افتتنوا بالثلج ونسوا موسيقى أمعائهم الفارغة، وازته انتعاشة حرفة أقاربهن لكراء تلك القطع وخيول مدربة على "القبول" بالغريب لأجل كسب حلال يحتاجون فنية لإقناعه، بعضهم انتظم في جمعية مختصة، عند مشارف أرز كورو. الحيوية ذاتها ملحوظة في خيام عارضة لشتى أنواع الحلويات ومصنوعات تقليدية محلية قد تغري زائرا يبحث في غير الثلج، عن نفائس و"ديكورات" هدايا للأصدقاء، عكس "مجسمات ثلجية" للإنسان الأمازيغي بجنسيه، أبدعها عارضوها لالتقاط صور لكل دافع مالا في تنافس مشروع مع باقي المهن. كلهم خلايا نشيطة تبحث عن رزقها شتاء لتدفئ دخلها المحدود في باقي الفصول الكاسدة، عكس النمل المجتهد صيفا، بعدما اقتسموا المواقع وأثثوها في ظل حضور وازن للقوات العمومية والدرك تلافيا لتكرار اصطدامات سابقة بين شباب قد يعميه البحث عن رزقه في مهن تنتعش على أنقاض الثلج. وسائل الإقناع يقول سعيد، شاب غير متمدرس من جماعة تمحضيت "والدينا ما خلاو لينا والو، غير الغنم وهذ الخيل" مشيرا بأصبعه لخيل يكريه للراغبين في التقاط صور والجولان به على مسافة محددة بمحيط منتجع ميشلفين الذي حطم كل الأرقام في استقبال زوار يغريهم الثلج رغم برودة الطقس والرياح العاتية. يصر هذا الشاب الثلاثيني، متزوج وأب لطفل، على عدم الاتفاق المسبق على ثمن الرحلة طمعا في كرم زبونه. ويلح كما زملاؤه بجمعية موكول لها استغلال مكان غير بعيد، على محادثته على طولها، مقنعا إياه بظروفه الاجتماعية، دون أن يبخل في تقديم رؤيته الخفية لسبل ووسائل إنعاش القطاع السياحي. ويضيف "يجب تنظيم شباب المنطقة في جمعيات وتعاونيات تلافيا للعشوائية وحقنا للخصام بينهم وتلافيا لتكرار اصطدامات العام الماضي"، داعيا إلى لزوم التنسيق مع وكالات الأسفار، لاستقبال سياح أجانب في غير الأيام الثلجية، خاصة في أيام يعرف فيها الإقبال على تلك المواقع تراجعا يؤثر على مدخولهم. وفي انتظار ذلك يعتمد هذا الشاب وغيره على خبرتهم وطرق إقناع تسلحوا بها، لتأمين دخل غير قار يزداد لما تتساقط الثلوج ويذوب بذوبانها كما تلك المجسمات منه المستحضرة للإنسان الأمازيغي وثقافته وبعض الفنون المميزة للمنطقة، التي يصنعونها على طول الطريق، طمعا في سخاء زبناء مفترضين. حميد الأبيض (فاس) - تصوير: أحمد العلوي المراني