مدن فوق براميل بارود … الشعب “ما يتشرط” والدولة “ما تفرط”

الحكومات المتعاقبة أهملت مدن الغضب لعقود والمحتجون هددوا برايات الانفصال تطرفت المواقف في معتركات الحراك، فقد أغرقت الدولة مدن الغضب في بحور النسيان وأهملت الحكومات المتعاقبة جهات بأكملها لعقود من الزمن، فجاء رد المحتجين بشعارات عابرة للوطن وصلت حد التلويح برايات الانفصال، وتوارى في خضم المزايدة مثل مغربي أصيل يقول "الضيف ما يتشرط و مول الدار ما يفرط". وعوض المطالبة بإصلاح الأوضاع الاجتماعية فرض"ثوار" الحسيمة، منذ البداية، شروطا مستعجلة تشبه مخارج مفاوضات إنهاء الحروب الأهلية من قبيل إلغاء ظهير 1.58.381، بذريعة أنه يضع الإقليم في تعداد المناطق العسكرية، وتعويضه بظهير يعلن الجهة منطقة منكوبة، مع إسقاط كل المتابعات القضائية في حق بسطاء مزارعي "الكيف" القنب الهندي بإقليم الحسيمة والمناطق الأخرى. ولم يتردد الراكبون على فاجعة وفاة سماك الحسيمة، محسن فكري، في اقتحام اختصاصات سيادية للحكومة من قبيل المطالبة بتغيير كل المسؤولين واستبدالهم برجال ونساء متشبعين بثقافة حقوق الإنسان، من أجل القطع مع الشطط في استعمال السلطة، فتحولوا إلى قضاة يفتحون ملفات تخليق الحياة العامة واحترام الملك المشترك والتوزيع العادل لمختلف نفقات الاستثمار العمومي وحتى تحسين الخدمات القنصلية بالخارج، في حين كان من الأجدر التشبث بربط الإقليم بخط السكة الحديدية، وبالشكبة الوطنية للطرق السيارة، والتسريع في إتمام أشغال الطريق الرابطة بين تازة- الحسيمة ، وتوسيع مطار الشريف وفتح خطوط جوية جديدة بأسعار مناسبة على غرار باقي المطارات. وكادت احتجاجات جرادة أن تزيغ عن السبيل القويم، إذ تعالت بعض الحناجر بشعارات لا علاقة لها بمصرع ضحايا آبار استخراج الفحم الحجري بعد تفجر المياه داخلها وارتفاع منسوبها بشكل سريع، أدى إلى غرق شخصين، فيما تمكن شخص ثالث من النجاة من هذه المأساة، فرفعت شعارات تحاكي مسيرات الريف من قبيل "الفوسفاط وجوج بحورة عايشين عيشة مقهورة"، مع أن هناك طرقا أخرى أكثر نجاعة في إثارة الانتباه إلى الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعيشها سكان جرادة، منذ إغلاق شركة مفاحم المغرب لمناجمها في المدينة، أو من قبيل "جينا واحتجينا الكرامة اللي بغينا والمخزن يقمع فينا". ونسي الجميع سبب التجمهر، لولا أن تدخل العقلاء للمطالبة ببديل حقيقي يوفر لـ"عبيد السندريات" مدخولا محترما للحفاظ على العيش الكريم، مرورا بمراجعة فواتير الماء والكهرباء. من جهتها أفرطت الدولة في إهمالها للمناطق الهشة وتجاهلت الحكومات المتعاقبة توصيات محذرة من مغبة طول أمد الإهمال، وتعثرت مشاريع بالجملة عكست ضعف انخراط القطاعات الحكومية في مخطط النهوض بالمناطق البعيدة عن المركز، مع أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي سبق أن حذر من هول ارتفاع نسبة البطالة بالجهة الشرقية، إذ بلغت 18 في المائة مقابل 9 معدلا وطنيا. ولم تحرك الدولة ساكنا إلى أن استفاقت على أرقام مفادها أن مناطق الغضب أصبحت تحتل آخر الرتب على مستوى الدخل الفردي مقارنة بباقي جهات المملكة، إذ سجل المجلس الاقتصادي والجتماعي أن مردودية الاستثمار العمومي ضعيفة جدا من حيث فرص الشغل في الجهة الشرقية، مشددا على ضرورة الإسراع في وضع إستراتيجية اقتصادية فعالة لتحقيق تنمية حقيقية والإسراع بأجرأة البرامج التعاقدية بين الدولة والمجالس المنتخبة. ياسين قُطيب

مدن فوق براميل بارود … الشعب “ما يتشرط” والدولة “ما تفرط”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مدن فوق براميل بارود ... زاكورة على كف عفريت

مناجم جرادة... سواد الموت

مقالات ذات صلة