ناشيد: المنهاج التعليمي ينتج عقولا محنطة

ناشيد الباحث في علوم التربية أكد أنه ليس بالتربية الدينية وحدها نصنع الإنسان المثال أكد المكي ناشيد، المختص في علوم التربية أن ارتفاع نسبة التدين لدى الشباب، وتراجع نسبة إقبالهم على الحياة، ترتبطان في العمق بعملية التنشئة الاجتماعية، كما يسائلان المدرسة والمؤسسات التربوية، والخطاب الديني الذي يروج له بالمساجد. وأوضح الباحث في حوار مع "الصباح" أن توسع مادة التربية الإسلامية واكتساحها يعد سابقة في المنهاج التعليمي، وهو ما يسمح بالتساؤل عن الخلفية الإيديولوجية المدعمة للمادة والموجهة لأهدافه. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني - تصوير: ( فدوى الناصر) < أثار ارتفاع نسبة التدين في أوساط الشباب الكثير من الجدل. ما هي دلالات هذا التحول، وأين تتموقع المدرسة في محاربة الانغلاق الديني؟ < يثير ارتفاع نسبة التدين في أوساط الشباب الكثير من الخوف، لما تطرحه الظاهرة من إشكالات تبعث على الريبة مما يجري من تحول في الواقع الاجتماعي، وتفكك في قيمه الثقافية. وحسب المعطيات الإحصائية التي وردت أخيرا في لقاء دراسي بالرباط، فقد حظيت القيمة الدينية لدى الشباب من 15 إلى 34 سنة بنسبة 54 %، كما أن 64 % من العنصر النسوي يؤيدن الحجاب. وفي مقابل ارتفاع نسبة التدين، تنخفض نسبة القيم الفضلى لدى المجتمع، التي تتأسس على العمل والدراسة والتقدم والتغيير إلى 2,4 %، في حين أن العلاقات الخاصة والوسائط التي هي أساس العمل، فقد احتلت 65 % . إن أول ما يسائلنا في قراءة هذه المؤشرات، هو عملية التنشئة الاجتماعية، وما تعتمده من مضامين، كما تسائل المدرسة والمؤسسات التربوية، والخطاب الديني الذي يتم الترويج له بالمساجد. < يرى بعض المهتمين أن هيمنة المادة الدينية يشكل تهديدا للقيمة المعرفية التي تقدمها المدرسة. ما هي وضعية التربية الإسلامية في البرامج التعليمية؟ < إن قراءة للخريطة العامة للمنهاج التعليمي بالمدرسة المغربية تفصح منذ البداية عما تحظى به التربية الإسلامية من مكانة خاصة، فهي تحتل مكانة متميزة دون باقي المواد، وهي المادة الوحيدة التي تحظى بنفوذ أوسع يخول لها حق التدخل في محاور باقي المجالات المعرفية والحقوقية والعلمية، بل وحتى الفنية منها، دون مراعاة منها للحدود بين الحقول المعرفية، وضوابط التخصص العلمي. وكمثال، فإن مجموع ساعات التربية الإسلامية في مختلف المراحل التعليمية هو 848 ساعة، بينما نجد أن الجغرافيا لا يتعدى غلافها الزمني للمراحل التعليمية 209 ساعات، ومادة التاريخ في حدود 210 ساعات. ورغم الأهمية العلمية للمادتين، فإنهما معا لم تحظيا بغلاف زمني بمجموع يصل ولو إلى النصف، مما منح للتربية الإسلامية من حيز فسيح، ومع ذلك، لا ينفك "سدنة" المادة الدينية والقيمون عليها يطالبون بتوسيع الوعاء الزمني للمادة لما تحظى به من أهمية. < ما هي انعكسات اكتساح التربية الإسلامية؟ < إن هذا الاكتساح للمادة الدينية يعد سابقة غير مدروسة في المنهاج التعليمي، وهو ما يسمح بالتساؤل عن مدى مشروعية هذا التوسع، والخلفية الإيديولوجية الموجهة لأهدافه. ولعل مضمون هذا التساؤل يصب في اتجاه الرغبة في الارتباط أكثر بواقع المتعلمين من خلال إعادة صياغة وحدات المادة لتستدمج أكثر المفاهيم المعاصرة كالصحة والبيئة والاقتصاد والأسرة والحقوق والفن والجمال وغيرها، ابتداء من التعليم الابتدائي، وهو استنتاج يتوافق مع ما سبق أن عبر عنه القائمون على شؤون التعليم بإعلان رغبتهم في التأصيل الشرعي للمفاهيم التعليمية بالكتاب المدرسي. وكان من نتائج دمج المفاهيم المعاصرة في مقررات المادة الدينية، أن انزاحت عن مقاصدها الشرعية، فسقطت في أخطاء مجانية في العمل التربوي الميداني، وانحرفت عن أهدافها من مرامي التربية الدينية. المنهاج متخلف جدا < كيف يبدو لك تعاطي مشاريع إصلاح منظومة التربية المختلفة مع التربية الإسلامية وباقي المواد مثل الفلسفة والعلوم؟ < منذ سنوات، صنفت المنظمة الدولية للتربية والثقافة "اليونسكو" المنهاج التربوي المغربي ضمن خانة "منهاج متخلف جدا"، ولعل هذا التصنيف المخجل يطرح علينا جميعا مسؤولية التفكير الجدي في تقويم اختلالات المنهاج التربوي، وإصلاح أعطابه على ضوء متطلبات الحداثة ومتغيرات العصر. في هذا الصدد، أؤكد أن الاختيار الذي يركز على اعتماد نصوص دينية قطعية الأحكام، ترفض النقد، وتستعصي على النقاش، هو اختيار غير مناسب بالنسبة إلى مستوى الفئة العمرية المستهدفة من المتعلمين، ولا ينسجم مع الأهداف التربوية التي أعلن عنها في الوثائق المعتمدة (الميثاق الوطني للتربية والتعليم، الكتاب الأبيض)، وهو ما أدى إلى السقوط في الإخلال بالممارسة والأساليب التربوية، من تعسف في الشرح، وتناقض في التأويل، وتلفيق في الاستنتاج، مثلما سمح بتحوير للمعاني، وتغييب للعقل، وإقصاء للتفكير، وتحريم للنقد، وتكفير للمخالف في الدين أو الثقافة. والواقع أنه ليس بالمسجد ولا بالصلاة وحدهما نصنع المسلم المثال، إذ يمكن للإنسان أن يواظب على أداء كل الفروض الدينية، لكن إذا كانت أخلاقه فاسدة، كما تتجسد في السلوك والأفعال والمعاملات ، فمظاهر التدين الأخرى التي يقوم بها كلها لن تفيده في شيء، ليس أمام الله فحسب، وإنما أمام العباد أيضا. الريسوني يهاجم قيم الحرية < يرى البعض أن المدرسة ليست المسؤولة الوحيدة عن التحولات العميقة في سلوك الشباب. ما هي حدود المدرسة والبرامج التعليمية في نشر العنف والتطرف؟ < إن منهاجا تربويا بمواصفات المنهاج المغربي لا بد أن يؤثر على أجيال بمواصفات التخلف على شاكلته، وما يرمي إليه. وعلينا ألا نستغرب من تنامي مظاهر متناقضة في بعض السلوكيات الاجتماعية، خصوصا لدى الشباب، ذلك أنه في الوقت الذي يعرف فيه المجتمع توسعا وانتشارا في مظاهر التدين، وعدم التسامح إزاء أي إخلال بطقوس التعبد أو بعض الشعائر الدينية، يعرف، أيضا وفي الوقت نفسه، توسعا لمظاهر أخرى مناقضة تماما للقيم الدينية والأخلاقية السائدة، من قبيل اتساع مظاهر العنف الذي اكتسح المجتمع بما في ذلك المؤسسات التعليمية، وتوسع دائرة الجريمة وتنوع أشكالها. وبالموازاة مع ذلك، تطفو على السطح مظاهر التدين المتسم بالتعصب والتشدد والغلو، وعدم التسامح مع المخالف في الدين أو الجنس أو اللباس أو المذهب أو...، وصولا إلى الإقبال الملفت للشباب على الانتماء للشبكات الإرهابية العالمية، الشيء الذي أصبح يهدد الأمن والاستقرار. إن المنهاج التعليمي المعتمد جعلنا نتحول إلى مجتمع يسير حثيثا إلى أن يحكم فيه الديني الدنيوي في سائر المجالات، مع ما يحمله ذلك من تناقض صارخ مع مجريات الحياة اليومية. فماذا يمكن أن ننتظر من آثار لمنهاج تعليمي يلغي العقل في مواجهة النص الديني، ويوقف الزمن التاريخي في مواجهة الوحي الإلهي، سوى إنتاج عقول محنطة تعيش زمنا غير زمانها. < ما هو رأيك حول بعض الأصوات المناوئة للدعوة القاضية بإصلاح منهاج المادة الدينية؟ < بالفعل، ظهرت بعض الأصوات ممن يمكن نعتهم بـ "حراس المعبد"، الذين لا يكتفون من الدين بما هو عقدي تعبدي فقط، وإنما يحتكرون بشكل تسلطي كل ما يتعلق به، حتى ولو كان الأمر يعني المنهاج التربوي/التعليمي، الذي لا يكفون بصدده من التحذير حسب قولهم من "وضعه في مخالب من يعادي هويتنا الأصيلة، ويشكك في مقدساتنا وثوابتنا وأصولنا، ويطعن نبينا". ومن بين أبرز ردود الأفعال، الخرجة الإعلامية للفقيه أحمد الريسوني، مؤسس حركة التوحيد والإصلاح، ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهي الخرجة التي جاءت في حوار بموقع إلكتروني ناطق باسم تيار سلفي، عبر من خلاله عن رفضه القبول بأي ربط لمنهاج التربية الإسلامية بتنامي السلوك الإرهابي بالمغرب، وهو في ذلك يحاول إبعاد الشبهة عن المادة الدينية كما يتم تدريسها. ولعله بهذا يكون قد نسي أو تناسى أن القرار الملكي حول المراجعة هو في حد ذاته اعتراف من أعلى هرم في الدولة بوجود اختلالات في المادة الدينية المدرسة. وتجنبا منه لأي تأويل، اتجه شيخ الفقه المقاصدي ليحتمي بالحديث عن "أهل الاختصاص"، ويقصد بهم الفقهاء وعلماء الدين، فهم وحدهم من له الحق في معالجة موضوع التربية الدينية. لكن الفقيه الريسوني، انحرف، مرة أخرى، بالهجوم على الفلسفة، معتبرا بأن "شعبة الفلسفة استغلت لنشر الإلحاد واللادينية كثيرا..." إن هجوم الفقيه على الفلسفة بهذا الشكل، هو في مبناه ومعناه، هجوم على كل المقومات والمبادئ التي تتأسس عليها قيم الحرية وثقافة التسامح. هجوم على العقل والعقلانية والتحديث، على المنطق والاختلاف والتعددية والحوار والمساواة. التدخل الملكي حسم الأمور < أثارت مراجعة مناهج التربية الدينية جدلا سياسيا، اقتضى تدخل القصر. وما هي أبعاد هذه الدعوة؟ < كان التدخل الملكي لمراجعة منهاج المادة التربوية الدينية بمثابة قرار سياسي من أعلى مستوى في الدولة، عبر بلاغ من المجلس الوزاري المنعقد بالعيون يوم 6 فبراير 2016. وقد جاء في الفقرة الخاصة بالتعليم الديني، أنه "لا بد من مراجعة البرامج والمقررات الدراسية للتعليم الديني حتى لا يستمر لدينا مثل هذا الفهم المنحرف لديانتنا الإسلامية السمحة". ونسجل هنا وجود فهم سطحي للمادة الدينية يستند إلى تأويل مغرض للدين يحتوي على شحنات قوية من الغلو والتعصب والتطرف، وتهميش للعقل والتفكير. ونظرا لأهمية الموضوع، صدرت تعليمات ملكية لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية تفيد بأن عليهما أن يتجها إلى العمل "بضرورة مراجعة مناهج وبرامج ومقررات تدريس "التربية الدينية" سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، أو في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش، والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر. التربية الإسلامية اكتست طابع القدسية < أين تتجلى هيمنة التربية الإسلامية وما هي مخاطر ذلك على الوعي الديني؟ < من تداعيات هيمنة التربية الإسلامية وتمددها أنها طالت مجالات أخرى، وأحكمت الربط إلى درجة التطابق بين التربية الإسلامية، باعتبارها مادة تربوية، والإسلام، باعتباره دينا تعبديا، ليس بسبب التسمية فحسب، وإنما بإضافة ثقل هذه الهيمنة على مفعول التسمية. وبذلك اكتست التربية الإسلامية طابع القدسية في منظور المتلقي، باعتبارها مادة مطابقة للدين، ومحافظة على شرائعه، وهو ما سيؤدي إلى شيوع نوع من الخلط بين مفهومي الدين والتدين، العقيدة والإيديولوجيا الشرائع السماوية والقانون البشري، وستترتب عن هذا الخلط في المفاهيم، سيادة النظر إلى الدين بمعزل عن الثقافة، وإلى الإيمان بمعزل عن العقل.

ناشيد: المنهاج التعليمي ينتج عقولا محنطة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عمليتان إرهابيتان دمويتان بروسيا

الملك يترأس حفلا دينيا بمناسبة الذكرى 19 لوفاة الحسن الثاني

مقالات ذات صلة