هكذا خطط الحسن الثاني للمسيرة

فكر في التنحي عن الحكم في حال الفشل في تنظيم أكبر حدث تاريخي في المغرب تعددت روايات المؤرخين حول حدث المسيرة الخضراء. وتعددت تقديراتهم لخلفيات القرار الذي اتخذه الراحل الحسن الثاني. لكن تظل رواية الملك الشخصية نافذة مشرعة على هذا الحدث بشكل أكثر وضوحا، خاصة إذا تحدث الراحل بنفسه عن كواليس المسيرة والإعداد لها ولكل السيناريوهات المحتملة بما فيها الفشل. "ماذا كنتم ستفعلون لو خفق رهانكم على المسيرة؟" هكذا توجه الصحافي الفرنسي إريك لوران بهذا السؤال المحرج إلى الراحل الحسن الثاني، الذي ربما كان يعتمل في أذهان الكثيرين دون أن تتاح لهم الفرصة لطرحه على مهندس المسيرة الخضراء. كان جواب الحسن الثاني على السؤال، الذي ورد ضمن الحوار المطول الذي صدر في كتاب "ذاكرة ملك"، واضحا ودون مواربة "عندما عدت إلى الرباط قادما من أكادير صعدت إلى شرفة القصر لأتأمل اخضرار ملعب الغولف، ونظرت إلى البحر نظرة مغايرة وأنا أخاطب نفسي "لقد كان من الممكن أن لا أعود إلى الرباط إلا للمّ حقائبك استعدادا للمنفى". فلو فشلت المسيرة لكنت استقلت". ويضيف الملك الراحل "إنه قرار أمعنت التفكير فيه طويلا بحيث كان يستحيل علي أن أترك على الساحة ضحايا لم يكن لهم من سلاح سوى كتاب الله في يد والراية المغربية في اليد الأخرى. إن العالم كان سيصف عملي بالمغامرة، وكما نقول عندنا في اللهجة المغربية "ما كان بقي لي وجه أقابل به الناس". وهنا أردف الصحافي الفرنسي سؤالا آخر هو "كيف كنتم ستتصرفون دستوريا وسياسيا" ليكون جواب الملك "كنت سأشكل مجلسا للوصاية في انتظار أن يبلغ نجلي سن الرشد، وكنت سأذهب للعيش في فرنسا أو في الولايات المتحدة الأمريكية...". رؤيا المسيرة في المنام لكن بصرف النظر عن سيناريو الإخفاق المحتمل، الذي لم يتحقق لحسن الحظ، فإن كواليس المسيرة الخضراء والخلفيات التي تحكمت في قرار مصيري من هذا القبيل، كشف عنها الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك"الذي أيقن منذ أن أعلنت محكمة "لاهاي" عن رأيها وقدمت الأمم المتحدة تقريرها في موضوع الصحراء سنة 1975 ، أن الأرض ستعود لمن يحوزها بمجرد أن يغادرها الجنود الإسبان. وهنا يحكي الملك الراحل "أنه بمناسبة 20 غشت كان علي أن ألقي خطابا بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، وعشية ذلك اليوم كنت أتساءل معي نفسي "ترى ماذا عساي أن أقول في هذا الخطاب"؟ وفي المساء وبعد أن أديت صلاة العشاء أخلدت إلى النوم، فاستيقظت فجأة في منتصف الليل تراودني فكرة نفذت نفوذ السهم إلى ذهني وهي "لقد رأيت آلاف الأشخاص يتظاهرون في جميع المدن الكبرى مطالبين باستعادة الصحراء، فلماذا إذن لا ننظم تجمهرا ضخما يأخذ شكل مسيرة؟" وهنا أحسست أني تحررت من عبء ثقيل". ويتابع الحسن الثاني" اكتفيت في خطابي لليوم الموالي بالتطرق لبعض القضايا العامة، إثر ذلك استدعيت وزير التجارة ووزير المالية وقلت لهما "إن شهر رمضان قد يكون قاسيا. إذ المحاصيل الزراعية كانت متوسطة، فهل يمكنكما من باب الاحتياط تخزين كمية من المواد الغذائية؟ حتى إذا وجدنا أنفسنا في حاجة إلى عرضها في السوق أمكننا المحافظة على سعر ثابت لها" فأجابا "بكل تأكيد، وما هي الكمية التي يتعين تخزينها؟" فقلت لهما "تموين يكفي لشهر أو شهرين". ولم يفطنا لشيء. وهذا ما كنت أرغب فيه". واستدعى الحسن الثاني بعد ذلك، وفق روايته في الكتاب نفسه، من سيصبحون إلى جانبه المسؤولين الثلاثة عن المسيرة الخضراء، وهم الجنرال أشهبار الكاتب العام لإدارة الدفاع، والجنرال بناني من المكتب الثالث والكولونيل ماجور الزياتي من المكتب الرابع. وبعد أدائهم اليمين بعدم إفشاء السر حتى ولو لم يكونوا متفقين على ذلك، شرح لهم الملك الراحل أن عدد المشاركين في المسيرة سيصل إلى ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة. فقالوا مستفسرين "لماذا كل هذا العدد؟" فأجابهم الملك "إن المسألة في غاية البساطة. فهناك ثلاثمائة وخمسون ألف مغربي ومغربية يولدون كل سنة، وبالتالي فإن هذا العدد ليس بالأهمية التي قد تؤثر على عدد السكان". سر بين أربعة ألهبت الفكرة، يضيف الملك الراحل، على التو حماسهم وشرعوا في العمل دون كاتبات أو أجهزة حاسوب وكانوا يحررون كل شيء بأيديهم، حيث كان يتعين إحصاء كمية الخبز اللازم لإطعام ثلاثمائة وخمسين ألف شخص، وعدد الشموع الضرورية لإنارة الخيام. وهكذا عمل الأربعة في سرية تامة حتى مطلع أكتوبر، وهنا كان لا بد من الإسرار للحكومة بذلك، وكذلك لعمال الأقاليم حتى يفتحوا في الوقت المناسب المكاتب لتسجيل المتطوعين. وبحلول 16 أكتوبر 1975 أصدرت محكمة العدل الدولية بلاهاي، رأيها الاستشاري واعترفت فيه أن روابط البيعة كانت قائمة على مر العصور بين المغرب والصحراء. فوجه الحسن الثاني خطابا إلى المغاربة أعلن فيه عن تنظيم المسيرة الخضراء، وقبل أن يتم خطابه، بدأت أصداء الصيحات المتعالية من الأحياء المجاورة للقصر بمراكش تصل إلى مسامع الملك، ففي كل مدن وقرى المملكة خرج الناس يهتفون ويصيحون "نحن متطوعون". وعلى الصعيد الرسمي الدولي يقول الملك الراحل "لم يكلف أي منهم عناء استفساري، على أنه إذا كان علينا خوض حرب فتلك قضية ترجع إلينا. وبما أن المغرب كان معبأ أحسن تعبئة فإن طرح سؤال من أي كان سيبدو سخيفا، كما أنه لم يحصل استفساري لمعرفة وجهة نظري من أي رئيس أجنبي. لقد انهمكنا في إعداد الأغطية والمواد الغذائية، والأدوية اللازمة لثلاثمائة وخمسين ألف شخص، كما اشترينا لهم خزانات مطاطية لحفظ الماء حتى لا يعانون من أي نقص فيه، ولم يحدث في أي وقت من الأوقات أن عرفت الأسواق خصاصا بسبب عدم التمكن من نقل الطماطم واللحوم مثلا. وكنت أنام قليلا، لكنني كنت أشعر بحيوية ونشاط ربما لم أحس به من ذي قبل، لقد كنت فخورا بشعبي، كما كنت في الوقت نفسه أعي جيدا أنه لو سارت الأمور على خلاف ما كنت أتمناه لكان ذلك بمثابة كارثة كنت سأتحمل تبعاتها وحدي". عزيز المجدوب

هكذا خطط الحسن الثاني للمسيرة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العائلات الصحراوية...ضمانة الاستقرار

اعتقال موظف بالوكالة الحضرية لآسفي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات