يطرح تدبير العدالة والتنمية وتسييره لأغلب المدن الكبرى أسئلة كبيرة حول حصيلة أزيد من سنتين من التدبير، في ظل تفاقم أزمات المدن وتعمق مظاهر ترييفها، وعجز النخب التي جاءت بها الانتخابات الجماعية عن ابتكار وصياغة سياسات للمدينة تستجيب للحاجيات المتجددة. والأكثر من ذلك، هناك من يرى أن أغلبية المدن التي يسيرها العدالة والتنمية، تعرف اليوم تراجعا ملحوظا، بسبب تخبط المنتخبين في التدبير اليومي للمشاكل المتفاقمة، في غياب رؤية أو سياسة واضحة للمدينة، ناهيك عن ضعف الخبرة وغياب الكفاءات المتخصصة في تدبير ملفات المدينة التقنية والحضرية والثقافية، والانغلاق الذي يميز أداء أغلب المسيرين للشأن المحلي، وعدم انفتاحهم على نخب المدينة والجامعة، وهيآت المجتمع ، من أجل بلورة سياسات للمدينة في إطار المقاربة التشاركية، لأن تدبير المدينة ليس شأنا خاصا فقط بالمنتخبين، بل لكل الفاعلين اقتصاديين وهيآت مدنية ومثقفين. وبرأي لحبيب المعمري، أستاذ علم الاجتماع ورئيس قطب الدراسات بكلية آداب ظهر المهراز بفاس، يصعب الحديث عن رؤية واضحة تتحكم في وضع سياسات المدينة من قبل منتخبي العدالة والتنمية، الذين يسيرون اليوم أغلبية المدن الكبرى، في ظل التشابه الذي يطبع أداء أغلب المدن باختلاف انتماءات مجالسها، رغم ما يمكن تسجيله، من ملاحظات على أداء مسؤولي العدالة والتنمية، بهذا الخصوص. وأوضح المعمري، في حديث مع "الصباح" أنه لم يلمس تحولا ملفتا في التدبير لشؤون المدينة، رغم مرور سنتين من وصول العدالة والتنمية لتسيير الشأن المحلي، ولا يمكن في رأيه الحديث عن بوادر سياسة جديدة للمدينة، مستدلا على ذلك بتجربة فاس، التي يسيرون مجلس مدينتها، مقارنة مع تجربة العمدة السابق المنتمي إلى حزب الاستقلال. وأوضح الباحث في علم الاجتماع، أن تجربة "بيجيدي" اليوم بفاس لا تحمل مؤشرات تغيير أو ملامح رؤية تحكم أداء الأغلبية المسيرة لشؤون المدينة، مؤكدا أن سياسة تدبير المدن ترتكز على خمسة محاور، أولها توفير التجهيزات التحتية الضرورية من طرق وإنارة عمومية، وتوفير خدمات النظافة والحدائق والمساحات الخضراء، وثانيها التنشيط الثقافي والفني والرياضي بالمدينة، لأن المدن لا تحيا فقط بما هو مادي، بل أيضا بمقومات ثقافية وفنية، وإلا تصبح المدينة كيانا بدون روح. وأكد المعمري أن المدينة في حاجة دائمة لتنشيط ثقافي وفني على مدار السنة، من خلال توفير بنيات ثقافية والانفتاح على الفنانين، عوض الغرق في التدبير اليومي للمشاكل المرتبطة بأزمات النظافة والنقل والتجهيز ومشاكل العمران، والإنارة العمومية، وهي قضايا لا تقل أهمية هن القضايا الأخرى، والتي تجعل من المدن فضاءات للممارسة الرياضية والثقافية والفنية، والتي تساهم في تنمية المدينة وتقدمها. أما المحور الثالث الذي ترتكز عليه سياسة المدينة، يقول أستاذ علم الاجتماع بفاس، فيتعلق بتشجيع المبادرات الخاصة للسكان، ودعم التنظيمات والمؤسسات المدنية مثل الوداديات والتعاونيات وجمعيات الأحياء، وإشراكها في مبادرات تدبير المدن، والإسهام في بلورة رؤية شمولية من شانها توفير شروط العيش الضرورية للسكان. ويبقى المحور الرابع المتعلق بجمالية المدينة، وهو العنصر الذي يغيب عن المسؤولين عن تدبير المدن، إذ لا نلمس أي اهتمام من قبل المنتخبين بهذا الجانب، كما هو الحال في مدن الغرب المتقدمة، وفي هذا الصدد، سجل الباحث ضعف الاهتمام بالحدائق والمساحات الخضراء، بل إن الملاحظ هو كثرة مظاهر الفوضى والعشوائية وانتشار الأزبال، وهي المظاهر التي تسائل المنتخبين ودورهم في ضمان جمالية المدينة، عبر الاستفادة من خبرات المهندسين المختصين في البستنة والحدائق والمساحات الخضراء، من أجل إعطاء المدن المغربية حلة جديدة تساهم في جذب السياح وتشجيع الاستقرار، وهو المرتكز الخامس الذي يقوم على تسويق المدينة والتعريف بمقوماتها السياحية والثقافية ومؤهلاتها الاقتصادية. ومن أجل إنجاح كل هذه الشروط، وانطلاقا من معاينة لتجربة فاس، سجل الباحث المعمري، لامبالاة منتخبي العدالة والتنمية بهذه المستويات من التعامل مع قضايا المدينة، وغرقهم في التدبير اليومي، والذي يلاحظ المواطن أنه لا يسير في اتجاه التحسن، فتدبير المدن، لا يجب أن يقتصر فقط على مواجهة مشاكل التجهيز المعقدة فقط، بل يجب ابتكار مقترحات من أجل بناء رؤية متكاملة لتدبير المدينة، وتنشيطها ثقافيا وفنيا وسياحيا. وختم الباحث المعمري حديثه بالدعوة إلى أن التنشيط الثقافي والفني للمدينة، يجب أن يظل بعيدا عن التوجه الإيديولوجي للحزب، لأنه يخدم أهداف تنمية المدينة من جهة، ويساهم في تربية الذوق لدى المواطن، وتحسين سلوكه، والانتقال إلى مصاف المدن الحديثة بكل مقوماتها المادية والثقافية. برحو بوزياني مواضيع الملف: “نظافة” اليد لا تكفي! البيضاء تسلم عنقها للشركات مجلس تصريف الأعمال الداخلية “تحجر” على الفاشلين بلقايد تاه في جامع الفنا حصيلة محتشمة بمكناس أكادير… “كلها يلغي بلغاه” مجلس طنجة… انتقادات واحتجاجات فاس دون برنامج عمل الرباط غارقة في “الظلمات” ثلاثة أسئلة: تدبير انفعالي عمداء “بيجيدي” … قسم الهواة