مخبرون في خدمة الأمن: “الكارديانات”… الإنس والجن

مخبرون في خدمة الأمن العام حازوا «امتيازات» خاصة والشطط في استخدامها عصف ببعضهم «التبركيك فيه وفيه» عبارة يمكن إسقاطها على حالة حراس السيارات الذين يتخذون من الوشاية مصدر عيش لهم، وطريقة للحصول على الامتيازات المادية والمعنوية. قبل رصد تحركات ممتهني حراسة السيارات بالعاصمة الاقتصادية وسبر أغوار هذه المهنة التي يلفها الغموض، كان ل»الصباح» لقاء بحارس يملك تجربة تتجاوز أكثر من 17 سنة في الميدان، إذ تختلف قصة دخوله عالم المخبرين لكنها تتوحد مع زملائه في المعاناة اليومية الموزعة بين واجب حراسة مصالح الناس، وبين معرفة كل ما يتعلق بحياتهم لأجل الحفاظ على أمن الوطن. رغم أنه لم يكن من السهل الاطلاع على حكاية حراس السيارات مع "عالم المخبرين" وهي مهنة يرفضها المجتمع رغم مشاركته في انتشارها، إلا أنه أمام الإلحاح على المقابلة وتقديم ضمانات بعدم التصوير أو التعريف بالاسم الحقيقي، استجاب با محمد (اسم مستعار)، يعمل حارسا بمنطقة أنفا، للطلب، إذ كشف أن الاعتماد على حراس السيارات في ميدان الوشاية والإخبار ليس عشوائيا، بل تمليه ضرورة الحفاظ على السير العادي لأمن المواطنين والمصلحة العليا للوطن. ونفى "با محمد" في حديث مع "الصباح"، الأحاديث التي تصف حراس السيارات ب"العطاية والبركاكة" وعملاء المخزن، مشيرا إلى أن عملهم اليومي الذي يجعلهم على دراية بالتفاصيل الدقيقة لحياة المواطنين، أدى إلى اعتماد المصالح الأمنية على معلوماتهم ليس من أجل الإضرار بشخص ما أو العودة إلى الحياة البوليسية التي كانت معتمدة في سنوات الرصاص وإنما أملته الظروف الأمنية التي أصبحت تهدد دول العالم ومن بينها المغرب. مصلحة الوطن لم ينكر حارس السيارات في الوقت نفسه لجوء الأمن إليه للاستفسار عن بعض الأمور وجمع المعلومات، مشيرا إلى أن رده يكون حسب الموقف، مضيفا "إذا كان السؤال بخصوص جريمة قتل أو تهديد إرهابي، بكل تأكيد سأدلي بمعلوماتي للأمن لأن حبي لوطني يحتم علي ذلك". وكشف المتحدث نفسه أن ميدان "التبركيك" لا يجب أن يخلو من مبدأ المصداقية وأخلاقيات المهنة، حتى لا يكون هناك أي تحامل على أي شخص، معتبرا أن السعي نحو الظفر بثقة المصالح الأمنية والتقرب منها لا يعني ظلم الناس، مستشهدا بحكمة "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها". أخلاقيات المهنة قال با محمد "في كل ميدان تجد أصحاب النفوس الضعيفة، الذين يضحون بالمصداقية من أجل تحقيق مصلحتهم الشخصية، ليتحقق فيهم المثل القائل "أنا ومن ورائي الطوفان" فهم يكتبون التقارير عن سكان الحي الذي يعملون به وكذا زبنائهم من أصحاب السيارات التي يحرسونها". وكشف المتحدث نفسه أن درجة "التبركيك" و"العطية" يمكن أن تصل ببعض الحراس إلى حد التبليغ عن زملائهم الذين يتهاونون في أداء مهمة "المخبر" أو بسبب خلاف حول امتيازات تتعلق بالأعمال التي تندرج ضمن "الوشاية" ببعض الحالات الخطيرة التي تقع في الحي المكلف بحراسته. "كاينة ظروف" رغم الاتهامات الموجهة لفئة الحراس بأنهم مخبرون و"بركاكة" ويسعون لمصلحتهم الشخصية عن طريق كيل اتهامات لسكان الحي الذي يحرسونه والتي يكون أغلبها مجرد وشاية كاذبة، أوضح "با محمد" أنه لا يمكن تعميم تلك التهم على جميع الحراس، لأن هناك الطالح والصالح، مشيرا إلى أن لجوءهم إلى التعامل مع الأمن وتحولهم إلى مخبرين بطريقة غير مباشرة، أملتهما ظروف الحياة اليومية التي أصبحت خطرا على أمن المواطنين، وأيضا لتخوفهم من تهمة قد تلاحقهم قضائيا بعلة عدم التبليغ عن الجرائم التي يشاهدونها، قبل أن يكشف عاملا آخر يتجلى في أنه يمكن طرده من الحي الذي يعمل به لأنه تستر عما يقع به. أساليب ذكية ترك طاقم "الصباح" الحارس "با محمد"، واتجه إلى عملية أخرى تتمثل في مسح شامل للمنطقة عن طريق رصد حركات الحراس الذين يعملون بأهم مناطق العاصمة الاقتصادية. الساعة تشير إلى العاشرة والنصف ليلا، ومن خلال القيام بجولة واستطلاع في شوارع أنفا والمعاريف وعين الذئاب والألفة وغاندي، ظهرت طريقة عمل المنتمي إلى حراسة السيارات، إذ يحرص البعض منهم على الاجتهاد في تبليغ الأمن بكل صغيرة وكبيرة تقع في الحي الذي يحرسونه، وذلك من أجل التقرب من المصالح الأمنية واستغلال الظهور رفقتها في تحقيق مآرب شخصية. ولاستباق الأحداث التي يمكن أن تضر بالأمن العام للمواطنين، لا يكتفي حارس السيارات بما تشاهده عيناه أو تلتقطه أذناه، بل يعتمد على أساليب ذكية، من قبيل استغلال التجمعات الشبابية التي تنتقل أحاديثها من اللهو إلى السياسة والدين، إذ يدلي كل طرف على حدة بموقفه، وهي اللحظة الحاسمة التي تثير فضول الحارس من أجل اكتشاف الأفكار المتطرفة لأي شخص، ما يمكنه في ظرف زمني من بعث تقرير مفصل عما يعتنقه رجال المستقبل من أفكار حول السياسة العامة لوطنهم. ويضطلع حراس السيارات أو ما يطلق عليهم بالعامية ب"العساسة" بدور مهم في حماية أمن الدولة، فمن خلال المعلومات التي يبعثون بها أو من خلال اتصالهم في أوقات حرجة بالمصالح الأمنية عندما يكون هناك تهديد ما، فإنهم يساهمون في تجنيب الوطن الكثير من التهديدات التي تتربص بأمن واستقرار المغرب. ويظهر هذا الدور من خلال نجاح المصالح الأمنية في تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية النائمة التي كانت تعد لاستهداف أمن واستقرار الوطن والمواطن، وهو ما يجعل حارس السيارات يبعث بتقاريره إلى الجهات المختصة للتحرك في الوقت المناسب، لحرصه الشديد على مصلحة وطنه بحكم أن المشتكى بهم ينتمون إلى جماعة إرهابية أو عصابات إجرامية. مصلحة شخصية حراس بدرجة مخبرين، يسعون للوشاية بأي شخص سواء كان بريئا أو متهما لحاجة في أنفسهم أو لغاية الوصول والتقرب والترقي على حساب الآخرين، حتى لو كان الثمن التضحية بهم. وفي النهاية سيكون هذا المخبر "العساس" قريبا من السلطة ومحميا من المحاسبة في مجال حراسة السيارات، وهو ما أصبح المواطن العادي على دراية به من خلال بعض المناوشات اليومية مع فئة منهم في الأحياء الراقية منها والشعبية، والتي أصبح فيها حارس السيارات ذا نفوذ ليقينه أنه محمي من عدة جهات. نهايات درامية "باش قتلتي باش تموت" مثل ينطبق على بعض الحراس المخبرين الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء في التعامل مع الضوابط القانونية وتحولهم من مخبرين لصالح الأمن العام إلى نافذين ومجرمين، مستغلين هامش الحرية الممنوح لهم والقرب من المصالح الأمنية، قبل أن تنكشف أساليبهم ويتم الزج بهم في السجون. ودليل ذلك عدة وقائع من بينها الاستنفار الذي عرفته إحدى المناطق الأمنية بالبيضاء، بعد أن قدم تاجر مخدرات أوقف من قبل الشرطة تسجيلا صوتيا لمخبر يعترف فيه بتورطه رفقة مخبرين في ابتزاز تجار المخدرات بالمنطقة والحصول منهم على رشاو مهمة باسم مسؤولين أمنيين، وهو ما جعل الفرقة الولائية الجنائية تدخل على خط الملف، إذ أوقفت المخبر المتورط في التسجيل، وأصدرت سبع مذكرات بحث في حق آخرين، اختفوا عن الأنظار بعد افتضاح أمرهم. محمد بها «واتساب» لمشاركة المعلومة لم يعد المخبرون المنتمون إلى فئة حراس السيارات، يكتفون بالطرق التقليدية في بعثهم للمعلومات المرتبطة بالأمن ورصد حركات المشتبه بهم من "المشرملين" والمجرمين واللصوص وحتى المتطرفين، فمع عصر السرعة لجأ أغلبية الحراس إلى تجاوز الاتصالات الهاتفية أو أسلوب الحكي في مد الأجهزة الأمنية بالمعلومات المهمة، بالاعتماد على تقنية "واتساب" التي يرسل عبرها ما تم تصويره بالهواتف الذكية وبعث أي حدث يعد مصدرا إلى الباحثين عن المعلومة. مواضيع الملف: “سربيس لودن”… من يراقب من؟ كباريهات وملاه… العلب السوداء المقدمـون والشيـوخ … “الريـزو” نربي مخبرين صغارا عيـون الأمـن فـي قلـب الأحيـاء ثلاثة أسئلة: ثقافة “الحفير” الفضوليون… مخبرون بالفطرة “التخابـر”… اعلـم تحكـم عالم المال… للمعلومة ثمن “العطاية”… القوة الضاربة لـ”الزعماء”

مخبرون في خدمة الأمن: “الكارديانات”… الإنس والجن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التوافقات الأخيرة قبل المؤتمر

"العطاية"... القوة الضاربة لـ"الزعماء"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات