الملك الإنسان … قيم راسخة

حين حول ولي العهد إقامته بسلا إلى ديوان لاستقبال الفقراء والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة عاش الملك محمد السادس أميرا نبيلا محبا للفقراء والمحتاجين وصديقا للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ينقلون عنه حكايات وقصصا إنسانية أقرب إلى الخيال، حتى إن واحدة منهم بحي المعاكيز بمقاطعة سيدي البرنوصي كانت تطلق عليه لقب "خاي محمد" لشدة تعلقها به، وترددها عليه بمقر إقامته الأميرية بسلا. كان أبناء الحي ونساؤه، على الخصوص، يسارعون إلى منزل "حليمة"، ذات الأربعة عقود، كلما عادت من سلا، تحمل أخبارا جديدة عن الأمير، وكيف استقبلها وأنصت إليها، وتسلم منها الرسائل التي تحمل طلبات مساعدة، أو الحصول على مأذونية نقل، أو معدات طبية، أو التوسط لإجراء عملية جراحية، أو حتى تسهيل إجراءات الحصول على فيزا للسفر إلى إحدى الدول الأوربية للعمل. لا تكف حليمة، التي تعاني إعاقة في ساقها اليسرى وتستعمل عكازا طبيا، عن الحديث عن شاب مهذب "لا يخرج العيب من فمه"، ويخصص زوال كل ثلاثاء لاستقبال عدد محدود من المواطنين (في حدود 12 فردا) يحجون إلى مقر إقامته (غير بعيدة عن دوار أولاد موسى) وفق موعد متفق عليه ولائحة مسبقة، وذلك لغايات تنظيمية. يبدأ الاستقبال بالدخول إلى بهو كبير، بتعليمات شخصية من ولي العهد، ويحرص حراس الإقامة والحرس الشخصي وموظفو الإقامة على الاعتناء بالضيوف وتقديم بعض المشروبات والحلوى والمرطبات لهم، في انتظار وصول الأمير الذي يكون في العادة متحررا من أنواع البروتوكول الرسمي، خصوصا على مستوى اللباس وطريقة حديثه ومعاملته للمحيطين به. في البهو الفسيح، يلقي الأمير السلام والتحية على ضيوفه الذين يقومون باحترام لمبادلته التحية، ثم يسأل عن حالات وأسماء معينة، ويتبادل ابتسامات وقفشات مع آخرين يعرفهم جيدا من كثرة التردد عليه، قبل أن يشرع في تسلم الشكايات والرسائل والاستماع إلى بعض المشاكل، مع وعد بالتدخل والتوسط لدى مسؤولين محليين وإقليميين لإيجاد حلول لها. ولا تمل حليمة من التعبير بالكلام والإشارات عن انبهارها بالأمير وبساطته ونبله وحسن استماعه إلى الآخرين، والاستعداد إلى تلبية طلباتهم ذات الطبيعة الاجتماعية في الغالب، كما تروي حكايات شخصية معه وكيف كان يناديها باسمها حتى تمادت ونادته، كما تحكي، في يوم من الأيام، بـ"خاي محمد"، وتقول لأصدقائها إنها تعتبره مثل شقيقها الصغير. ولا ينتهي نبل الأمير في لقاءات أسبوعية منظمة بمقر إقامته، بل تمتد إلى جميع مناحي حياته، إذ كان شديد التأثر لحال مغاربة، يصادفهم أو يسمع عنهم، يعيشون وضعيات هشاشة وفقر، وكثيرا ما بادر أثناء سفره وجولاته في المغرب للتوجه إلى شخص معين، سائلا إياه عن وضعيته، وعارضا مساعدته عليه. ويحكي شاهد عيان (موظف سابق بالمكتب الوطني للكهرباء) كيف كان الأمير يفضل قيادة عجلته المائية ليلا بشاطئ المنصورية، وتجند موظفو المكتب لتوفير الإضاءة اللازمة و"الكشافات" التي تصل إنارتها إلى مناطق بعيدة في البحر. وحين يفرغ من هوايته، رفقة أصدقاء له، لا ينسى إلقاء السلام والتحية على الجميع شاكرا لهم صنيعهم، قبل أن يطلب من أحد مساعديه إغداق أوراق نقدية على بعضهم، وهي العملية التي كان يستفيد منها حارسو السيارات بالمواقف القريبة. ورغم مخاضات انتقال السلطة في السنوات الأخيرة من حكم الوالد الحسن الثاني، والضغوطات السياسية الكبيرة والمهام الثقيلة التي كان يضطلع بها منذ بداية التسعينات، لم ينس الأمير واجب الاعتناء والإنصات إلى الفئات "المقصية" التي تحتاج مساعدته، إذ ظل وفيا لعادة استقبال عدد منهم في الموعد المحدد له، كما خصص وأشرف على عدد من البرنامج والمشاريع الاجتماعية التي تعنى بوضعية هؤلاء الأشخاص. ويرجح عدد من الباحثين أن فكرة إنشاء صندوق للتضامن وإطلاق حملات "جميعا للقضاء على الحاجة"، ثم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عنت إلى الملك منذ كان أميرا، توفرت له ما يكفي من المعطيات لمعرفة أحوال الناس، وعرف المعنى الحقيقي لتغيير حياتهم إلى الأفضل، وتوفير دخل قار لهم يغنيهم عن التسول ومد اليد. ورغم واجب التحفظ والاحتياطات الأمنية المفروضة اليوم على محمد السادس الملك، فإنه لم ينس صفة الأمير فيه، يظهر ذلك في طريقة حديثه التلقائي مع المواطنين والتقاط الصور معهم، وعناقه لبعضهم في لحظات ضعفهم ومصائبهم (ضحايا الكوارث وحوادث السير...)، وكذا عطفه الخاص على الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وحرصه على تقريبهم منه والاعتناء بأوضاعهم. يوسف الساكت

الملك الإنسان … قيم راسخة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الملك يتزوج "بنت الشعب"

"الجيت سكي"... العشق الكبير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات