الحسن الثاني المتخفي ومحمد السادس المنجلي

المغاربة كانوا يخافون الملك الراحل فأصبحوا يخافون على وريث عرشه حرص الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، على تجسيد مقولة "الرجل هو الأسلوب" في أدق التفاصيل، بما في ذلك طريقة الظهور في الفضاء العام، إذ اقترب من عامة الشعب، بشكل أكبر من والده، حتى بات المغاربة يخافون عليه، بعدما كانوا يخافون من والده، الذي تحكي معطيات غير رسمية، أنه، وبسبب تجاربه مع المحاولتين الانقلابيتين لـ1971 و1972، عاش محتاطا كثيرا على سلامته الجسدية. وفي الوقت الذي يعد فيه الملك محمد السادس منجليا ومتاحا، بدليل معرفة كل سكان البيضاء مثلا، أنهم بإمكانهم مصادفته خلال كل رمضان قبيل أذان المغرب بالشريط الساحلي عين الذئاب، كان والده الحسن الثاني، مختفيا ومحاطا بهالة كبيرة، وصلت درجة نسج المغاربة قصصا خيالية، تصوره كائنا ليليا، يخرج إلى لقاء العامة في الشوارع، ولكن بعد أن يتخفى في لباس مموه. وإذا كان الملك الحسن الثاني، وفق بعض الحكايات، قد وبخ حارسه الحاج المديوري، بعد تمكن فلاح من أزيلال من الاقتراب منه بغاية تسليمه رسالة، أثناء تدشين سد بالمنطقة بمعية الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران، بأن قال له "من تلك المسافة إنني ميت"، فإن محمد السادس، وعلى العكس من ذلك، لا يتردد في الوقوف وسط حشود المواطنين، حتى أن بينهم من لا يجد حرجا في وضع يده على كتف محمد السادس لالتقاط صورة. وفيما تظل احتياطات الحسن الثاني، خلال عهده، مفتهمة، بالنظر إلى أن السياق السياسي والاجتماعي حينها ليس هو نفسه اليوم، علاوة على مرارة الخيانة من قبل رجالات العسكر المقربين منه الذين حاولوا قلب نظامه لمرتين، ينظر محمد السادس إلى قربه من المواطنين، ولجوئهم إليه لقضاء حوائج بسيطة، أداة تسمح له بالوقوف على حقيقة سير الأمور في الإدارات، عوض الاكتفاء بالتقارير التي ترد إليه في القنوات الرسمية. وتطرق الملك محمد السادس إلى تلك المسألة، في أكتوبر 2016، في خطابه لمناسبة افتتاح الدورة الخريفية لغرفتي البرلمان، بأن ربط بين لجوء عدد من المواطنين إليه لقضاء بعض الحاجيات وحل بعض المشاكل والصعوبات، وعدم تجاوب المصالح الإدارية معهم وإغلاق الأبواب في وجهوهم، معربا عن اعتزازه بالتعامل المباشر مع أبناء الشعب، بالقول "سأظل دائما أقوم بذلك في خدمتهم". وبالنسبة إلى الملك محمد السادس، "الأكيد أن المواطنين يلجؤون إليه "بسبب انغلاق الأبواب أمامهم، أو لتقصير الإدارة في خدمتهم ، أو للتشكي من ظلم أصابهم، إذ أنه لو كانت الإدارة تقوم بواجبها، وتكف عن النظر إلى المواطن كأنه لا يساوي شيئا، أو مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة، ما كان له أن يلجأ إلى الملك في أمور بسيطة. ولعل اللافت أكثر في قرب الملك محمد السادس من المواطنين، أن التخفيف من الإجراءات الأمنية المرافقة له، إجراء لا يحدث فقط داخل المغرب، بل يمتد إلى سفرياته إلى الخارجوهو ما وثقته صوره مع أفراد الجالية المغربية بهولندا وفرنسا وميامي الأمريكية، درجة أن ولي العهد، الأمير مولاي الحسن، هو الذي هب في إحدى اللحظات، ليتولى ملء نقطة فراغ أمنية في محيط السيارة الملكية التي أحاط بها أفراد الجالية أمام فندق بدولة أجنبية. ولم يخف حسن أوريد، زميل الملك محمد السادس في المدرسة المولوية والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، خلال مشاركته أخيرا في برنامج "ضيف ومسيرة" في قناة "فرانس24"، أن الملك محمد السادس، ومنذ إلقائه ثاني خطاب له بعد اعتلائه العرش في 1999، ركز على ضرورة الاعتناء بقضايا الفئات المهمشة، وزيارة مناطق لم يزرها والده منذ مدة طويلة. وأوضح أوريد للمناسبة ذاتها، أن تلك المبادرة، مثلا تجاه منطقة الريف، كانت تعبيرا حقيقيا عن المصالحة، وعبر المواطنون عن ذلك، بدورهم، بكل عفوية وتلقائية، إلا أن المشكلة تظل في المواكبة الإدارية لمبادرات الملك، إذ قال أوريد عن زيارات محمد السادس إلى منطقة الريف والمصالحة معها، مثالا، إن الذي لم يتم هو "المتابعة والمواكبة الإدارية، سيما اعتماد وسيط يتكلم باسم المنطقة، بدل المنتخبين وأجهزة الدولة". امحمد خيي

الحسن الثاني المتخفي ومحمد السادس المنجلي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تواصل الملك نابع من خصوصية العهد الجديد

القصر يبعث رسائل احترام القانون

مقالات ذات صلة