محاكمة عسكريين أمام المحاكم المدنية

جنح تتوزع بين السكر العلني والضرب والجرح والسرقات وحيازة السلاح الأبيض والمخدرات إنجاز: عبدالحليم لعريبي بعد دخول قانون العدل العسكري حيز التنفيذ قبل سنتين باتت المحاكم المدنية تستقبل جرائم أبطالها يخضعون للنظام العسكري. ابتدائية الرباط واحدة من المحاكم التي يحال عليها باستمرار جنود بالقوات المسلحة الملكية و»مخازنية» ودركيون ورجال المطافئ يسقطون في حالة تلبس في جرائم السرقات والضرب والجرح وتبادل العنف والشيكات بدون رصيد.. كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا من الثلاثاء الماضي، وبمحيط المحكمة الابتدائية بشارع مدغشقر بالرباط، وصلت عربة عسكرية على متنها ضباط بالشرطة العسكرية ينقلون جنديا من مواليد التسعينات لعرضه على وكيل الملك. وصل الجندي إلى قبو المحكمة وأثار حوله الانتباه فاعتقد البعض أن الأمر يتعلق بجريمة كبيرة، لكن فور دخوله إلى مكتب ممثل النيابة العامة، تسربت معلومات أن الظنين الذي يشتغل بالصخيرات ارتكب جرائم تتعلق بالسكر العلني البين وحيازة السلاح الأبيض والضرب والجرح في حق شرطي بالمنطقة الأمنية الأولى المحيط بالرباط والتغرير بقاصر يقل عمرها عن 18 ساعة. وبعدما انتهى وكيل الملك من استنطاقه نزل خبر الأمر بإيداعه السجن المحلي بسلا كالصاعقة عليه وعلى والديه وعرض في اليوم ذاته على القاضي الجنحي المقرر في قضايا التلبس، وحينما تأكد الجانح من قرار الاعتقال وأنه لا مفر من سلب حريته حتى نزع زيه العسكري بقبو المحكمة، وصعد إلى القاعة رقم 1 بلباس مدني للمثول أمام هيأة الحكم. سكر وعربدة حينما صعد الجندي إلى قاعة المحاكمة كانت عائلته في الموعد فاستطاعت إقناع عائلة القاصر التي تعرضت للتغرير بالتنازل، حضرت الفتاة مرفوقة بوالدتها التي أكدت أمام هيأة المحكمة أنها تتنازل للموقوف في المطالب المدنية، لكن فرحة أسرته لم تدم كثيرا، حينما اصطدمت بخبر اعتداء ابنها على شرطي بالمنطقة الأمنية الأولى مساء الأحد الماضي أثناء محاولة إيقافه. ظلت العائلة مشدوهة بالاتهامات التي وجهها رجل الأمن إلى العسكري، لتنهال عليها معلومات من محامين وعناصر من شرطة الجلسات، تفيد أن ابنها كان في حالة سكر متقدمة وفي حملة أمنية أراد ضابط أن يتحقق من هويته على الطريق الساحلي للرباط، إلا أن الجندي رفض الامتثال لأفراد الدورية ولجأ إلى العصيان ضدهم فانهال عليهم بالضرب والجرح وأصيب رجل أمن بجروح تلقى إثرها فحوصات طبية. رفض تنصيب محام حينما نادى رئيس الجلسة على الجندي واستفسره عن مدى صحة الاتهامات المنسوبة إليه، كان رده النفي، واعتبر نفسه بريئا ورفض حتى تنصيب محام للدفاع عنه من الاتهامات المنسوبة إليه من قبل النيابة العامة. تمسك الموقوف بالقول إن مضامين التصريحات المتضمنة بمحاضر الضابطة القضائية لا علاقة له بها وأنه تعرض ل»الحكرة» فيما كانت عائلته تنتظر رد النيابة العامة. وفي الوقت الذي استدعى فيه رئيس الجلسة القاصر ووالدتها أمامه للاستماع إلى أقوالهما، قدمت عائلة الضحية التنازل له، وظلت عائلته تبحث عن رجل الأمن ببهو المحكمة أملا في حصولها على تنازل ثان لكن دون جدوى، بعدما غاب المعتدى عليه عن أطوار الجلسة، ووجد الجندي نفسه أمام قرار الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي بسلا. جرائم عادية واقعة هذا الجندي البسيط تشبه حالة عسكريين يشتغلان بمنطقة المحبس بالحزام الأمني بالصحراء، أوقفا قبل أشهر في تهم تتعلق بالسرقة وارتكاب حادثة سير والارتطام مع مبنى سفارة الفاتيكان بالرباط، وبعد مرور أسابيع أفرج عنهما بعدما لم تتوفر العناصر الجرمية في سرقة سيارة أجرة، لكن حينما ظهر الفاعل الحقيقي توبعا في قضايا السكر العلني البين وارتكاب حادثة سير. تتقاطر على النيابة العامة الجرائم العادية التي تتعلق بإصدار الشيكات بدون رصيد والضرب والجرح والسرقات وإهمال الأسرة والنصب والاحتيال والتزوير في محررات عرفية، وهي ملفات مشابهة باتت المحكمة الابتدائية بالرباط تبت فيها بعد دخول قانون العدل العسكري الجديد حيز التنفيذ في فاتح يوليوز 2015، باستثناء الجرائم العسكرية المرتبطة بقضايا عدم الامتثال ومخالفة التعليمات العسكرية العامة والفرار من الجندية واختلاس أموال مملوكة للجيش والتحريض على الالتحاق بجماعات ثائرة... تقلص الملفات العسكرية سبق أن كشف مصدر رفيع المستوى أنه بعد دخول قانون العدل العسكري الجديد حيز التنفيذ قبل سنتين انخفضت القضايا المعروضة على المحكمة العسكرية ب70 بالمائة بالمقارنة مع السنوات الماضية. وأوضح المصدر نفسه أن المحكمة بات تستقبل فقط الجرائم العسكرية كمخالفة التعليمات العسكرية العامة وعدم الامتثال والفرار من الجندية. تنازل المشتكين يظهر من خلال متابعة «الصباح» للعديد من القضايا المرتبطة بالجرائم العادية أن الجنود يحصلون على تنازلات من قبل المشتكين في القضايا المرتبطة بالنصب والضرب والجرح والسرقات، ما يتيح للمحكمة متابعتهم في حالة سراح مؤقت، الشيء الذي كانوا يحرمون منه في السنوات الماضية أمام المحكمة العسكرية. عقوبات مخففة يجمع عدد من المهتمين بالشأن القضائي أنه بعد دخول قانون العدل العسكري الجديد حيز التنفيذ، بات الخاضعون للنظام العسكري تتشابه أحكامهم مع المدنيين في القضايا الجنحية. ويرى سعيد بشيري من هيأة المحامين بالرباط أن الخاضعين للانضباط العسكري من جنود ودركيين ورجال المطافئ الذين باتوا يحالون على المحاكم المدنية يستفيدون من عقوبات مخففة بالمقارنة مع العقوبات التي كانت تصدر في حقهم من قبل المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية سابقا قبل دخول قانون العدل العسكري الجديد في فاتح يوليوز من 2015. ويؤكد بشيري أن القضايا التي تعرض على المحاكم المدنية تفتح مجالات للتنازل والتنصيب في القضايا المدنية، مضيفا أن القرارات التي تصدر عن المحكمة العسكرية كانت تراعى فيها حساسية المهام المسنودة إلى الخاضعين لقانون العدل العسكري، ما يدفع القضاة العسكريين إلى استصدار أحكام مشددة قصد زجر المخالفين وإعطاء العبرة للآخرين حتى لا تكرر مثل هذه الجرائم. ولا يخفي المتحدث نفسه أن عوامل وأسباب تورط العسكريين في الجرائم العادية تشبه إلى حد كبير دوافع جرائم المدنيين.

محاكمة عسكريين أمام المحاكم المدنية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فوضى الفراشا

حجز 4300 قرص مهلوس بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات