الذبيحة السرية…مافيا اللحوم الفاسدة

تستميل البطون بأثمان بخسة وتستعين بدوريات في الأسواق والضواحي لاقتناص لحوم الجيف والمواشي المريضة 70 % من اللحوم الرائجة في الأسواق غير صالحة للاستهلاك، رقم لم يفلح في إثارة الهلع والفزع في صفوف المستهلكين، الذين يرون في قطع اللحم المعروضة بأسعار منخفضة، "همزة" يحسن اغتنامها، فاللحم يظل لحما، ولا يتغير طعمه باختلاف السعر، وإن كان الفرق واضحا، فمن 70 درهما للكيلوغرام، نزولا إلى 45 درهما، يمكن أن يوفر المستهلك 25 درهما. باختصار، للذبيحة السرية سوق كثير الرواج، يحركه طلب متزايد، خصوصا خلال فترة الصيف، التي تمثل ذروة الاستهلاك وموسم الأعراس والمناسبات. أنشطة الذبيحة السرية تحرك خيوطها "مافيا" متخصصة، تستخدم أساليب خاصة للتحايل على القانون، والالتفاف على سلاسل المراقبة، وتأمين استمرار رواج منتوجاتها، من خلال إستراتيجية تسويق خاصة، تحاكي أحدث تقنيات "الماركوتينغ". من خلال التحقيق التالي، تسعى "الصباح" إلى اختراق هذا النوع من الأنشطة، الذي يمثل قنبلة صحية موقوتة تهدد المغاربة، باعتبار ترويجها للحوم فاسدة، كما تحرم الدولة من مداخيل جبائية بالملايير، وتحاول تسليط الضوء على هذه التجارة غير المشروعة، التي تستفيد من ثغرات مراقبة ما فتئت تتوسع، نتيجة تقاطع مجالات التدخل بين مصالح الرقابة. إنجاز: بدر الدين عتيقي - تصوير: (أحمد جرفي) لم تغفل التقارير الرقابية المتواترة للمجلس الأعلى للحسابات، التطرق إلى تنامي أنشطة الذبيحة السرية، عند افتحاصها لوضعية المجازر البلدية والقروية، وحملت المذكرة الاستعجالية الأخيرة، التي وجهها إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس، إلى عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، وعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، أرقاما صادمة عن حجم تنامي هذا النوع من الأنشطة، المسؤول عن رواج 247 ألفا و500 طن من اللحوم غير المراقبة، التي يستهلكها المغاربة دون إدراك لحجم مخاطرها الصحية. تتمثل المخاطر المذكورة، حسب عبد اللطيف نواري، طبيب متخصص في التغذية والحمية، في التسبب في أضرار بالغة للجسم على المدى البعيد، فيؤدى استهلاك اللحوم الفاسدة إلى مرور مواد بروتينية، تعمل على إتلاف أجزاء من المخ، وكذا بعض الأعضاء الحيوية مثل الكبد والكلى والبنكرياس، مشددا على أنه في حال تناول لحوم جيف، تم ذبحها بعد نفوقها، تتضاعف الأخطار، بتزايد احتمال انتقالِ الأمراض والميكروبات المسببة لموت الحيوان إلى الإنسان، لتبدأ أعراض التسمم بعد نصف ساعة من تناول اللحم، وفي بعض الأحيان تصل إلى ساعتين، مرفوقة بأعراض الغثيان والقيء والإسهال، وكذا جفاف الجسم. "اللجنة" المتحركة تحولت مناطق مثل الهراويين وتيط مليل والرحمة وغيرها من هوامش البيضاء مترامية الأطراف، إلى مزود رئيسي للبيضاويين باللحوم الفاسدة، باعتبار أن كل لحم غير خاضع لمراقبة المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية يعتبر فاسدا، حسب محمد أسوال، المدير العام للمكتب لجهة البيضاء- سطات. في هذه الفضاءات الجغرافية الشاسعة، التي ما زال بعضها خاضعا لنفوذ ملتبس للأمن الوطني والدرك الملكي، تنشط "مافيا" الذبيحة السرية مستغلة الفجوات القانونية والتنظيمية، ودرايتها الكاملة بعمل سلاسل المراقبة الحالية، لتصرف أكبر قدر من منتوجاتها في الأسواق ونقط البيع المهيكلة. وقبل الحديث عن عملية الذبح والتجهيز والتسويق، يتعين العودة إلى مرحلة الحصول على المواشي، إذ أفادت مصادر "الصباح"، وجود مجموعة متخصصة في اقتناص مواشي الذبيحة السرية في الأسواق، تحت اسم "اللجنة"، المكونة من جزارين ووسطاء في تجارة الماشية، يتمركزون عند مداخل الأسواق الأسبوعية، مثل سبت تيط مليل، ويترصدون الأغنام والأبقار المريضة، أو التي تعرضت إلى حوادث، من قبيل الكسر أو ابتلاع أشياء صلبة،بل حتى الجيف في حالات كثيرة، فيقتنونها بأثمنة بخسة، ثم تنساب المكالمات الهاتفية في اتجاه الزبناء من جزارين وباعة لحوم مجهزة. "كاينة واحد الذبيحة ناضية. واش بغيتي حقك من السلعة؟". بهذه العبارة المقتضبة، يسوق أحمد، جزار، قطعا من بقرة ابتلعت سلكا معدنيا، واضطر مالكها إلى ذبحها، ليقتنيها وأصدقاؤه، ويشرعوا في توزيعها حسب الطلب. تعتمد "اللجنة" المتحركة باستمرار من سوق إلى آخر بحثا عن غايتها من المواشي، على سطح أحد الأبنية في منطقة "الشيشان"، المحاذية للهراويين، ضواحي البيضاء، في تجهيز الذبائح وتقطيعها حسب الطلب، فحصة يتم تحضيرها لحما مفروما، توجه إلى زبناء من الجزارين وأصحاب محلات بيع اللحوم المحضرة والمطاعم والباعة المتجولين، وأخرى تعد للاستخدام في تصنيع النقانق، بينما يتم تصريف شرائح اللحم "ستيك" في محلات، بعضها مصنف ضمن متاجر الجزارة الحديثة الراقية، إلى جانب منتوجات مراقبة، ما يعري ثغرات سلاسل الرقابة الصحية. "لحم السوق" يجهل الكثير من المستهلكين أن اللحوم المعروضة بأسعار منخفضة في الأسواق الأسبوعية، ليس مصدرها الذبيحة السرية دائما، ذلك أن "لحم السوق"، كما يتداوله المستهلكون، يصنف ضمن اللحوم المدارية، الخاضعة لمراقبة المصالح البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية، إلا أنه يمنع تسويقها داخل محلات الجزارة والمتاجر الأخرى في المناطق الحضرية، إذ تتم مصادرة هذه اللحوم عند قيام لجان المراقبة بعمليات التفتيش الروتينية في إطار اللجان المختلطة التي تنسق عملها الداخلية بالعمالات والمقاطعات المختلفة. ويظل مصدر اللحوم المعروضة في الأسواق المذابح القروية، التي لا تخلو من اختلالات إلى جانب نظيرتها البلدية، إذ حمل التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات حول منظومة المجازر في المملكة، معطيات صادمة تؤكد أن 200 مجزرة فقط، تتوزع بين مجزرة بلدية واحدة و199 مذبحا قرويا، لا تخضع لأي مراقبة، أي ما يعادل 22 % من وحدات الذبح، رغم عمليات المراقبة التي تدبرها المصالح البيطرية، التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية، وتهم 698 مجزرة من أصل 898 على الصعيد الوطني، منها 181 مجزرة بلدية وثلاث مجازر معتمدة، تابعة للخواص، و714 مذبحا قرويا. هذه المعطيات لا يمكن أن تحيد بنا عن تعقب مسار "مافيا" الذبيحة السرية، التي يتركز نشاطها في المناطق القروية وهوامش المدن، إذ عاينت "الصباح" خلال مرافقتها لإحدى عمليات الذبح خلال ساعات الصباح الأولى من يوم سبت، دقة في التنظيم وتوزيع الأدوار، إذ تحرك أفراد المجموعة الخمسة بسياراتهم كبيرة الحجم "سطافيط" صوب منطقة "السبيت"، ضواحي البيضاء، بعد تلقيهم مكالمة من مزود، تلقى عرضا لشراء بقرة مريضة من أحد المزارعين مقابل 3000 درهم. سارع الجزارون بكامل عدتهم إلى المكان عينه، ليعمدوا إلى ذبحها بعد الاتفاق حول السعر مع المزارع وترضية الوسيط، قبل أن يشرع بعضهم في تقطيعها، حسب طلب الزبناء، إذ تكلف البعض الآخر بالاتصال بالجزارين وأصحاب المطاعم وبعض الباعة الجائلين. تهالك البنيات التحتية كشفت معطيات جديدة، عن استمرار تهالك البنيات التحتية في مجموعة من المجازر البلدية، التي لا تحترم معايير السلامة الصحية، ذلك أن 12 وحدة ما زالت متخلفة في هذا الشأن، عن الشروط المفروضة من قبل "أونسا"، فيما تنتظر الأخرى تعديلات في الميثاق الجماعي، لغاية استكمال مشاريع إعادة التهيئة والإصلاح. ويعمل المكتب الوطني للسلامة الصحية، موازاة مع المراقبة الميدانية، على مشاريع تحديث المجازر البلدية، وكذا الترخيص لافتتاح وحدات من قبل الخواص، إذ يتم تقييد الشركات في هذه الحالة بثلاثة دفاتر تحملات، تفتح الباب لتدخل وزارتي الداخلية والتجارة والصناعة. وحصلت ثلاث مجازر خاصة من أصل سبعة مشاريع أعلن عنها، على اعتماد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية، يتعلق الأمر بـ"بيو بيف" مكناس و"بيست فياند" بني ملال، وكذا "كوباج فياند" تارودانت، مشددا على أن المشاريع الأخرى ما زالت في طور الإنجاز، منبها في السياق ذاته، إلى وجود اختلالات في مراقبة المجازر الجديدة، ذلك أنها تهم مصدر الأبقار والأغنام، ولا تشمل حاليا، اللحوم المجهزة ومشتقاتها. أختام جديدة لا تخضع الذبائح السرية والمهربة للمراقبة الصحية، إذ يتم ذبحها في أماكن غير مرخص لها، ويتم تهريبها من الأسواق الشعبية خارج المدار الحضري إلى داخل المدينة بطرق ملتوية، وفق تعريف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية لذلك النوع من اللحوم المذبوحة، بشكل مخالف لنص المادة 2 من المرسوم رقم 2.98.617، الصادر في 5 يناير من 1999، لتطبيق الظهير الشريف رقم 1.75.291، التي تؤكد على ضرورة فحص الحيوانات التي سيتم ذبحها في مكان مخصص لذلك، تتوفر فيه الشروط المناسبة، خصوصا الإضاءة الكافية والنظافة اللازمة، وارتداء العمال لزي المهنة، وتوفر وسائل تثبيت الحيوانات. وتبنت مصالح المراقبة البيطرية التابعة لـ"أونسا"، أختام اللحوم الحمراء الجديدة التي تم اعتمادها في يناير الماضي، والتي تنقسم إلى أختام على مستوى مجازر اللحوم الحمراء المعتمدة، وتضم خاتم التفتيش الصحي البيطري، وهو عبارة عن ختم بني بيضاوي الشكل يحمل البيانات التالية، تفتيش صحي بيطري، رقم اعتماد المجزرة، أما ختم الجودة فهو عبارة عن مستطيل أحمر الشكل يبين صنف الحيوان مصدر اللحم (بقر وغنم وماعز وجمال)، وكذلك نوع الجودة، (ممتازة أو "جودة 1" أو"جودة 2"). وعلى مستوى وحدات الذبح بالأسواق الأسبوعية، لا بد من توفر ختم التفتيش الصحي البيطري، بيضاوي الشكل ذي لون أحمر، الذي يحمل بيانات التفتيش الصحي البيطري ورقم وحدة الذبح وصنف الحيوان، مصدر اللحم، فيما ينصح مراقبو المصالح البيطرية المستهلكين بعدم الخضوع لإغراء السعر الرخيص، والتأكد من أن كل اللحوم الحمراء المعروضة للبيع عليها ختم التفتيش الصحي البيطري، الذي يضمن سلامة وجودة اللحوم المعروضة للبيع.

الذبيحة السرية…مافيا اللحوم الفاسدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لا أستبعد فكرة الزواج

إسماعيل حكما بالسعيدية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات