مسؤولية المحاسب العمومي بين النص والواقع

وضع الميزانية على أساس الأهداف المبرمجة لا يؤخذ بعين الاعتبار ويهمل تقييم نتائج السياسات المتبعة (3/1) عرف حقل المالية العمومية بالمغرب في العقود الأخيرة مجموعة من التغيرات والإصلاحات على غرار ما تعرفه مجموعة من الدول الغربية وبالخصوص فرنسا، وقد شملت هذه التحولات العديد من المجالات التي تهتم بحقل تنفيذ وصرف النفقات العمومية وخاصة ما يتعلق بمساطر وإجراءات مراقبتها سواء تعلق الأمر بالمجال التنظيمي أو من الناحية التقنية الصرف، وشملت هذه الإصلاحات كذلك القوانين التنظيمية للمالية بحيث أصبحت تعكس التوجه الجديد الذي تعطيه السلطات المالية لمفهوم الميزانية العامة وقوانين مالية السنة. صاحبت هذه الإصلاحات وواكبت التطورات والتعديلات الجديدة التي يعرفها حقل المحاسبة العامة للدولة والتي تسير في اتجاه دمج جميع موارد الدولة أو ما يعرف بالذمة المالية للدولة في المحاسبة العمومية عوض الاقتصار فقط على محاسبة الميزانية التي تهتم فقط بتسجيل العمليات المالية المرتبطة بالصندوق. أمام جميع هذه التحولات يبقى السؤال المطروح هو إلى أي حد أثرت على نظام مسؤولية المحاسبين العموميين وما هو المفهوم الجديد الذي يمكن إعطاؤه لهذه المسؤولية، خاصة وأن هذه الفئة هي المعنية أكثر بحقل التنفيذ المادي لقوانين المالية وبالتالي فإن مسؤوليتها هي الأكثر إثارة أمام قضاة المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات؟ للإجابة على هذه التساؤلات سوف نحاول تسليط الضوء على بعض الأفكار والاقتراحات والتجارب التي تشكل حجر الأساس لإصلاح نظام مسؤولية المحاسبين العموميين والتي تبقى في الأخير مجرد تدابير أو مخارج يمكن من خلالها مسايرة وتيرة التطور والتحولات التي يعرفها حقل المالية العمومية بالمغرب وفرنسا، إلا أنه قبل ذلك أرى أنه من الضروري إعطاء فكرة ولو بسيطة عن فحوى أو الغاية من تعديل القانون التنظيمي لقوانين المالية حتى نتمكن من استيعاب وفهم المنظور الجديد الذي يجب أن نعطيه لحقل مراقبة تنفيذ العمليات المالية العمومية ومسؤولية المحاسب العمومي عن هذا التنفيذ. أولا: الغاية من مشروع تعديل القانون التنظيمي للمالية إن الغاية الأساسية من وراء مشروع تعديل القانون التنظيمي للمالية سواء بالمغرب أو بفرنسا هو المرور من منطق وضع الميزانية حسب طبيعة ونوعية النفقات والمداخيل إلى منطق وضع الميزانية تبعا للأهداف أو البرامج. وضع الميزانية حسب الأهداف من أبرز أهداف هذا الشكل من أشكال الميزانية مساعدة أصحاب القرار على تقييم الأنشطة الإدارية التي يتحملون مسؤولية تسييرها والتكاليف الناجمة عن هذا التسيير، وبالتالي فهيكلة وبنية الميزانية يجب أن تتم حسب طبيعة الأنشطة المزاولة كما أن توقعات النفقات يجب أن تكون مقرونة بأدوات للمقارنة بين الإنتاج والتكاليف لتحديد وتمييز الأنشطة المهمة والفعالة عن غيرها، وحسب هذا المنطق فكل إدارة أو مرفق يحدد نفقاته بجمع تكاليف مجموع الأنشطة التي تتم داخله. إذا كانت الغاية أو الهدف من وضع الميزانية حسب الأهداف واضحة إلى حد ما، إلا أنها غامضة من حيث تحديد طبيعة التدخلات المطلوبة أو بعبارة أخرى طبيعة العمل الذي يجب القيام به، لأنه يختلف كل الاختلاف عن الأهمية النسبية للهدف المراد تحقيقه. وحتى على مستوى الدول الرائدة في الأخذ بهذا النوع من الميزانية فقد اتضح أنه ليس بالإمكان ترجمة جميع الأهداف على مستوى الميزانية. ومن بين الانتقادات الموجهة إلى الميزانية المسطرة حسب الأهداف هو أن قيمة وأهمية النشاط وإن كانت هي الغاية أو الهدف المرجو فإنها ليست بالضرورة معيارا لزيادة الموارد الخاصة به. كما أن وضع الميزانية على أساس الأهداف المبرمجة لا يأخذ بعين الاعتبار ويهمل تقييم نتائج السياسات المتبعة، على اعتبار أن ذلك لا يتم إلا على المدى المتوسط الذي يفوق إطار السنة وبالتالي تبرز قيمة الميزانية الموضوعة على أساس البرمجة المتعددة السنوات. وضع الميزانية حسب البرامج يهدف هذا النوع من الطرح إلى وضع الميزانية تبعا لاختيارات وتوجهات السياسة العامة، فهي تضع إطارا مؤسساتيا وتقنيات تمكن من تتبع مجموعة من البرامج عندما تكون الموارد محدودة، فالميزانية في هذه الحالة ليست أداة للتسيير بقدر ما هي طريقة لتوزيع الموارد الغاية منها تقييم مختلف الجهود والتكاليف وتتبع مدة تقدم البرامج الموضوعة وتحقيق الأهداف المسطرة، ففي حالة الميزانية الموضوعة على أساس البرامج تكون الغاية هي السعي وراء تحقيق البرامج المسطرة حتى في حالة تجاوز الإطار الزمني المحدد في السنة المالية، لأن الأمر يتعلق ببرامج سياسية تسعى إلى تحقيق أهداف مسطرة على المدى المتوسط والطويل. على غرار وضع الميزانية على أساس الأهداف، فقد تعرضت البرمجة المتعددة السنوات كذلك إلى العديد من الانتقادات سواء على مستوى الدول المتقدمة أو السائرة في طريق النمو، فإذا كانت وفرة المعطيات والمعلومات وتقاربها تمثل عرقلة بالنسبة للتطبيق الجيد لهذه المنظومة على مستوى الأولى، فإن من أبرز الانتقادات التي وجهت للدول النامية هو عدم توفرها على الأطر الكفؤة التي بمقدورها القيام بالتحليل والتقييم الجيد للمعطيات والعناصر الأساسية التي يتطلبها تحضير ووضع الميزانية على أساس البرامج، ناهيك عن عدم توفر الاستقرار السياسي والإرادة السياسية الكفيلة بتتبع الأهداف المسطرة بهذه البرامج. ثانيا: الرقابة المالية على النفقات العمومية: الآفاق رغم التوجهات الجديدة المتضمنة داخل القانون التنظيمي الجديد للمالية، ورغم الجهود المبذولة لإصلاح النظام المحاسبي للدولة، وبعد صدور العديد من المراسيم حول إصلاح الأنظمة الجبائية للدولة والجماعات المحلية وتحيين العديد من النصوص التنظيمية لمجال المالية العمومية، وتماشيا مع الاتجاه الجديد المتمثل في ربط المسؤولية بالمحاسبة، يبقى التساؤل المطروح هو إلى أي حد تمكنت هذه التعديلات والجهود المبذولة من رسم خريطة الطريق لتحقيق الهدف المنشود المتمثل في تحسين والرفع من مستوى فعالية ونجاعة القرار العمومي من خلال المفهوم الجديد للرقابة على المال العام؟ الهاشمي فاروق (باحث في المالية العامة)

مسؤولية المحاسب العمومي بين النص والواقع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

احتجاجات بقنصليات المغرب

تطورات في ملف أمنيين وعدلين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات