تعدد الدلالات اللغوية للنص الواحد

المذهب الظاهري رأى أن كل المطلقات تجب لهن المتعة (4) نقد الفكر الفقهي يعتبر أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية والفقيه القانوني، من بين المفكرين الذين جمعوا ما بين نظريات القانون الوضعي ومبادئه وأصول الفقه الشرعي، له سلسلة من وجهات النظر التي تناول فيها عددا من القضايا المعاصرة المطروحة على الفكر الفقهي. ويطرح المفكر المخضرم العديد من الأسئلة، المحرجة في بعض الأحيان، حول أسباب جمود الفقهي وتعليق الاجتهاد، ويتساءل في بعض وجهات نظره لماذا يشتغل الآلاف بدراسة أصول الفقه ولا ينتجون فقها، ولماذا لا يهتم دارسو الفقه الإسلامي والباحثون فيه بوقائع الحياة كما يعيشها الناس ويساهمون في تحليل عناصرها واقتراح الحلول الملائمة لها؟ تحاول "الصباح" في حوار مع المفكر أحمد الخمليشي، سينشر عبر حلقات، تقديم أهم ما جاء في نقده للفكر الفقهي. أجرى الحوار: عبد الواحد كنفاوي < أشرت في الحلقة السابقة في ما يتعلق بالاختلاف الفقهي تفاوت الأفراد في تقدير العناصر المؤثرة على تفسير النصوص لغة وعقلا وغاية، فكيف يمكن للدلالة اللغوية أن تؤثر على الحكم؟ < توضح الآيات التي وردت في المتعة، كما تم الإشارة إلى ذلك سابقا، أن الدلالة اللغوية الظنية للنص ينتج عنها الاختلاف في التفسير حسب الزاوية التي يركز عليها صاحب المذهب. فهنالك من رأى أن كل المطلقات تجب لهن المتعة، مثل المذهب الظاهري، واستدل على ما ذهب إليه بالآية "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوف" مؤكدا أن كلمة "المطلقات" جاءت معرفة بالألف واللام وبصيغة الجمع فتنطبق على جميع المطلقات، وإذا كانت صيغة الآية تشمل كل المطلقات فلا مبرر لادعاء أي استثناء فيها. بالمقابل، قصر أبو حنيفة وجوب المتعة على الحالة التي وردت فيها بصيغة الأمر دون غيرها، وعليه فالتي طلقت قبل الدخول وقبل أن يسمى لها الصداق هي وحدها التي تجب لها المتعة لأن الصيغة جاءت بالأمر "فمتعوهن"، أما باقي المطلقات فلا تجب لهن المتعة، واعتبر أن الآية "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوف" لا تفيد الوجوب لأنها جملة اسمية خبرية لا تعني الإلزام. واعتبر الشافعي، من جهته، أن مجموع الآيات يؤخذ منها الوجوب، لكن بما أن المتعة تفرض على الزوج، فإنه من العدل ألا يلزم بها إلا عندما يكون الطلاق من جانبه، أي باختياره، فإذا كان باختيار الزوجة، مثل حالة الخلع، لم تجب المتعة، وذلك عكس المذهب الظاهري الذي قال، إن عبارة: "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوف" تفرض المتعة لكل مطلقة. ولاحظ مالك، من جهته أن الآيتين معا ختمتا بصيغتي "حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين" و"حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين"، واستنتج من ذلك أن الأمر خاص بالمحسنين وبالمتقين، ولا تفرض المتعة على الزوج عن طريق القضاء، وإنما يؤديها اختيارا من أراد من الأزواج أن يكون من "المحسنين" و"المتقين". وهكذا يتّضح أن تعدد الدلالة اللغوية الظنية دفعت كل مذهب إلى تبني تفسير مخالف لتفسيرات الآخرين، ووحدة النص لم تمنع من تعدد التفسيرات. < كيف ساهم التفاوت بين مؤسسي المذاهب في تقدير الدلالة والغاية من النص في اختلافات بين المذاهب الفقهية؟ < من بين الأمثلة التي تؤكد أن الاختلاف بين المذاهب لم يكن ناتجا عن مبادئ مؤسسة لكل مذهب، بل بتفاوت الأفراد في تقدير الدلالة والغاية من النص، نذكر الحديث الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح. مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ". من المذاهب الفقهية من اعتبر النهي قاصرا على هذه المواد الست دون غيرها مثل المذهب الظاهري الذي لا يقول بربا الفضل والنساء إلا في المواد الستة الواردة في الحديث وكل ما عداها يباح تبادله متساويا ومتفاضلا، حالا أو مؤجلا. بينما ذهبت آراء أخرى إلى أن الربا في هذه المواد قائم على علة، وبالتالي كل مادة وجدت فيها تلك العلة يتحقق الربا في بيعها مفاضلة أو نسيئة. < كيف تؤثر العلة في الحكم المستنبط؟ < اختلف مؤسسو المذاهب في تحديد العلة المعبر عنها بمناط الحكم، فترتب عن ذلك الاختلاف في المواد التي قيست على المنصوص عليها في الحديث. بعد الاتفاق على علة "الثمنية" بالنسبة للذهب والفضة، علل الرأي الأول الربا بالوزن أو الكيل فقاس على البر، والشعير، والتمر، والملح كل ما يدخله الكيل أو الوزن في التعامل بين الناس كان طعاما أو غيره، وكل ما لا يتعامل فيه الناس بالكيل والوزن لا يدخله ربا الفضل والنسيئة. وذهب الرأي الثاني إلى تعليل الربا بكون المواد الواردة في الحديث تستعمل طعاما وتغذية للإنسان، فكل المواد المستعملة للتغذية يتحقق فيها الربا، وكل ما لا يطعم يباح فيه التفاضل والنساء كالقطن والصوف والنحاس مما لا يستعمل في الثمنية. يرى الرأي الثالث علة الربا ـ في غير الذهب والفضة ـ هي الطعم مع قابلية المادة للادخار، أو بزيادة شرط "الاقتيات" (التغذية العادية). وحدد الرأي الرابع العلة في الطعم شرط أن يكون التعامل في المادة بالكيل أو الوزن. وربط الرأي الخامس الربا بالزكاة، فكل ما وجبت فيه الزكاة يمنع تبادله بزيادة في الوزن أو نسيئة (تأخير القبض). وعلل الرأي السادس العلة بجنس المبيع، فمتى كان العوضان من جنس واحد منع تبادلهما مع تفاوت في الكمية أو تأخير القبض. وهناك آراء أخرى لا ضرورة إلى الإطالة فيها. والخلاصة أن تفسير النصوص لدى المذاهب الفقهية لم يكن منطلقه عند إمام كل مذهب من أفكار ونظريات خاصة به وإنما يتفقون جميعا ـ سيما المذاهب الأربعة السائدة ـ على جملة الضوابط المطبقة على تفسير النصوص الجزئية، كما لا يختلفون في القيم ومبادئ الشريعة الواجب تنزيلها على جزئيات الوقائع التي لم يرد بشأنها نص جزئي.

تعدد الدلالات اللغوية للنص الواحد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال متورطين في قتل مومس بإمنتانوت

برلمانيون يطالبون بجلسة لمناقشة الاحتجاجات

مقالات ذات صلة