سوق “العراكات”… اجتماع قمة المشعوذين

سوق بدرب السلطان لبيع الحيوانات المحنطة ورؤوس ضباع وجلود أفاع يُنصح زوار درب السلطان بالبيضاء، في رمضان، بالتوجه إلى طبيب الأعصاب، قبل زيارة الحي الشهير، فالشعوذة بالحي تغري بالاستمتاع بطقوس فريدة، خاصة مع اقتراب ليلة "سيدنا قدر". يبدأ إغراء درب السلطان من سوق "العراكات"، فهناك تتعطل كل الحواس، وتستسلم أمام روائح مقززة، وحيوانات فقدت "هويتها"، وأعشاب ومواد غريبة.. إنها قصص سوق "العراكات" التي لا تنتهي، مثل حكايات ألف ليلة وليلة بأحداثها المتشابكة، وقصصها المثيرة جدا، والعلاقات الاجتماعية الغريبة، وديكور فريد. يشهد سوق "العراكات"، خلال رمضان، توافد الزائرين عليه بشكل منقطع النظير، إذ يواظب مئات الأشخاص على ارتياده، سيما مع اقتراب ليلة "سيدنا قدر"، سواء للتجول بين المحلات التجارية، واقتناء مختلف أنواع السلع أو مشاهدة "مباريات الترمضينة" الدموية، فهو سوق تابع لسوق أكبر منه يطلق عليه اسم "جميعة"، المختص ببيع لوازم السحر والشعوذة في دكاكين تتشابه محتوياتها، وتعرض حيوانات محنطة من طيور وريشها، وقنافذ ورؤوس ضباع وجلود أفاع. لا تقتصر المحلات على بيع الحيوانات الغريبة فقط، فهناك أعشاب ومعادن وشموع مختلفة الألوان، حتى أنها تبدو مثل لوحة تشكيلية كبيرة تجتمع في فضائها محلات للشعوذة مهمتها استقطاب الزبناء من كل المناطق. حافظ سوق"العراكات" على طابعه، ولم يستسلم لزحف العصرنة، فهو من الأسواق القليلة بالبيضاء الصامدة أمام العمران الجديد، علما أنه محاط بآلاف البائعين الجائلين، الذين يتمددون، كل يوم، لاحتلال الملك العمومي، سيما خلال رمضان وعيد الفطر. يستيقظ مالكو محلات "العراكات"، عادة، في الثانية بعد الزوال، ثم تُعلن حالة طوارئ، إذ يقصدها الصائمون لاقتناء بعض المواد الغريبة أو الاستفسار عن وصفة تُستعمل ل"جلب حبيب" أو طرد الجان أو التخلص من العروسة... إنه الروتين اليومي للحياة بالسوق. لا تأبه محلات سوق "العراكات" بكل الأحداث، إذ يبدو أنه يعيش عالمه الخاص، مادام يستفيد أصحابها، في ليلة القدر، من رقم معاملات كبير، حتى أن منحدرا يعرف باسم "عكبة الشلوح" يبدو من بعيد، مثل زقاق للنمل من كثرة المارة والمتسوقين. سوق "العراكات"، أيضا، يضم محلات تجمع "الشوافات" تحت ستار "النقش بالحناء"، إذ يختفين في حوانيت تتشابه سلعها، وتعرض أكياسا بلاستيكية زرقاء، وهي عبارة عن مواد تستخدم في أعمال السحر والشعوذة، على واجهة المحلات، فيما تصطف علب زجاجية داخل الرفوف، معبأة بمواد غامضة، إضافة إلى بقايا حيوانات وزواحف مجففة معلقة على الأبواب. ربما تستغني عن الساعة اليدوية إذا قررت زيارة سوق "العراكات"، فيكفي الدخول إليه لتخرج بعد أن تنقضي ساعات طوال، فهو عالم فريد يلبي حاجيات المشعوذين، حسب إمكانياتهم المالية، سيما أنه يلائم القدرة الشرائية لأسر الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، ناهيك أن المعروضات تتميز بأسعارها المعتدلة، مقارنة مع أسواق أخرى، حسب الراسخين في الترويج للسلع الغريبة. درب السلطان، بعد الإفطار، لا علاقة له إطلاقا بنهاره، إذ تفتح المقاهي "الشعبية" أبوابها، ويتسابق الزبناء على الكراسي لتدخين لفافات الحشيش، قبل الذهاب إلى المسجد وبعده، حينها يختفي سوق "العراكات"، تاركا المجال لطقوس أخرى تشتغل في الخفاء ويمتد نشاطها إلى صلاة الفجر، فليلة القدر فرصة لا تقدر بثمن لتحقيق أحلام وكوابيس وانتقام تحت سلطة المشعوذين. خالد العطاوي

سوق “العراكات”… اجتماع قمة المشعوذين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نهاية رمضان ... العد التنازلي لوصفات السحر الأسود

دواز أتاي

مقالات ذات صلة