خطبة وراء اعتقالي الأول

أمضيت ثلاثة أشهر في السجن وعدت إليه بشكل مفاجئ بتهمة تنظيم معسكر تدريبي في غابة المعمورة محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بـ"أبي حفص"، أحد كبار شيوخ السلفية، الذي تجرأ على طرح الأسئلة الصعبة، وتمرد على واقع عاش فيه لسنوات، وكرس لتجربة حقيقية في المراجعات الفكرية، انتهت إلى تغيير في المواقف، هز آخرها الأرض ولم يقعدها، حول المساواة في الإرث. الحلقة ماقبل الأخيرة كانت خطبة جمعة نارية في 2002 حول فلسطين، لم تكن لا داعمة لهجمات 11 شتنبر أو منددة بغزو أفغانستان، وراء اعتقالي للمرة الأولى. كلمات حماسية تنتقد موقف الحكام العرب وتثير مسؤوليتهم في الهجوم على مخيم جنين، بالتزامن مع انعقاد أشغال القمة العربية في بيروت، تفاعل معها الشباب على نطاق واسع، وتسربت إلى وسائل الإعلام، خصوصا عبر الصحف المستقلة آنذاك، مثل "الأيام" و"الصحيفة"، التي نشرت الخطبة كاملة، وخرج اسمي للعلن للمرة الأولى، خصوصا مع الزخم الإعلامي الذي كانت تحركه قناة الجزيرة، من خلال صور جثث الأطفال والنساء التي تبثها على مدار اليوم. بعد الخطبة بأسبوع، بدأت أتعرض لمضايقات وأحسست بأن ما صرحت به من على المنبر، أثار مشاكل كبيرة، ستترتب عنها عواقب لا محالة، قبل أن يتم اعتقالي للمرة الأولى، إذ أمضيت ثلاثة أشهر في سجن بوركايز بفاس، وما رافق ذلك من معاناة نفسية ومادية لأسرتي، خصوصا أني أثقلت بمجموعة من التهم حينها، تتعلق بتكوين عصابة إجرامية والتحريض على العنف وانتحال صفة خطيب، الأمر الذي اضطرني بعد خروجي في أواخر يوليوز 2002 إلى تجميد نشاطي بشكل كامل حتى مارس 2003، خوفا على أسرتي الصغيرة وأبنائي. التهم التي وجهت إلي خلال الاعتقال الثاني أكثر ثقلا، وبلغت مبلغ السخرية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتنظيم معسكر تدريبي في غابة المعمورة. تلقيت استدعاء من الشرطة القضائية في البيضاء، على أساس الحضور بعد يومين إلى مقر ولاية الأمن. اعتبرت حينها أن الأمر عاد، ولا يعدو أن يكون استجوابا روتينيا، فسافرت من فاس إلى وجهتي في الموعد المحدد، قبل أن أفاجأ بتوجيه مجموعة من التهم إلي، كان أغربها التهمة المذكورة، التي بعد طرح مجموعة من التفاصيل حولها من قبل المحققين، أدركت أنها تهم نزهة دعيت إليها من قبل حسن الكتاني، إذ تناولت الغذاء مع صديقي ورفاقه ولعبنا كرة القدم، ثم غادرتهم. أحالوني على المحكمة بعد يومين من الاعتقال في ولاية الأمن، وهو مسار الأمور الذي لم يكن أهل بيتي يتوقعونه، إذ تفاجؤوا مثلي بسير الأحداث. عرضت على التحقيق بحضور المحامين، وتم استدعاء بعض الشهود ممن حضروا ذلك اليوم (نزهة المعمورة) من معارف الكتاني، إذ ووجهوا ببعضهم البعض، ليغلق الملف بأمر من القاضي، الذي اعتبره فارغا من أي محتوى، إلا أننا ظللنا قيد الاعتقال لأسباب نجهلها في سجن سلا، الذي بقينا من مارس 2003 إلى 16 ماي، تاريخ الهجمات الدموية الشهيرة في البيضاء. تلقينا خبر الانفجارات المفزع ونحن في سجن سلا، إذ شاهدنا عبر التلفاز صور الهجوم البشعة، بعد توقيف القناة الثانية لإرسالها بشكل مفاجئ، وشروعها في تغطية الحدث. توترت الأجواء في السجن بشكل مباغت، فيما أعلنت مباشرة بعد ذلك، إدانتي للأحداث، وأصدرت بيانات منددة بالهجوم، رغم صعوبة الاتصال، في الوقت الذي كان يخيل لي أن وجودي في السجن كاف لتبرئتي، واستحالة ربطي بالأحداث المذكورة. أصبحت الأجواء متوترة ومتشنجة في السجن، موازاة مع فتح الجناح الخاص بمعتقلي الإرهاب، الذي لم ننقل إليه أنا والكتاني، فيما كنت أتابع عن كثب مع مسجوني الحق العام، الاعتقالات الجديدة، وأسمع وصول السيارات، وعمليات التعذيب والسب والشتم. رغم ذلك، كنت مطمئنا أنه لا علاقة لي بأحداث 16 ماي، وهو الإحساس الذي سرعان ما سيزول بشكل مفاجئ. بدر الدين عتيقي

خطبة وراء اعتقالي الأول

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"طوطـال كـول" ترد على تظلم

"مرضي الوالدين"

مقالات ذات صلة