ظاهرة ليست سيئة

شعباني قال إن الأكل خارج المنزل ساهم في رواج الحياة الاقتصادية وقطاع العمل شدد علي شعباني، أستاذ علم الاجتماع، على أن تحول المغاربة إلى تبني سلوكات أجنبية عنهم، وضمنها تفضيلهم الأكل خارج المنزل، ليس بالظاهرة السلبية، بل على العكس، "هي عادات ساهمت في رواج الحياة الاقتصادية، وأضحت مجالا لاستثمارات كبيرة وواسعة، كما عملت على توسيع قطاعات العمل". وفيما نفى أن يكون تنامي إقبال على الأكل خارج المنزل بسبب خروج المرأة إلى العمل، استعرض في الحوار التالي، تفاصيل التحولات الاجتماعية وعوامل بروز هذه الظاهرة: < هل يمكن الحديث عن أن المغاربة أصبحوا أمام ظاهرة الأكل خارج المنزل؟ < لا أحد اليوم يشك في أن العادات الغذائية وطريقة تناول الطعام عند المغاربة بدأت في التغير، إن لم تكن تغيرت، وهي الآن في طور الانتقال من النمط التقليدي إلى الأنماط العصرية التي تأخذ في الغالب أنماط التغذية في المجتمعات الغربية. وقد مس هذا التغير مضامين وأشكال تناول الطعام بين أفراد الأسرة واستعماله وطرق تدبيره وأمكنة وأزمنة تناول الوجبات الغذائية. وتشير بعض الدراسات إلى أن المجتمع المغربي يشهد وسيشهد في المستقبل القريب تحولات عميقة على مستوى ديمغرافيته وبنياته الثقافية والعمرانية ونظام قيمه وسلوكاته، كما سيعرف دينامية جديدة على مستوى تراثه وموروثه الثقافي والاجتماعي، وكل ما يرتبط بعاداته وتقاليده. وبكل تأكيد فإن العادات الغذائية للمغاربة لن تنفصل عن هذه التحولات. فالانتقال السياسي والديمغرافي والاقتصادي والثقافي والتوسع العمراني سيكون لها الدور الكبير في انتقال العادات الغذائية للمغاربة من النمط التقليدي إلى أنماط أخرى تخلط بين أنماط متعددة، غربية وشرقية وآسيوية وإفريقية وغيرها. وبسبب كل هذه العوامل، بدأنا نلاحظ خروج فئات واسعة من المغاربة لتناول طعامهم خارج البيت، ويكاد الإقبال على المطاعم المصنفة أو غير المصنفة، الشعبية منها وغير الشعبية، يتحول إلى سلوك يومي. < ما هي الأسباب التي جعلت المغاربة يقبلون على الأكل خارج منزل الأسرة؟ < من الأسباب الأكثر بروزا، التحولات التي همت النشاط المهني والشغل بالنسبة إلى فئات واسعة من المغاربة، خاصة في الوسط الحضري، وبالأخص في المدن الكبرى، وتوقيت العمل بالنسبة إلى العاملين، وتوقيت الدراسة بالنسبة للمتمدرسين، هذه المواقيت فرقت بين الآباء والأبناء في العودة إلى المنزل، ما جعلهم جميعا مضطرين إلى البحث عن طرق جديدة يتناولون بواسطتها طعامهم. الأمر الذي دفعهم إلى تبني عادات تناول الطعام خارج البيت. هذا التحول في العادات الغذائية دفع العديد من المستثمرين إلى التوجه نحو هذا القطاع الاقتصادي، فظهرت الكثير من المطاعم والمحلبات والمقشدات قرب مؤسسات وأماكن العمل، وبالقرب المدارس والجامعات، باتت تستجيب لطلبات ورغبات من يحرصون أو يضطرون لتناول وجبات الأكل خارج منزل الأسرة. < ألا ترى بأن الأمر يتجاوز تعليل هذا الاقبال بخروج المرأة إلى العمل، إذ صرنا نرى حتى ربات البيوت يقبلن على الأكل خارج المنزل بمعية أفراد عائلاتهن؟ < خروج المرأة المغربية للعمل لم يكن هو السبب المباشر لانتشار ظاهرة تناول المغاربة الأكل خارج منزل الأسرة. إن المرأة المغربية كانت ولا تزال مثالا في التضحية ونكران الذات وتحمل أعباء العمل خارج وداخل بيت أسرتها. وهي التي تتحمل بكل تجرد مسؤولية خدمة عائلتها والسهر على راحة كل أفرادها، وتوفير كل ما من شأنه الحفاظ على صحة وسلامة أبنائها وزوجها، لذا نجدها حتى عند خروجها للعمل تحرص على تهييئ بعض الوجبات بنفسها لتناولها بعد عودة أفراد أسرتها للبيت. والعديد منهن من يثابرن على مواصلة هذه العادة، رغم انتشار عادة الأكل خارج المنزل. أما في ما يعود إلى أن بعض ربات البيوت، هن أيضا يخرجن لتناول بعض الوجبات الغذائية خارج منزل الأسرة، فهذا أمر قد يكون طبيعيا عندما يرافقن أزواجهن وأولادهن، خاصة خلال عطل آخر الأسبوع أو خلال السفر، أو رغبة في تكسير روتين الحياة اليومية والاعتيادية، أو حبا في تذوق بعض الأطعمة والوجبات، التي لا يتم تهييئها بالبيت، كما أن العديد من الأزواج يذهبون إلى القول، في حالة الخروج للأكل خارج المنزل بأنهم يرغبون في إراحة زوجاتهم من أشغال المطبخ التي تتيح لهن وقتا للراحة حتى خلال أيام العطل وبعد العودة من النشاط المهني إن كن يعملن. تناول الأكل خارج المنزل ليس عادة سيئة في العصر الحاضر، ولم يعد أحد يصاب بالحرج من فعل ذلك، نظرا لتحولات العادات الغذائية في كل المجتمعات المعاصرة، بل هي عادات ساهمت في رواج الحياة الاقتصادية، ومجالا لاستثمارات كبيرة وواسعة، كما عملت على توسيع قطاعات العمل، وتشغيل يد عاملة كثيرة، متخصصة وغير متخصصة في ميادين الإطعام والفندقة والخدمات الغذائية. وداعا "اللمة" < بعض المناسبات التي كانت في السابق فرصة ل "اللمة العائلية" أمام مائدة الطعام، مثل رمضان، وعيد الأضحى، أصبحت في الآن ذاته مناسبة لتنظيم ولائم عائلية خارج البيت؟ كيف تفسر ذلك؟ < حقيقة إن أوقات تناول الطعام كانت تعتبر فرصة يجتمع فيها كل أفراد الأسرة حول المائدة. هذه العادة تكاد تنقرض اليوم بسبب تلك العوامل التي سبق ذكرها، ولكن أيضا بفعل أن جل مغاربة اليوم لا يعيشون حاليا في ظل ذلك النمط العائلي القديم، الذي يطلق عليه "الأسرة الموسعة"، بل أصبحت فئات واسعة من المغاربة، خاصة في الوسط الحضري تعيش في ظل أنماط أسرية حديثة، في الغالب تقتصر فقط على الزوج والزوجة والأبناء، وباتوا متحررين، بشكل أو بآخر، من كثير من الالتزامات المنزلية، وبصفة خاصة تهييئ وتناول الطعام داخل منزل الأسرة. هذا "التحرر النسبي" هو الذي ساهم في "التخلي" عن تلك العادات القديمة في التجمع العائلي، وأصبحت العديد من العائلات تفضل الاحتفال ببعض المناسبات الاجتماعية أو الدينية مع أعضاء العائلة الكبيرة خارج البيت. إن النزوع نحو الفردانية، فردانية الشخص وفردانية الأسرة، دفعت المرأة كما الرجل إلى الابتعاد والرغبة في التخلص من الأعباء المنزلية بما فيها أشغال المطبخ وما يلحق به، وتبني كل ما هو جاهز من المأكل والملبس. فالأسرة المغربية الراهنة، في الوسط الحضري خاصة، قللت من استقبال الضيوف في المنزل، وتحبذ أو تفضل في مثل هذه الظروف استضافة ضيوفها في أحد المطاعم في المدينة أو في الضواحي، أو اللجوء والاستعانة بخدمات الممولين. في سطور - أستاذ باحث في علم الاجتماع - شغل منصب مدير الأبحاث في المعهد الملكي لتكوين الأطر بالرباط - نشر عدة كتب في المغرب والخارج أجرت الحوار: هجر المغلي

ظاهرة ليست سيئة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التوجيه... ضعف الطالب والمطلوب

بكاء الطفل يساعده على النوم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات