الباحث المصري حامد عبد الصمد قال إن العالم سيفقد باختفاء البلدان الإسلامية أول مصدّر للإرهاب والتحرش الجنسي
اعتبر حامد عبد الصمد، الباحث والكاتب المصري المقيم بألمانيا، أن العالم العربي الإسلامي يعيش اليوم صراع حضارات داخليا بين «إسلاماوات» مختلفة، لكل واحد منها صورة وفهم معين للدين. وقال، في حوار خصّ به «الصباح»، إن تنظيم «داعش» بدأ ببداية الإسلام نفسه، وإن فكرة الجهاد لم يخترعها البغدادي، بل هي أسمى فكرة في الإسلام، مضيفا أن التاريخ الإسلامي يوجد في صف داعش، والأزهر أيضا الذي اعتبر أنه ضده سياسيا لكنه حليفه فكريا. في ما يلي تفاصيل الحوار المثير مع واحد من الكتاب والباحثين الأكثر إثارة للجدل بسبب مواقفه الواضحة وخطاباته الصريحة.
< تنبأت قبيل بداية «الثورات العربية» بسقوط العالم الإسلامي. اليوم، وبعد مرور سنوات على ما يعرف ب»الربيع العربي»، كيف تقيّم حال العالم العربي والإسلامي؟
< كتبت كتابي «سقوط العالم الإسلامي» بعد جولة قمت بها في العديد من البلدان العربية كان من بينها المغرب والأردن ودول الخليج، لاحظت خلالها حالة من الغليان في هذه البلدان واستنتجت أنها قد تؤدي إلى حروب أهلية. تحدثت في كتابي عن تفكك مجتمعي وعن فقدان بعض البلدان السيطرة على شعوبها. حين بدأت الثورة، فرحنا بها، لكنها لم تصل بنا إلى ما كنا نتمناه، لأن الأساس الذي بنيت عليه المجتمعات ليس صحيحا. إننا نعيش صراع حضارات داخليا، بين «الإسلاماوات» المختلفة، لكل واحد منها صورة وفهم معين للإسلام.< هل يمكن أن تشرح لنا عن أي «إسلاماوات» تتحدث؟
< هناك الإسلام الشعبي البسيط، المبني على أداء الفرائض (الصلاة والصوم...) دون أن يعني ذلك أن تكره باسم الدين أو تقطع الأيادي ... وهناك الإسلام السياسي الذي يرغب في إعادة تربية المجتمعات، وهو إسلام ضد الحريات والفكر الحر وضد القانون لأنه يريد تطبيق الشرائع بحذافيرها. ثم هناك الإسلام السياسي الصريح، مثل تنظيم «داعش» و»القاعدة»، الذي يطبق النصوص وصريح مع نفسه، إضافة إلى الإسلام السياسي الانتهازي مثل «الإخوان» الذي لو وجد فرصة الانقلاب فلن ينتظر لحظة، (نموذج إردوغان مثلا)... وهناك أيضا الإسلام التخيلي التصوري الموجود في خيالات بعض التنويريين الإصلاحيين وهو منفتح على العالم لكنه يوجد في أوكار منعزلة... هناك حالة من الصراع بين هذه «الإسلاموات»...< في نظرك، أي من هذه «الإسلاماوات» ستكون له الغلبة؟
< لست متفائلا كثيرا. أجد أن الإسلام المتطرف ينمو. صحيح أن هناك جهودا مبذولة ومحاولات في العديد من الدول، من بينها المغرب والأردن ومصر، لتغيير الخطاب الديني من خلال المناهج التعليمية... إلا أنها تبقى صعبة التحقق على أرض الواقع، لأن التخلف مستشر في مجتمعاتنا التي تملك نظرة متحجرة تجاه الدين ونظرة قبلية تجاه المجتمع. إنها مجتمعات تؤمن بثقافة الإجابات الجاهزة والمغلفة. ثقافة الشك بالنسبة إليها رذيلة وليست فضيلة. مجتمعات تقدس ثقافة الشرف والكرامة والعزة والخجل، أما الحرية بالنسبة إليها، فهي فكرة مشبوهة وتعني انفلاتا أخلاقيا وخوفا... لذلك، يواجهنا الكثير من العنف.< تعتبر أن «داعش» يطبق ما مورس في بدايات الإسلام نفسه، وترفض الفكرة القائلة إن ما تقوم به هو سوء فهم للإسلام. هل يمكن أن توضح فكرتك أكثر للقارئ؟
< أعتبر أن «داعش» بدأ ببداية الإسلام نفسه. فكرة الجهاد لم يخترعها البغدادي، بل هي أسمى فكرة في الإسلام وهي فكرة خطيرة تقدس الموت في سبيل الله. لقد جاء في القرآن «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون». هناك حديث أيضا يقول «من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق»... أتساءل ماذا فعل «داعش» لم تفعله جماعة المسلمين الأولى في بدايات الإسلام من سبي وذبح للأسرى وإحراق للناس...؟ ما يقوم به «داعش» ليس سوء فهم للإسلام لكنه تطبيق حرفي لتعاليمه محصّن بالنصوص الدينية والقرآنية. كل شيء لديه بنص وتفسير، والتاريخ الإسلامي في صفهم. الأزهر أيضا يتملص منهم وهو في صفهم... يقدم لهم المواد والكتب... إنه ضدهم سياسيا لكنه حليفهم فكريا.< ألا تشعر أنك تحارب طواحين الهواء، خاصة أنك توجه خطابك إلى متلق استشرى في عقله التخلف والتعصب القبلي والديني؟
< جميع الحركات الإصلاحية لا تراعي الفقر الفكري في المجتمع ولا تحاول أن تنزل إلى مستواه. أعمل بمنطقي وبتجربتي وخبرتي... لا يوجد شيء أكثر قيمة من الحرية بالنسبة إلي. أدعو الناس إلى التفكير العقلاني والتحرر من الخوف ومن عذاب الضمير ومن القيود الاجتماعية التي تجعلهم فقراء على مستوى الفكر والشخصية، وبالتالي فقراء على مستوى الإنتاج والعمل. سألت نفسي حين وصلت إلى ألمانيا قبل 21 سنة، ما الذي يجعل بلاد الكفر والانحلال الأخلاقي هاته، نظيفة وجميلة ومتقدمة علميا واقتصاديا، ومكة جديدة نحج إليها؟ توصلت إلى أن الحرية هي المفتاح. الإنسانية وحرية التفكير تجعل الفرد منتجا. حرية التفكير لا يمكن أن تكون لها حدود.< لماذا اخترت ألمانيا بالذات وجهة للهجرة من مصر، دونها من البلدان الغربية؟
< قرأت ترجمات عربية لكتب وأشعار ألمانية، من بينها رواية «آلام فرتر» لغوته، وتأثرت بالتاريخ المعقد لألمانيا وبالشخصية الألمانية. كانت لدي رغبة قوية لفهم كيف تحول هذا البلد من النازية الفاشية إلى ديمقراطية. كيف صارت هذه الدولة التي كانت مقسمة وأصبحت بعد الحرب العالمية الثانية حطاما، في عقدين، قوة اقتصادية عالمية رهيبة. ألمانيا لديها سمعة حسنة أيضا في بلداننا العربية على اعتبار أنها ليست دولة مستعمرة، خلافا لفرنسا وإنجلترا اللتين خلقتا لدينا بعدا نفسيا، بحكم الاستعمار.< تركت ألمانيا نحو اليابان. ما الذي أثارك في هذا البلد؟
< الهجرة إلى ألمانيا لم تكن سهلة في البدايات. عشت أزمة هوية في السنوات الثلاث الأولى، خاصة أنني كنت شديد التدين. لم أكن مرتاحا. استفزتني ألمانيا كثيرا، خاصة في موضوع الدين. هناك، يتعرى الإنسان أمام نفسه. وأنا كنت قادما من ثقافة تغطية، ترفض المكاشفة، لذلك لم أعرف التعامل مع هذا المعطى. قررت أن أغير البلد مؤقتا. اخترت اليابان لأنه آخر الدنيا مثلما نقول. إنه بلد مختلف تماما عن ألمانيا وعن مصر. درست اللغة اليابانية والعلوم السياسية. أعجبتني هناك فكرة الدين، الذي هو عبارة عن طقوس لمناسبات معينة. أعجبتني فكرة أن الآلهة توقظ بالأجراس ولا تترك المعابد لتتبع الناس في الشوارع وتنتقدهم «إنت لابس كده ليه»؟ «إنت بتصلي كده ليه؟»...< من جملة الانتقادات الموجهة إليك، أن خطابك يجد صدى في البلدان الغربية لأنك تتحدث على هواهم. كيف ترد؟
< إنها التهمة الجاهزة دائما بدل مواجهة المشكلة الحقيقية. جميع المشاكل التي أطرحها أناقشها بالعربية. وكتبي مترجمة إلى العديد من اللغات، وبالتالي فخطابي أوجهه للجميع، لأن الأزمة في التعامل مع الإسلام والإسلام السياسي، تهمّ الجميع. عن أي عالم غربي يتحدثون؟ لو كان خطابي يجد هوى في نفوس الغربيين وكنت أتحدث عن التسامح الديني والحوار بين الحضارات والأديان، لوجدتني مستشارا لأنجيلا ميركل. إنني أتجول وأعيش تحت حراسة أمنية. وحتى كتبي منعت في بعض البلدان الغربية. فعن أي غرب يتحدثون؟ ما زلنا أسرى نظرية المؤامرة بدل التعاطي مع الفكرة. وبدل التحليل والنقاش، نفضل التشكيك في الفكرة وضرب مصداقيتها... «بقول لك جسمك بينزف وآيل للسقوط، بتقولي مين محرضك؟ مين اللي دافع لك؟»... أنا اخترت طريقي وأنا أعرف أن الحرية ثمنها غال. لا أسمح لأحد أن يسيطر على فكري وعقلي سواء كان مسلما أو ملحدا... أكتب مثلما أفكر. إنهم ينتقدون لكن لا يقدمون فكرة.< ينتقدونك أيضا لتعاطفك مع اليهود ضدا عن المسلمين. كيف ترد على ذلك؟
< أنا لا أتعاطف مع أحد. أرفض ثقافة الكراهية التي تسمّمنا. أريد أن نستغل طاقتنا لنستفيد بمنطق سياسي وإنساني وليس بمنطق الكراهية. ماذا سيستفيد اليهود أو الغرب من تعاطفي معهم؟ «الإسلام مشوه صورتو بنفسو ما حدش عاوز يشوهو»... لا أفهم لماذا سيكره الغرب المسلمين؟ كيف يمكن مثلا أن تكره ألمانيا المسلمين وتفتح للاجئين السوريين أبوابها؟ يوجد في ألمانيا 2500 مسجد. «وريني دولة عربية فيها هذا العدد من الكنائس»... الغرب مصلحته اقتصادية بالدرجة الأولى. لا يريد أن يكون هناك قلق ويريد أن يكون هناك تعايش وسلام بين جميع مكوناته... حتى تسير الأمور الاقتصادية كما يجب...< طرح عليك في إحدى محاضراتك سؤال مهم جدا أعيد طرحه عليكم من جديد. ماذا سيفقد العالم لو اختفت الدول الإسلامية مرة واحدة؟
< حين طرح علي السؤال أحسست بحرج. لو فقد العالم ألمانيا سيفقد البلد الذي صنع الطباعة وينتج السيارات... لو فقد الولايات المتحدة الأمريكية سيفقد البلد الذي أنتجت «الآيفون» و»غوغل» و»الأنترنت» والصناعات العضوية... لو فقد العالم اليابان سيفقد بلدا تنتج العديد من المنتوجات التي نستعملها في حياتنا اليومية... أما لو فقد الدول الإسلامية فسيفقد سوق مستهلكين لا ينتجون ولا يصنعون... لو اختفت الدول الإسلامية مرة واحدة، سيفقد العالم المصدر الأول للإرهاب والتحرش الجنسي. لكننا سنفقد دون شك أيضا منتجعات سياحية جميلة مثل مراكش والأقصر وأسوان وجربة ودمشق... سنفقد أيضا «شوية ناس طيبين وفيهم خير» لا أعرف كيف يعيشون في هذه المجتمعات التي لا تنبت الزهور.< ما هو جديدك؟
< عرضت لي أخيرا على قناة «أرتي» الفرنسية الألمانية، حلقة من برنامج وثائقي حول المسلمين في أوربا. سأواصل حلقاتي المقبلة من «صندوق الإسلام»، برنامجي على قناتي الخاصة ب»يوتوب»، حول الإصلاح ... هناك دعوة وصلتني من المغرب للمشاركة في مؤتمر حول حرية العقيدة قد ألبيها حسب ما يمليه جدول أعمالي... كما أنني بصدد تأليف كتاب عن اندماج المسلمين في ألمانيا وأوربا بصفة عامة. وهو كتاب بالألمانية سيحتاج من 8 شهور إلى سنة حتى يخرج إلى الوجود.صدى البراهين
< تلجأ في خطابك إلى أسلوب صادم ومستفز، لماذا هذا الاختيار؟
< أتمنى النجاح إلى كل من يلجأ إلى الأسلوب الهادئ ولا يصطدم مع المقدسات. أسلوبي يختلف. أنا تحررت من كل القيود. أتكلم مع الناس ببساطة. أقدم فكرة ولا أقول لك إنها الحقيقة المطلقة. لا أطلب منك أن توقّع لي على بياض، لكن أطلب منك ألا توقّع للشيوخ على بياض أيضا. هذه فكرتي عن الدين. أدافع عن فكرتي بحجج وبراهين. إذا لقيت البراهين صدى في نفسك فهذا هو المطلوب، أما إن لم تعجبك، فلا تشتبك معي، وإن فعلت، فليكن اشتباكا عقلانيا وليس عاطفيا. ليس لي عداء شخصي مع الإسلام أو المسلمين. عندي مشكلة مع الفكرة. أحاول أن أحلل وأكشف التناقضات والمشاكل من النصوص نفسها... يمكننا أن نختلف لكن يمكننا أن نتحاور أيضا خارج فكرة ازدراء الأديان، لأنها شهادة على فقر مجتمعي وفكري...الشك في مجتمعاتنا رذيلة
< حصلت في طفولتك على تكوين وتربية دينية بحكم أنك ابن إمام وشيخ دين. كيف حصلت القطيعة؟
< أدين بالشكر إلى كل من استفزني، لأنه دفعني إلى أن أتعلم الكثير من الأشياء وأدرك أنني لا يجب أن أعتمد على معلومة جاهزة أعطاها لي أحد، بل علي أن أتوصل إلى حقيقتها بنفسي. البحث لا يضر الشخص المتدين، فإذا كانت حقيقته هي الإيمان فهو سيصبح أقوى، وإذا كانت غير ذلك، فهو سيتركه عن معرفة. التفكير يحمي من العواطف. إنه أسلوب العلاج بالصدمة. مفتاحي الأول كان هو الطفولة. الطفولة تطرح أصدق الأسئلة حول الدين لأن فكرتها تكون نقية. ولو عاد كل شخص إلى هذه الأسئلة وأعطاها فرصة، قد تتبين له العديد من الأمور. بدأت أطرح الكثير من الأسئلة وسني لا يتجاوز 14 سنة. كان ذلك شيئا مخيفا بالنسبة إلى والدي الذي لم يكن يقدم لي إجابات. كان يحس بحرج لأن ثقافة التساؤل غريبة علينا. لذلك غالبا ما كان يسألني «إنت بتقعد مع مين؟» ... «مين حاشي عقلك بالكلام ده»... عندنا الشك رذيلة رغم أنه رائع جدا...< انتميت إلى «الإخوان المسلمين» ثم انشققت عنهم. لماذا؟
< لأنني عاينت عن قرب نفاق الإسلام السياسي. أدركت أن ما يقولونه شيء، وما يطبقونه على الواقع يختلف تماما. فهمت أن كلام الأخلاق والعفة لديهم مجرد كلام. قارنت بين مجتمعاتنا التي تدعي أن الله في صفها وبين مجتمعات الحرية التي حرّرت المرأة من عيون الرجل وحرّرت الرجل من ثقافة الذباب الذي يتحلق حول قطعة لحم. انشققت عنهم حين فهمت أن المجتمعات التي تدّعي العفة تمارس أكبر قدر من الاغتصاب والتحرش الجنسي...نقاشات “صندوق الإسلام” مبشّرة
< هل هناك إقبال متزايد على حلقاتك «صندوق الإسلام» التي أطلقتها على «يوتوب» في 2015؟
< رغم كل التشاؤم، ف»الفيديوهات» التي أطلقها عبر «حامد تي في»، قناتي على «يوتوب»، بلغت ملايين المشاهدات. كما أن النقاشات التي تدور حول «صندوق الإسلام» في «فيسبوك»، مبشّرة، خاصة أنها تجمع حولها جميع الشرائح من كل الدول العربية. استغربت حين وجدت مثلا أن نسبة المتابعة من مصر والمغرب لديها الوتيرة نفسها تقريبا، وتأتي في الرتبة الثالثة السعودية. الجميع يطرح الأسئلة مسيحيين ومسلمين ومتدينين ولا دينيين و»إخوان» وسلفيين... الكل يناقش ويشارك في الحوار الدائر. حلقاتي أرضية و»بلات فورم» للنقاش والتعاطي بعقلانية مع المواضيع، ولا تلزم أحدا بتبني أفكاري واستنتاجاتي... وأعتقد أن سر نجاحها وانتشارها هي لغتها البسيطة التي تختلف عن لغة رجال الدين، الذين يقدمون الدين بهالة كبيرة من القدسية.< ألا تعتقد أن أسلوب السخرية من المقدسات قد يجلب عليك عداوات مجانية، مع العلم أنك مهدور دمك؟
< أسلوب السخرية مسموح به ولا يخدش المشاعر لأننا لسنا في حضانة للأطفال. أتوجه بكلامي إلى أشخاص عاقلين وراشدين، يختارون مشاهدة حلقاتي بملء إرادتهم وباختيارهم، ولا أفرضها عليهم.< يلاحظ أن الحلقات الأكثر مشاهدة هي تلك التي تتحدث عن مواضيع مثيرة مثل الجنس في الإسلام وزوجات النبي، وليست الحلقات العلمية؟
< عدد المشاهدات لا يهمني بقدر ما يهمني أن أؤسس أرشيفا للتاريخ. طبيعي أن تتفاوت نسبة المشاهدة بين الحلقات.. الحلقات التي تحدثت عن المخطوطات واستضفت فيها الباحث المغربي محمد المسيح، الذي أعتبره من أهم الباحثين في العالم العربي لكنه لم يأخذ حقه لأنه يمشي في حقل ألغام، من بين أهم حلقات «صندوق الإسلام» لأنها قدمت إجابات لمتلقي على دراية بهذه الأمور... الحلقات العلمية بالذات لقيت تجاوبا من طرف أساتذة جامعة تواصلوا معنا، وبالتالي فهي قدمت خدمة للبحث العلمي، في موضوع غير موجود بحثيا في الجامعات.النفاق أشد من التطرف
< أكيد أن مواقفك الصريحة أفقدتك الكثير من الأهل والأصدقاء وجعلتك تعيش في عزلة. كيف هي علاقتك مع محيطك؟
< فعلا، فقدت كثيرين. أتعامل دائما باحترام شديد وانفتاح مع الآخر، وأحاول ألا أفقده فقط لأن فكره مختلف. إنه وضع مؤلم بالنسبة إلي لكنني متعايش معه. أدفع الثمن. وإذا كان مفهوم البعض للصداقة هو أن لا يكون هناك اختلاف في الفكر والرؤية، فأنا لن أخون فكري أبدا من أجل صداقة أو أخوة. لا يجب أن يفرض أحد آراءه على الآخر. لا أريد أن أتعامل مع منافقين. أريد التعامل مع أناس صادقين. أعبر عن آرائي وأحترم آراء الآخرين... لكن الآخر لديه عائق في التواصل والحوار التصق به منذ الرضاعة الأولى... ولا يضع مسافة بينه وبين الأمور لأنه «محشو بالعاطفة». هناك من قطعوا علاقتهم بي، بل منعوا ذكر اسمي في مجلس أو حديث. أعتبر النفاق مرضا أشد من التطرف الديني.< أرجع البعض انتقادك للإسلام إلى طفولتك المؤلمة التي تعرضت خلالها للاغتصاب، وقالوا إن خطابك نابع عن حقد ومرض نفسي. كيف ترد؟
< وهل مسموح بالانتقاد فقط للأشخاص الذين عاشوا طفولة جميلة؟ أكيد أن حياة كل واحد منا تتأثر بحصيلة تجاربه وأفكاره واشتباكه مع هذه التجارب والأفكار، إضافة إلى التربية التي تلقاها منذ الطفولة. فلنكن صادقين، أن يتعرض طفل للتحرش أو الاغتصاب أو يكون شاهدا على عنف والده وضربه والدته ليست تجربة فردية، بل هي ممارسات مستشرية في المجتمع. هناك بعض المتضررين الذين يكتمون الأمر لكنهم يمارسونه على أبنائهم في المستقبل، وهناك من ينتقد العنف ليتخلص منه ويعيش سلامه مع نفسه... من يردد مثل هذا الكلام حولي يترك الحديث عن الفكرة والمرض ويشتبك مع النوايا المخفية. كل هذا ليضرب المصداقية. أنا تخلصت من الحقد لذلك أكتب. الحقد لا ينتج فكرا. ينتج «داعش» أو «إخوان مسلمين» أو مجرمين... هذا نوع من الخبث. يفترض بالمفكر أن يترفع عن هذه الأمور. أنا صريح مع نفسي وكانت لدي من الشجاعة أن أعترف بما حدث لي ومنّي... أخذت مسافة حتى من تاريخي الشخصي. أما من يردد هذا الكلام فما زال محبوسا فيها.أجرت الحوار: نورا الفواري