العدالة والتنمية يواجه أصعب امتحان يمر منه منذ الأحداث الإرهابية لـ 2003 منذ الإعلان عن تعيين سعد الدين العثماني، رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها، وإشهار الورقة الحمراء في وجه عبدالإله بنكيران، وحزب العدالة والتنمية يعيش على إيقاع هزات تنظيمية ارتدادية قوية، لم تصل إلى حدود اللحظة السياسية، إلى مستوى "الزلزال التنظيمي". ويتوقع خبراء ومحللون ومهتمون بالمطبخ الداخلي لـ" بيجيدي"، أن يصاب حزب "المصباح" بجلطة تنظيمية، قد تدخله في غيبوبة قد يطول أمدها، قبل الوصول إلى محطة المؤتمر الوطني المقبل، خصوصا إذا لم يتدخل حكماء الحزب في الوقت المناسب، لترطيب الخواطر، وجبر الضرر التنظيمي والحزبي الذي ألحقته هزيمة بنكيران المدوية من قبل سعد الدين العثماني الذي شرع متعطافون ومقربون من الأمين العام لحزب "المصباح"، وصفه بـ"ابن عرفة". ولم يبتلع العديد من نشطاء العدالة والتنمية، أن يتم إعفاء بنكيران بعد خمسة شهور من "اطلع ونزل"، دون أن ينجح في تشكيل حكومته، وتعيين سعد الدين العثماني مكانه، وكأن الأخير قادم من حزب "الليكود" الإسرائيلي، وليس واحدا من أبناء الحركة الإسلامية الذين ساهموا في تأسيس حزب العدالة والتنمية، عندما كان بعض "صبية الحزب" الذين ينعتونه اليوم بأوصاف قدحية، يرضعون ثدي أمهاتهم. ويتبين من خلال ردود الأفعال الغاضبة، والتعليقات والمواقف التي صدرت عن العديد من أبناء العدالة والتنمية، كبيرهم وصغيرهم، أن نور "المصباح" بات مهددا بالانطفاء، وإن كان بعد كل هذه التنازلات "الكبيرة" التي قدمها الحزب، من الصعب معرفة مدى تأثير هذا التراجع الملحوظ على الحزب وتماسكه. وإذا كان بنكيران نفسه، يقول، إن بطاريته السياسية لم تنته بعد رغم الإعفاء من رئاسة الحكومة، ورغم أن مقربين منه شرعوا مبكرا في التعبئة من أجل التمديد له لولاية ثالثة على رأس الحزب من أجل رد "الصرف" على ما يسمونه بـ"الدولة العميقة"، أو "التحكم" الذي لا يوجد إلا في مخيلية النفوس الضعيفة، يقول مصدر حزبي، فإن العديد من كوادر الحزب الذين يرون الأمور بعين مجردة، بعيدا عن العاطفة الحزبية، فيعترفون أن مرحلة عبد الإله بنكيران انتهت، سواء رئيسا للحكومة، وبالتأكيد ستنتهي قريبا أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية. انتهى بنكيران ببلاغ للديوان الملكي وليس بمؤتمر حزبه أو بانقلاب داخلي أو بإملاء "خارجي". إن نهاية بنكيـران هاته، يقول محمد جبرون، وهو للمناسبة أحد المفكرين القلائل الذين أنجبهم "بيجيدي"، غير أن مواقفه تتعرض إلى التبخيس وتحارب، هي في الحقيقة "نهاية مقاربة وتقدير للموقف السياسي في بلدنا على مدى أزيد من عام، وإذا كان تعثر تشكيل الحكومة وسحب التكليف الملكي من زعيم الإسلاميين تشكلان ظاهر الأمر، فإن الحقيقة التي يجب أن لا تتجاهلها قيادة العدالة والتنمية، وهي الضرورة العاجلة والملحة لمراجعة الموقف برمته الذي كان بنكيران أحد ضحاياه، ضرورة تجديد النخب القيادية بما يؤسس لتاريخ جديد للبيجيدي، فالمغرب ما زال بحاجة إليه وإلى رجاله ، وفي هذا السياق لا بد أن تراجع بعض الأسماء القيادية مواقفها، والتي كانت بخطابها وخرجاتها وتصرفاتها تسعر الصراع وتزيد من حدته". وقال المصدر نفسه، وهو يحلل مستقبل الحزب بعد رحيل بنكيران "يجب الاعتراف، بأن المشروع الإصلاحي ببلدنا هو مشروع يقوده جلالة الملك محمد السادس، وأن الفاعلين الحزبيين بما فيهم "بيجيدي" هم ديناميات في إطار هذا المشروع، أو على الأقل هذه هي الصورة التي يجب أن يكون عليها الوضع". عبد الله الكوزي المتفائلون يثقون في دبلوماسية العثماني يجمع كل من سألتهم "الصباح" عن توقعه بخصوص مستقبل الحزب تنظيميا، على القول، إن "الوضع سيكون صعبا للغاية، ومن يقول العكس، فإنه يكذب على نفسه، قبل الآخرين". وبرأي العديد من المهتمين بالشأن السياسي ببلادنا، فإن قرار الصفعة كان أصعب امتحان يمر منه العدالة والتنمية منذ تأسيسه، فالكل وقف ينتظر بلاغ الأمانة العامة، بل أكثر من ذلك هناك من تنبأ بصراعات وانقسامات داخل الحزب. وإذا كان قادة الأحزاب والنقــابات وفعاليــات المجتمع المدني، ومعهم جزء كبير من الرأي العام الوطني، قد أعجبوا بشخصية الطبيب النفسي سعد الدين العثمــاني، وتوقعوا أن يرسم للمغاربة وجها جديدا لرئيس حكومة هادئ بعيدا عن قفــاشات ونكت بنكيران، وهو ما قد يشكل ربحا كبيرا للدولة، خصوصا للدبلوماسية المغربية، وفي علاقة رئاسة الحكومة الجديدة مع النقابات وكل الحركات الاحتجاجية المجتمعية التي تضررت من أسلوب وطريقة تعامل بنكيران، فإن الوضع التنظيمــي داخل "بيجيدي"، سيكون غير مطمئن، ويطرح حوله جملة من الاستفهامات، الأيام القليلة المقبلة، ستكون هي الكفيلة بإظهار الحقيقة، ومعرفة إلى أي حد، سيبقى نور "المصباح" مشتعلا؟