أشتاق إلى “عجاج” بجعد وذبابها

المخرج حكيم بلعباس قال إنه يسعى إلى التطرق إلى أسئلة كبرى متعلقة بالقضاء والقدر توج المخرج المغربي حكيم بلعباس، أخيرا، بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، عن فيلمه الجديد «عرق الشتا»، إذ تعد ثاني مرة يحصل فيها هذا المخرج على الجائزة نفسها بعد تتويج 2011 عن فيلمه «أشلاء». عن هذا التتويج وعلاقته بأبي الجعد ورؤيته الخاصة لطبيعة الفعل السينمائي يفتح صاحب «خيط الروح» قلبه ل»الصباح» عبر هذا الحوار. < ما هو إحساسك وأنت تتوج للمرة الثانية بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة؟ < كان إحساسا مختلفا هذه المرة، بحكم أنني اعتدت عدم مشاهدة أفلامي مع الجمهور داخل القاعة، إذ في السابق كثيرا ما كان ينتابني شعور بالقلق إلى حد الغثيان، لكن في هذه المرة غالبت نفسي وتشجعت لأشاهد فيلمي «عرق الشتا» لأول مرة مع الناس، فكان إحساسا جميلا بالرضا والطمأنينة، خاصة أنني تلقيت خبر التتويج وأنا بأبي الجعد التي عدت إليها قبل الإعلان عن النتائج بحكم أنني اشتقت لرائحة الصباح الربيعي هناك فذهبت للاستمتاع به. < هل يمكن أن نتحدث عن تيمات ثابتة تتكرر في أعمالك السينمائية أو الوثائقية تختلف فقط طرق معالجتك لها؟ < أخشى أن تكون عبارة التيمة الثابتة نوعا من التأطير وحصر عمل مخرج معين في دائرة ما لا يستطيع تجاوزها، فلا يمكن أن نتحدث عن الثبات في الفن خاصة السينما، إذ أن كل موضوع ومكان يفرض عليك الطريقة التي تعالجه بها، فتتجدد معه الوسائل والرؤى، فأنا أكره اليقين الذي يؤدي إلى الطريق السهل، فأنا أعشق المسامير والعراقيل التي تعترض قدميّ، خاصة إذا وجدت أشخاصا يتقاسمون معي هذا الهاجس والعشق، ولعل الأسئلة الكبرى التي ما زلت أسعى إلى التطرق إليها عبر الأسلوب البصري هي أسئلة كبرى متعلقة بالقضاء والقدر وعلاقتنا به، ومسألة التسيير والتخيير. < هناك جانب متعلق بحرصك على التقاط الجوانب الهامشية والمنفلتة في الحياة وسعيك إلى الدفع بها إلى الواجهة. ما تعليقك على هذه النقطة؟ < أرفض فكرة ربطي بالهامش بالمعنى المتعارف عليه، أنا سينمائيا لا أرى الأشياء بالعين وإنما بالإطار، وهو ما يجعلني أعتبر أن السينما لا تعتمد على النص بل على الصورة التي من مهامها التقاط التفاصيل الصغيرة لتمنحها مدلولا ومعنى، وهي أشياء كثيرا ما تخضع للصدفة والحظ ولا تكون مهيأة سلفا من خلال سيناريو مكتوب. كما أنني أعتبر أن النقاش حول الهامش والمركز نقاش مفتعل وزائف، فما يعتبره البعض هامشا هو الأصل الذي يتحكم في كل شيء «غير حنا اللي باقية مقلوبة علينا البرّادة». < هل ساهم اغترابك في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية في ترسيخ فكرة الارتباط بالمواضيع الأصيلة التي ترفض وصفها بالهامش وتسعى إلى استعادتها في الكثير من أعمالك؟ < ربما، فلا يمكن أن تنشأ في منطقة مثل أبي الجعد ولا ترتبط بها، فعندما ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وقضيت فيها أسابيعي الأولى شعرت بحنين جارف إلى «عجاج بجعد وذبّانها» كما اشتقت إلى رائحة الأرض وهي تستقبل زخات المطر الأولى بعد التأخر، كلها تفاصيل ظلت حاضرة معي وحرصت على استعادة جزء منها في أعمالي الفنية التي تحضر فيها الذاتية والارتباط بالأرض والأشخاص والأشياء. < على ذكر الذاتية الملاحظ أنه في فيلمك «أشلاء» سعيت إلى الزج بتفاصيل حميمية عائلية في عمل سينمائي هل تعتقد أن ذلك «جائز» من الناحية الفنية أي يسقط الفنان هواجسه الذاتية على المتلقي؟ < في الفن لا يمكن أن نكون محايدين، فالفن هو منبع الذاتية، فلا مجال فيه للموضوعية والقوالب الجاهزة الخارجة عن الذات، فرغم أنه يتم الحديث عن تكوين أكاديمي، فحتى في توظيف هذا الجانب تحضر الذاتية، فعندما يختار المخرج زاوية معينة أو إطارا معينا فهنا لا يوظف أدوات موضوعية لهذا الاختيار بل يخضع لمزاجه الخاص. السينما أشبه بالتعبير عن العالم ب»الكانة» إذ أن تغير الحالات النفسية للمشتغل تؤثر على عملية صنع الصورة والمشاهد، لكن يجب أن يكون هناك وعي بهذه الحالات والسعي نحو الاستفادة منها على نحو إيجابي يخدم جمالية العمل وليس العكس. < ألا ترى معي أن تشبع بعض المخرجين بالقوالب النظرية للسينما يؤثر على طريقة إيصالهم خطاباتهم ورسائلهم بطريقة فنية واضحة؟ < فعلا هناك حالات في هذا السياق وقد أتفق معك في هذه الفكرة، لكن ما لا أتفق معك فيه هو أن السينما لا يجب أن تكون بالضرورة متضمنة لرسالة معينة، هناك قصة وسرد وأحداث وصورة ليس واجبا إخضاعها لمنطق تبليغ خطاب معين بشكل مباشر. أما بالنسبة إلى قضية التشبع بالقوالب النظرية فقد تركت كل هذا جانبا، مررت من الأدب الجاهلي إلى الحديث والإنجليزي والأمريكي والإفريقي، لأعود إلى حكايات أمي وأشخاص آخرين بسطاء تجد في كلامهم شيئا من شكسبير وجيمس جويس وأفكار وصور عالمية عديدة يشتركون فيها مع تلك الشخصيات، وكأنني حققت دورة كاملة بين الثقافات لأعود لحضن أمي وأتصالح مع ثقافتنا الشعبية التي وضعنا حواجز نفسية مصطنعة تحول بين استمتاعنا بها. من مواليد 1961 بأبي الجعد > حصل على الإجازة في الآداب من جامعة محمد الخامس الرباط كما درس بجامعة ليون الفرنسية، ثم انتقل إلى شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية لدراسة السينما. > من أفلامه «خيط الروح» و»عيش حار» و»أشلاء» و»ثقل الظل» و»شي غادي و شي جاي»...

أشتاق إلى “عجاج” بجعد وذبابها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جديد "فناير" قريبا

زعيم البوليساريو يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة اليوم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات