قسم الولادة … كابوس الحوامل

مستشفيات تحولت إلى مواقع للإهانة وإذلال النفساوات تحولت بعض المستشفيات العمومية، خاصة دور الولادة، إلى موقع لإخراج أفلام الرعب، التي تخرج منها النفساء بتجربة مريرة، تنسيها لحظة استقبال مولودها الجديد، والنظر في عينيه لأول مرة، وهي تسمع عبارات مهينة، نتيجة عدم تحملها آلام المخاض، أو رفضها الخضوع لعملية قيصرية لتسريع عملية الولادة. حكايات ترصدها "الصباح" من أفواه أمهات عشن كوابيس، داخل بعض مستشفيات البيضاء. إنجاز: ضحى زين الدين "طلعات فوق مني"، "بركات علي حتى خرجات روحي"، "بلا ما تحاول... جبدات للدري راسو بالفونتوز"...كأنهن خرجن من فيلم رعب، وليس تجربة ولادة، تستقبل فيها الأم مولودها بكرامة، إذ لا تحتفظ هؤلاء النسوة عن اليوم الذي وضعن فيه مواليدهن في مستشفيات عمومية، إلا الذكريات السيئة، والتي لا علاقة لها بالمخاض الطبيعي ولا حتى الاصطناعي، ولا علاقة لها بعسر الولادة وندوب العمليات القيصرية الجسدية والنفسية. هي ذكريات نسجتها معاملة بعض القابلات والأطباء والطبيبات لحوامل، واجهن مخاضا عسيرا، وزاده عسرا سلوكات بعض ملائكة الرحمة، التي تحولت إلى ملائكة الموت. حكايات غريبة "كأنها تشخص حالة بقرة، وضعت يدها في رحمي بطريقة مؤلمة ومذلة"، تقول مريم، التي أنجبت مولودها بعد ثلاثة أيام من التردد على مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي بالدار البيضاء، قبل أن تحال على مستشفى ابن رشد بمبرر أن ولادتها ستكون عسيرة. تبتلع الأم الشابة ريقها كأنها بذلك تطرد مرارة التجربة التي مازالت تتذوقها، ثم تقول، "بعض القابلات فقدن الإحساس بإنسانية الوافدات عليهن، ويتعاملن معهن كأنهن أشياء ولسن أجسادا بشرية، هذا طبعا لا يشمل الجميع ففيهن الطيبات أيضا، وفيهن اللواتي اكتسبن مناعة ضد الإحساس بالتعاطف وتقاسم لحظة إقبال مولود جديد على الحياة، بل منهن من تنتهي من عملها ولا تقول حتى "على سلامتك"، بل تردد كلمات من قبيل "سخفتينا...". "سير وآجي" من سيدي البرنوصي إلى الحي المحمدي، لثلاثة أيام، كانت تشعر فيها مريم بمخاض عسير، "هذه المرة الأولى التي أصبحت فيها أما، وكنت أعتقد أن التجربة ستكون مميزة، حتى أني حملت معي هاتفي الذكي لتصوير مولودي في اللحظة الأولى لخروجه إلى الحياة، لكنهم أجهضوا كل فرحتي. ورغم أني سمعت الكثير عن المستشفيات العمومية، غير أني لم أتوقع أن أعيش كابوسا" تحكي مريم، التي تلقت معاملة سيئة بمستشفى محمد الخامس، قبل أن تنقل إلى ابن رشد، "نقلتني أسرتي إلى المستشفى ثلاث مرات، وكانت ممرضة تقول لي "صدعتينا مازال عليك الحال"، إلى درجة أن زوجي صدق ذلك، وطالبني بالتوقف عن مطالبته بنقلي إلى المستشفى، إلى حين الموعد الذي حددته الممرضة، غير أنه ما أن ركبنا سيارة الأجرة حتى شعرت بماء ينساب من رحمي، لنعود إلى المستشفى وكان زوجي هذه المرة غاضبا جدا، خاصة أن حراس الأمن الخاص عاملونا بطريقة فظة". عوض أن تلد مريم مولودها في المؤسسة نفسها أحيلت على ابن رشد، وهناك "كانت المعاملة أقل سوءا، وحتى المؤسسة أفضل من الأولى بكثير، رغم أني وضعت عبر عملية قيصرية إلا أن ذلك أرحم من المعاملة السيئة التي لاقيتها في محمد الخامس والتي حولت تجربتي إلى كابوس". تجربة سناء ليست أقل مرارة، فهي أيضا تحتفظ بذكرى سيئة عن ولادتها بمستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي، "كدت أنجب في الشارع العام، نتيجة عدم اهتمام القابلات بي، إذ ما أن فحصتني إحداهن، حتى أخبرتني أن موعدي لم يحن بعد، وما أن قطعت رفقة والدتي مسافة قصيرة حتى شعرت بأوجاع حادة وداهمني المخاض، ولحسن الحظ رجعت وأنجبت بعد ساعتين، سمعت خلالها عبارات من قبيل "شحال فيكم ديال التبوحيط"، و"عيالات البلاستيك"، أثر ذلك في نفسيا بشكل لم أتوقعه، غير أني والحمد لله أنجبت دون حاجة إلى عملية قيصرية". أنجبت نعيمة مرتين في مستشفى ابن رشد، "مرة حين كان في البناية القديمة، والثانية هنا، في البناية الجديدة، هناك فرق كبير جدا، فالظروف هنا تحسنت كثيرا، من حيث ظروف الإقامة والنظافة، ولكن المعاملة مازالت عند بعض الممرضات هي نفسها، ما عدا بعض الوجوه الجديدة، التي تحاول أن تبتسم في وجه الحامل، وتشجعها على التحمل، فيما أخريات يرددن عبارات قاسية". تتوالى غرائب الوضع بمستشفيات عمومية، لتصبح أكثر درامية في قصة زينب، التي مازالت تعالج جروحا خطيرة في مدخل رحمها، "كان يتعين على زوجي أن يقدم شكاية، لأنهم رتقوا جروحي بطريقة مؤذية، وكدت أصاب بتعفنات، لولا أن نقلت إلى مصحة خاصة، حيث عولجت من قبل طبيب صديق لأحد أقاربنا، كأنهم كانوا يريدون التخلص مني بسرعة" تقول زينب، وهي التي أصرت على أن تلد في مستشفى ابن رشد بعد نقل جناح الولادة إلى بناية جديدة، "أخبرتني إحدى جاراتي أنها ولجت في ظروف جيدة جدا، لذلك رفضت أن ألد في مصحة خاصة، وأكلف أسرتي مبالغ مالية أكبر" تضيف زينب التي أعادت مولودتها إلى المستشفى نفسه لعلاجها من تبعات مرض أصيبت به بعد الولادة. الشعور بالأمومة كان أقوى من بيضاوية أخرى أنجبت وليدها في مستشفى بمولاي يوسف، وهي تؤكد أنها ما أن حاولت قابلة الضغط بقوة وبعنف على بطنها، حتى حاولت الوقوف، "أصبحت أكثر قوة، رغم أني كنت خائرة القوى، لأني شعرت أنها ستقتل جنيني، وتحولت عملية ولادتي إلى شجار، لم ينته إلا بتدخل طبيبة". الشكوى لله "الشكـوى لله"، تلك هي العبارة التي ستتردد على لسان الكثيرات، حين تقذف في وجوههن سؤال تقديم شكايات إلى الإدارة، للتدخل وإعادة الأمور إلى نصابها، "الوقت ثمين، ولا يمكــن هدره في البحث عن المسؤول عن الوضع، لأن المفـروض هو أن يجوب المسؤولــون المستشفى ويعاينوا بأنفسهم، حتى غرف العمليات القيصرية، ويعدوا تقاريرهم" يقول زوج نفساء، أكد أن أكثر ما أزعجه في مستشفى محمد الخامس هو تحكم حراس الأمن في كل شيء، "أصبحوا هم الأطباء، وتحولوا إلى سماسرة، وهذا ما يجب فتح تحقيــق فيــه، وإيفــاد لجن تفتيش متنكرة لتقف بنفسها على حقيقة ما يجري سواء علمت بذلك الإدارة أو لم تعلم" يضيف الزوج الغاضب. السؤال نفسه يجد إجابة غريبة عند أحد النقابيين، وهو يقول "حقيقة تحولت بعض النقابات إلى ملاذ، يلوذ به الموظفون فقط طلبا للحماية من أي قرارات إدارية، وحين تعلم الإدارة بأن فلان محمي من قبل النقابة الفلانية، فإنها بكل تأكيد تتغاضى عن أخطائه مرارا ومرارا، ولا تضطر إلى التدخل إلا في حالات نادرة"، يقول النقابي الذي رفض ذكر اسمه، مضيفا بعبارات ساخطة تصب في مقولة "اللهم إن هذا منكر"، "أحيانا يقف المسؤولون الإداريون عاجزين عن القيام بأي خطوة رادعة لقابلة أو ممرض أو طبيب أو غيرهم، ببساطة لأن أي قرار قد يجلب عليهم عاصفة احتجاجات وستتوقف عجلة العمل في مختلف المصالح، ويصبح بذلك الضرر أكبر، لذلك تختار الإدارة الحفاظ على السير العادي للمرفق، ومحاولة فتح نقاش حول بعض المشاكل مع بعض النقابيين". ظروف عمل سيئة ظروف العمل السيئة، أيضا مبرر، يشهره النقابيون وهم يتحدثون عن أخطاء بعض الشغيلة الصحية، نافين أن يكون مبدأ "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" هو المتحكم في زمام الأمور داخل المؤسسات الاستشفائية، بل ألحوا مرارا على أن بلاغاتهم وتقاريرهم تضمنت في مناسبات كثيرة، تحذيرات إلى وزارة الصحة، بأن الخصاص المهول في الموارد البشرية وفي التجهيزات، قد يسقط الموظفين في أخطاء، خاصة أن منهم من يداوم لعدة ساعات، دون أن يتلقى حتى تعويضاته، ومنهم من أصيب بأمراض نتيجة العمل لساعات طويلة، ونتيجة الإجهاد والضغط الكبير، التي تواجهه مصالح الولادة على وجه الخصوص. وأكد النقابيون أنفسهم أيضا أن تقاريرهم شرحت الوضع، وسلطت الضوء على المشاكل التي يمكن أن يقع فيها المهنيون، نتيجة الاكتظاظ والضغط وقلة الموارد البشرية، بل إنهم يكونون عرضة للتهديد والضرب والسب والقذف من قبل العائلات من جهة ، والعقاب من الإدارة من جهة ثانية، في حين أنهم لا يتحملون مسؤولية الولادة في ظروف سيئة.

قسم الولادة … كابوس الحوامل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لست عبد الإله إذا دخل الاتحاد الحكومة

مسؤول عسكري فرنسي هام في زيارة للمغرب

مقالات ذات صلة