بوجه بشوش ضاحك تحرص عزيزة، امرأة شارفت على إتمام عقدها الخامس، على استقبال جميع الوافدات إلى الحمام التقليدي، فهي تعلم أن «حفاوة» الاستقبال وحسن الاعتناء والاهتمام بكل زبونة، وحدهما السبيل إلى تأمين مدخول يومي يرتفع أو ينخفض حسب كرم الزبونة من جهة، ورضاها على نوعية الخدمات المقدمة من جهة أخرى. ذلك أن عقد العمل «العرفي» الوحيد الذي يربطها بصاحب الحمام، لا يجعل منها أجيرة لديه، بل بموجبه تحصل فقط على مقابل «الرزمة»، الذي لا يتجاوز درهما في الغالب عن كل «ورقة دخول»، وفي أحسن الأحوال تستفيد من عطلة سنوية لا تتعدى الأسبوع، فضلا عن يوم راحة أسبوعيا، إن تجاوزتها تفقد مكانها بالحمام، لتبقى إكراميات النساء أملها الوحيد في سد رمق جوع عائلتها التي أصبحت معيلها الوحيد، بعدما تعرض زوجها لحادثة سير ألزمته الفراش، وتطلقت ابنتها الوحيدة وعادت هي وطفلاها للعيش في كنف والديها.
عزيزة التي قضت أزيد من عشرين سنة، تتنقل بين الحمامات التقليدية، تشتغل بها، «طيابة» (كسالة)، خبرت أسرار مهنة يبدأ دوامها مع الساعة السادسة ولا تنتهي إلا بحلول العاشرة من كل مساء، وصارت تعي جيدا كيف تتعامل مع جميع صنوف النساء «حتى وحدا ما كادوز على يدي وتخرج ما عاجبهاش الحال».
يبدأ نهار عزيزة هي ورفيقاتها الأربع بتنظيف أرضية الحمام جيدا، قبل أن تصل أولى الوافدات. عملية التنظيف هذه تشمل أيضا كافة مستلزمات الحمام من دلاء وأفرشة تستعملها بعض النساء في عمليات التدليك وكراس احتياطية تقدمها للراغبات من الزبونات. بمجرد الانتهاء من عملية التنظيف، «كانغسل راسي مزيان»، تضيف بسخرية ممزوجة ببعض من الأسى «العيالات ما كايقبلوش تكون الطيابة عرقانة، واخا هي للي كاتغسليهم وتحيدليهم وسخهوم»، تضيف كأنما تستدرك «بيني وبينك أمر معقول ومافيه حتى عيب، هادي هي خدمتنا والواحد هو للي يكون نقي».
غالبا، بمجرد أن تشير عقارب الساعة إلى الثامنة صباحا، تبدأ أولى النسوة بالتوافد على الحمام. تتجند آنذاك المرأة الخمسينية لاستقطاب زبونات جدد، «أما القدامى، عارفيني معقولة ومامحتجاش نشكر خدمتي، لكن هذا لا يعني أنهن لا يحظين بمعاملة جيدة… الجديد ليه جدة والبالي لا تفرط فيه». تستقبل عزيزة زبوناتها «القدامى» و»المفترضين»، وتجعل نفسها تحت خدمتهم، تساعدهن على ترتيب أغراضهن، تحمل «فوطة الحمام» و»السطل»، وتحرص على أن يجلسن في مكانهن المفضل، قبل أن تشرع في ملء الدلاء بالماء بعدما تتأكد أن درجة سخونته تلائم زبونتها، تلازمها ولا تتركها إلى أن تنتهي من حمامها، تودعها حاملة متاعها وتنتظر إكراميتها، «ما نخبيش عليك بعض النساء يدفعن بسخاء، تقد تعطيك حتى ل100 درهم، وللي ما عندوش ماشي مشكل، المسامحة، حنا مع الجواد». تقر عزيزة أن أحوالها المادية تحسنت، رغم منافسة الحمام التركي للحمام التقليدي، «من قبل كانت المرا كاتقوليك حكيليا غير ظهري، ولا كاتجيب معاها بنتها ولا ختها للي تحك ليها، وماكاينش للي تقوليك قابليني ولا عمري ليا الما»، فيما اليوم، تضيف عزيزة، تغيرت الأحوال، فغالبية النساء لا يستغنين عن خدمات «الطيابة»، هن بحاجة أكثر فأكثر لخدماتها «وفي الصراحة بنات اليوم ظريفات، ماعزيزش عليهم السخون بزاف، وماكايخرجوهاش منك، راه مـازال الوسخ هنا.. بالعكس أنا كانبقا نرغب فيهم نعاود ليهم الحكان ما كايقبلوش»، تضيف عزيزة بنبرة لا تخلو من مرح.
هجر
المغلي