المشكل في طرق صرف الدعم

الناقد محمد اشويكة قال إن الأفلام المحترمة قليلة قال الناقد محمد اشويكة إن الحقل السينمائي المغربي يعاني أزمة بنيوية خانقة وهي انعكاس لهيمنة الكم على الكيف، وأضاف صاحب كتاب "السينما المغربية: أطروحات وتجارب" أن الدعم السينمائي الذي لا تتحقق منه فائدة كبيرة يجب إعادة النظر في آليات تصريفه لا في قطعه، لأن مراميه الكبرى تتمثل في الانتصار لقيم الإبداع والتسامي، كما تحدث الناقد عن الممثل المغربي معتبرا أنه ليس كل من يظهر على الشاشة فنان أو نجما لأن النجم جزء من الصناعة السينمائية التي لم نصل بعد لتحقيقها. أجرى الحوار: عزيز المجدوب رغم وفرة الإنتاج، في السنوات الأخيرة بما لا يقل عن عشرين فيلما، قياسا إلى بدايات السينما بالمغرب، إلا أن السينما المغربية ما زالت غائبة عن المسابقات الرسمية للمهرجانات الدولية الكبرى، بما فيها مهرجان مراكش في دورته لهذه السنة، ما تعليقكم؟ الاعتقاد بأن "الكم يحقق الكيف" مقولة مغلوطة رددها الكثير دون فحص لأن الشروط الموضوعية لذلك لم تتبلور بشكل كلي، فالحقل السينمائي يعاني أزمة بنيوية خانقة أولها طريقة صرف كافة أشكال الدعم (الأفلام، المهرجانات، القاعات)؛ والسبب يعود لعدم تمتيع اللجان بالاستقلالية التامة، وإسناد المهام لبعض الأشخاص غير المشهود لهم بالمهنية والنزاهة والعطاء وبالانتصار لقيم الإبداع والتسامي. ليست السينما المغربية غائبة عن المهرجانات الدولية، فقد شارك نبيل عيوش وهشام العسري في بعض مسابقات مهرجاني كان وبرلين وغيرهما، وننتظر مشاركة مرتقبة في المسابقة الرسمية لدورة برلين القادمة. قد يقول البعض بأن ذلك يعود لأسباب تتعلق بموضوعة الأفلام، ولكن الأمر يتعلق بنضج فني ورؤية نقدية للمجتمع الذي تصدر من داخله هذه السينما لأن الفنان صاحب مِشْرَط، وليس داعية، وهو عين المجتمع اليقظة. لقد شاركت أفلام مغربية أخرى في مهرجانات دولية متعددة، وفازت بجوائز، ولكن ذلك ظل دون التوقعات والانتظارات؛ إذ لا يفاجئنا الأمر إن كانت أفلام متواضعة على مستوى البناء والإخراج قد تصل في السنوات الأخيرة لتمثيل المغرب في أوسكار الأفلام الأجنبية! أليس ذلك انعكاسا لهيمنة الكم على الكيف، فقد أصبحنا أمام اختيار الأقل سوءا من بين الأسوأ.. أليس في الأمر مساءلة للمنظومة بكاملها؟ لا أظن، بالنظر إلى ما شاهدت من أفلام قدمها أصحابها إلى مهرجان مراكش، ومقارنة مع ما عرضه المهرجان من أفلام أجنبية في المسابقة، على أن الأفلام المقدمة أقل جودة، ولكن في الأمر حسابات أخرى تريد من المغرب أن يظل متأخرا ومُهَيْمَنا عليه من طرف الآخر، وخاضعا لرؤية فوقية تراه دونيا يجب تأهيله.. فأن يقول المدير الفني للمهرجان بأن " المخرجين الكبار" لم يضعوا أفلامهم الآن دليل على إخفاق إدارة المهرجان برمتها في وضعه على مصاف المهرجانات التي يراهن عليها المخرجون، فنحن نعرف بأن أفلاما مغربية جاهزة لم يتقدم بها أصحابها للمشاركة في فعالياته، بل أرسلوها لمهرجانات استطاعت أن تضمن الشروط الاحترافية للمشاركين في المهرجان من قبيل شبكات التسويق والإنتاج وغيرها. عندما نقارن المهرجان بأخرى مماثلة في محيطنا العربي نجد بأن استراتيجية تطوير القطاع السينمائي الوطني تقع في الصميم ولنا في مهرجان دبي خير مثال، فقد أصبحت قوة سينمائية عربية قادمة، يأتون بالأجانب لتحقيق ما يريدون لا ما يريد الأجانب. ولتوضيح ما أقول، أضرب مثالا بمهرجان "موازين": لماذا استطاع طاقم مغربي تنظيم واحد من أكبر مهرجانات العالم في الموسيقى والغناء ولم يتحقق ذلك في السينما؟ إذا كان الأمر يتعلق بتأسيسه من لدن أصدقائنا الفرنسيين، فمرحبا بهم مشاركين وليس مهيمنين لأن السياسة العليا التي تتبناها الدولة اليوم تتمثل في الربح مقابل الربح (رابح رابح)، ولذلك فالسينما المغربية من حقها أن تتمتع بالتفضيل الإيجابي، وأن تكون حاضرة في المسابقة وفي نبضة قلب، وأن يكون المهرجان فرصة للقاء المغاربة بمن يأتي إلى المهرجان، أما والمهرجان مغلق على المهنيين، وصعب الولوج، فذلك أمر لا يبشر بالخير. ما جدوى رصد ملايين الدراهم لإنتاج أفلام، أغلبها، بدون قيمة فنية تؤهلها، على الأقل، للمشاركة في المسابقات الدولية، وهل السينما المغربية تعاني فقط مشكل الدعم المالي؟ لست من الذين يناصرون فكرة توجيه الأموال البسيطة الموجهة لقطاع الثقافة والفنون إلى قطاعات أخرى ذات أولوية لأننا لا نعيش بالخبز والماء لكي يظل البدن على قيد الحياة، بل إن قيم التعالي أساسية وحيوية في بلدنا، ومن هنا فإن الإخفاق المريع في تربية فئة كبيرة من المجتمع المغربي على استهلاك المنتوج الإبداعي بكافة أشكاله مسألة خطيرة للغاية ونتيجة مباشرة لتقليص الميزانيات المرصودة لتنمية قطاعات الإبداع خاصة وأن صناعة المُشَاهِد مرتبطة بصناعة القارئ أولا وأخيرا. إلى أي حد يتحمل الممثلون مسؤولية ما يمكن أن نسميه "أزمة السينما المغربية" خاصة في ما يتعلق بجانب التكوين؟ يجب الاعتراف بأن الممثل المغربي وقود السينما المغربية، وأنه جزءٌ لا يتجزأ من منظومتها الهشة، إلا أن الظروف السوسيوثقافية العامة للسينما المغربية، وظهور منتجين ومخرجين لا يقدرون خطورة الإبداع السينمائي، ولا يدركون معنى البروز والظهور في سياقهم الاجتماعي، قد ساهمت في نشوء بعض الممثلين الهجينين في المغرب، أسوة بمغنين هجينين، يجهلون الأدوار المنوطة بهم في مجتمعهم، فهم لا يُقَدِّرُون الظهور على الشاشة، ولا يفرقون بين حياتهم الخاصة والعامة، وتعوزهم المرجعيات الفكرية لما يقومون به، وحينما يتلقى عامة الناس ذلك ينعكس بشكل سلبي على الميدان. يجب أن نعلم بأننا نشتغل داخل مجتمع تنخره الأمية في مستواها البسيط (فك الحرف)، ويعاني من الأميات الأخرى المركبة كالأمية البصرية، لذلك يجب الوعي بأن إخفاق درس الفلسفة والعلم والفن والأدب.. جزء من إخفاق أصحابه، والصورة النمطية والاحتقارية التي تطال الفنان مسؤول عن جزء كبير منها. فليس كل من يظهر على الشاشة فنانا ولا نجما لأن النجم جزء من الصناعة السينمائية التي لم نصل بعد لتحقيقها لأن حلقات سلسلتها منفرطة، وأهمها الاستهلاك، فهل يمكن أن نتحدث عن فيلم تجاري أو نجم من خلال فيلم لم يتجاوز عتبة مليوني متفرج! إن الأمور معكوسة في بلادنا، ولنا في درس السياسة خير مثال: هل نتحدث عن زعيم سياسي بما يقل عن مليوني صوت أيضا! يتطلب الأمر النظر إلى الأزمة بشكل بنيوي، وأي تجزيء لها ضَرْبٌ من الجهل. هل يمكن ربط أزمة السينما المغربية بالمحيط العام الذي تحيا فيه أم أنها أزمة ذاتية كامنة فيها لا في غيرها؟ تنتظم إجاباتي عن أسئلتك السابقة تتويجا لسؤالك التركيبي الأخير هذا، فإذا كان تاريخ الفن وأدبياته تشير إلى أن الفنان الحقيقي له رؤية استشرافية لما يقع في مجتمعه، وأخرى تضع الإنسان في صميم فنه، فإن السينما المغربية مطالبة ألا تكون ضد التاريخ، فمهما كثرت مصادر التشويش التي يجب اعتبارها من طبيعة الممارسة الفنية في مجتمع موسوم بالأمية المنتجة لعقلية الرفض والطمأنينة والإيمان المنغلق فلا يمكن إقبار قيم الإبداع والنقد والخلق وزعزعة السائد والدعوة للتأمل التي يمكن للسينما بفضل وصولها إلى أكبر عدد من الناس خارج سياق القاعات السينمائية (التلفزيون والإنترنيت). لذلك، فبالرغم من أن الفنان ابن بيئته التي تؤثر فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويستضمر تأثيراتها بطريقة واعية أو غير واعية، إلا أنه يستطيع تجاوز إحباطاتها، ويقدم أفلاما تضعه أمام مواجهة ذاته، وذلك ضمن مشروع يعي شروط الممارسة وظروفها. ولذلك، فالتجارب الجديرة بالاحترام قليلة في المغرب، والتاريخ كفيل بالغربلة. إعادة النظر في طرق صرف الدعم إن الدعم الذي لا تتحقق منه فائدة كبيرة يجب إعادة النظر في آليات تصريفه لا في قطعه لأن مراميه الكبرى تتمثل في إشاعة قيم التذوق والحوار والاختلاف والجدل البناء ودعم القيم العليا للوطن.. ولكي أكون واضحا، فإن الاستماع إلى الطرائق التي يدافع بها بعض أعضاء لجان الدعم السينمائي ونوعية أسئلتهم لتنم عن جهل تام بما نتحدث عنه في هذا الحوار، وأهمه ترسيخ فلسفة عامة للدعم من شأنها أن تدعم الاستراتيجية العامة للبلاد في تحقيق القفزة التنموية الشاملة التي يطمح إليها المغاربة، والتي تقع السينما في بؤبؤها بالنظر إلى أن ولوج العولمة التي صارت مسألة حتمية لا تتأتى إلا عبر صناعة صورة خاصة بالذات تستطيع مقاومة الصور العابرة للقارات والقاضمة للثقافات والمُذِيبَة لها. في سطور > قاص وناقد أدبي وسينمائي. > أحد معدي ومنشطي برنامج "صدى الإبداع" (القناة الأولى). > عمل منسقا ومساعدا في إعداد وإخراج برنامج "زوايا" (مجلة سينمائية تلفزيونية) > اشتغل في عدة أعمال سينمائية في قطاعات الإخراج والإنتاج. > له العديد من الإصدارات الإبداعية الأدبية والنقدية. > من مؤلفاته السينمائية: "السينما المغربية: أطروحات وتجارب" و"السينما المغربية: رهانات الحداثة ووعي الذات" و"السينما المغربية: تحرير الذاكرة.. تحرير العين" و"الإنسان الأيقوني" و"التفكير في السينما..التفكير بالسينما".

المشكل في طرق صرف الدعم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"عمي" يفسد تكريم عبد الرؤوف

المسؤولية يتحملها المنتج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات