استئنافية البيضاء… كواليس وطرائف

القاضي استشاط غضبا بعد أن أمر بإعادة متهمين إلى الخلف فكاد أمنيون أن ينقلوهم إلى عكاشة الساعة تشير إلى التاسعة والربع صباحا، بالقاعة رقم 7 تقدم رجل للبدء في ترتيب ملفات التقاضي، بعدها بلحظات بدأ المتقاضون والفضوليون بالتوافد على القاعة، منهم من جاء للاستماع إلى الحكم ومنهم من يسعى فقط للاستئناس بقصص جرائم وخلافات لعله يأخذ الموعظة منها. بعدها بلحظات كسر هدوء القاعة رئيس الجلسة الذي أعلن افتتاحها باسم جلالة الملك، معلنا عن بدء النظر في الملفات المعروضة أمامه رفقة هيأة المحكمة للبت فيها. بالقاعة 7 بدأ رئيس الجلسة في الإعلان عن أرقام الملفات المعروضة أمامه، مناديا في الوقت نفسه على أسماء المتهمين الذين يوجدون في حالة اعتقال وكذا أسماء هيأة الدفاع التي تنوب عنهم وعن الضحايا. وخلال الساعات الأولى من جلسة المحكمة بالقاعة 7 أجل رئيس الجلسة مجموعة من الملفات إلى تواريخ تتراوح بين 7 و 21 دجنبر المقبل لأسباب تتعلق بعدم الجاهزية أو عدم حضور أطراف الدعوى أو عدم توفر المتهم على محام ينوب عنه. البحث عن متهمين انتقل بعدها طاقم «الصباح»، إلى القاعة 5 لمعاينة كيف تمر داخلها أجواء المحاكمات والتقاضي بين المتهمين والضحايا. الأجواء نفسها كانت في البداية قبل أن يكسر هدوء القاعة صوت رئيس الجلسة الذي ما إن نطق بأسماء المتهمين للمثول أمامه، حتى تفاجأ بمغادرتهم القاعة وصعودهم إلى سيارة الشرطة التي كانت متوجهة بهم إلى السجن. نادى رئيس الجلسة بأسماء المتهمين من أجل مثولهم أمام هيأة المحكمة، إلا أن الجواب كان من قبل رجال الأمن المكلفين بمرافقة السجناء، أن المتهمين المنادى عليهم لا يوجدون بالقاعة وينتظرون إرجاعهم إلى السجن، وهو ما جعل القاضي يستشيط غضبا لأنه سمح لهم فقط بالرجوع إلى الخلف في المكان المخصص لهم وليس مغادرة القاعة، وحاول الشرطيان تدارك الأمر بالاتصال بالسائق لإرجاعهم إلى المحكمة وهو ما جعل رئيس الجلسة يهدأ. بعد مناقشة ملفات أمام هيأة المحكمة عاود رئيس الجلسة السؤال عن المتهمين مخاطبا الشرطيين «هادوا واش ما زال ما غيجيوش؟ ليردا عليه المعنيان أن المتهمين هم في الطريق إلى المحكمة. بكاء ومواساة لا تخلو أي جلسة في محكمة الاستئناف بالبيضاء من ردة فعل عائلات المتقاضين، سواء منهم الضحايا أو المتهمين، إلا أن الأظناء ينالون القسط الأكبر من تفاعل عائلاتهم مع ما ينطق به رئيس الجلسة ومرافعات المحامين خصوصا منها التي تؤكد على وجوب إدانة الماثل أمام هيأة المحكمة، إلى حد البكاء. وهو السلوك الذي شهدته القاعة رقم 7 وكانت صاحبته طفلة لم تستطع التحكم في عواطفها بعد رؤيتها لأحد أقاربها وهو ماثل أمام القضاة لتفسح المجال لدموعها التي كسرت هدوء القاعة، ما جعل المكلف بالأمن يخرجها قبل أن يعاود إدخالها بعد مسحه لدموعها طالبا منها الكف عن البكاء من أجل الدخول، وهو ما استجابت له الطفلة التي اطمأنت لكلمات المواساة والنصح التي صدرت من قبل الشرطي. براءة أطفال في القاعة 7 رغم ما تشهده الجلسة من طرح ملفات تتعلق بجرائم القتل والضرب والجرح والخصام وكذا النصب والسرقة، وهي كلها ملفات تجعل عائلات المتهمين وأصدقائهم ينهارون لفظاعة التهم خصوصا أنهم يدركون ما ينتظر المتهم من عقوبات سجنية، لكن أمرا غريبا طرأ بعدما وقف أحد المتهمين أمام هيأة المحكمة إذ أبى طفله إلا أن ينادي عليه «بابا بابا ...» وهو الصوت الذي كسر هدوء القاعة وجاء نتيجة ابتسامة الأب المعتقل في وجه طفله البريء. وقامت ابنة عم الطفل بالسلوك نفسه عندما أبت إلا أن تودع عمها بالمناداة عليه «عمي» متحدثة في الآن نفسه مع ابنه «راه باباك» وهي تضحك دون أن تعي ما يحدث حولها، بعدما غادر المتهم قاعة الجلسات وهو يحيي عائلته الصغيرة على أمل العودة في الجلسة المقبلة للنظر في قضيته المعروضة على أنظار القضاء. طرائف الجلسات رغم مشاهد الدموع والحزن والمرافعات التي تكسر صمت القاعة الرهيب إلا أن المثل المغربي «كثرة الهم كضحك» يأبى إلا أن يحضر بجلسة المحاكمة لعله يخفف شيئا من الحزن والخوف اللذين يسيطران على الحاضرين بالقاعة. والبداية من خلال إصرار بعض عائلات المعتقلين على إلقاء النظرة عليهم وهم داخل فضاء مخصص لهم مفصول بينهم بحاجز خشبي شفاف، وهي السلوكات التي تثير غضب رجال الأمن المكلفين بالحراسة وأمن القاعة، إذ يبدؤون في طرد العائلات التي تخرق قانون متابعة ما يدور في جلسة المحكمة، إلا أنه بعد مرور لحظات يعود الأشخاص أنفسهم إلى إلقاء النظرة على المعتقلين ومخاطبتهم وتحيتهم، فيعاود رجال الأمن طردهم من جديد ليتحول المشهد إلى لعبة القط والفأر وهو ما يجعل بعضا من الحضور ينخرط في موجة من الضحك. وإضافة إلى سلوك المعتقلين وعائلاتهم التي تصر على تبادل التحايا معهم، عرفت القاعة 7 وهي نموذج لباقي القاعات الأخرى وقوف إحدى الأمهات أمام بعض الجالسين على المقعد المخصص لمتابعة الجلسة وهي تتحدث إليهن في قضية ابنها ما جعل رجل الأمن يتجه نحوها بسرعة مخاطبا إياها بعبارة «ورجعي اللور ونتيا واقفا عليهم مالكي وليتي شافة عليهم « ما جعل الحضور يضحك مرة أخرى. رقم قياسي عرضت أمام أنظار هيأة المحكمة قضية تتعلق بتهمة النصب ب»السماوي»، وبعد أن مثل المتهم للنظر في قضيته، تبين للقاضي أن الظنين ذا سوابق متعددة، وأنه حطم الرقم القياسي في الاعتقالات بعد وصوله إلى الرقم 25، ما جعل رئيس الجلسة يسائله عما إذا لم يتعظ من الأحكام السابقة التي حكم بها عليه، وهو السؤال الذي رد عليه المتهم بكلمة «هاذي هي الأخيرة». إنسانية القضاة رغم ما يشاع من أن القضاة لا شفقة لديهم وأنهم مصدر الأحكام التي توجب السجن، وهو حكم القيمة الذي يجعل من المرء يهاب الوقوف أمامهم ولا يتمنى ذلك اليوم في حياته، إلا أنه من خلال متابعة جلسات المحاكمات يتضح بالدليل والبرهان أن القاضي ليس بمعزل عن محيطه وأن المهمة الجسيمة التي أوكلت إليه للفصل بين المتقاضين ومعاقبة المتورطين تجعله يظهر بتلك الصورة من أجل إحقاق الحق. وهذا ما يكشفه الجانب الإنساني للقاضي الذي يأبى إلا أن يظهر بشكل عفوي من خلال سلوك رئيس الجلسة الذي رغم هيبته وحدة أسئلته التي تجعل المتهم يقف في حيرة من أمره فإنه يتعاطف مع الماثلين أمامه ويحاول التوصل إلى الحقيقة من أجل إحقاق الحق وإنصاف المظلوم. وهو القاسم المشترك الذي يجمع سواء بين القاعة رقم 5 أو القاعة رقم 7 أو باقي القاعات الأخرى التي تضمها محكمة الاستئناف بالبيضاء، فرئيس الجلسة ما إن يمثل أمامه متهم دون محام يسأله إذا كان يتوفر على دفاع وما إن يجيبه بالنفي، حتى ينصحه بضرورة تنصيب محام ويقرر تأجيل البت في قضيته إلى جلسة أخرى يكون فيها مصحوبا بمحاميه للترافع عنه. وليس هذا فحسب، إذ يحرض رئيس الجلسة على الاستماع إلى المتقاضين بهدوء مانحا إياهم الفرصة لتقديم أجوبة شافية حتى يساهم ذلك في التوصل إلى حقيقة تساعد على فهم القضية قبل إصدار الحكم، ويعتمد في ذلك على التعامل بلباقة وابتسامة دائمة رغم الهيبة التي يتمتع بها شخصه ووضعه الاعتباري في المجتمع. مداولة بعد تأجيل عدد من الملفات المطروحة والنظر في أخرى، أعلن رئيس الجلسة أن النطق بالأحكام فيها سيكون بعد المداولة، وهي اللحظة التي تجعل عائلات المتقاضين وكذا الحاضرين بالقاعة يحبسون أنفاسهم خوفا من المصير المجهول الذي سيكشف عنه الرئيس والذي يمكن أن يغير مجرى حياة كثير منهم سواء تعلق الأمر بالمتهم أو الضحية. وهي اللحظة التي غادر فيها الطاقم القاعة لفسح المجال لمن يهمهم أمر سماع ما ستقرره هيأة المحكمة الموقرة. إعداد : محمد بها

استئنافية البيضاء… كواليس وطرائف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تأجيل محاكمة منتخبين متهمين بالرشوة

تطورات في اختلالات غرفة التجارة بمراكش

مقالات ذات صلة