القفـة…أداة للتحكـم

السجناء الذين يملكون ״سلطة״ القفة يتحولون إلى״حكام صغار״ بنزعات الخروج عن القانون فشلت المندوبية العامة لإدارة السجون في القضاء النهائي على آلاف "القفف" الطافحة بالمأكولات وأنواع اللحوم والفواكه والسجائر و"أشياء أخرى" التي تدخل المؤسسات السجنية، أسبوعيا، رغم المخططات والبرامج والحلول التي اقترحها المندوب العام الحالي منذ 2014. فالقضاء على القفة يعني القضاء على سلطة قائمة الذات وأداة خطيرة لضبط التوازنات الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية كذلك، داخل مجتمع السجن، حيث يسود ويحكم المعتقلون الذين يملكون "ثروة مادية" تتأتى لهم من خلال ما تحمل لهم أسرهم من "عملات" (سجائر، مخدرات، مأكولات، ملابس، أحذية رياضية، أدوات حلاقة وتنظيف..) يتداولونها في بورصة السجن. إن السجناء الأغنياء الحاملين لسلطة "قفة" حقيقية ومنتظمة، هم الذين يستطيعون أن يفرضوا قوانينهم وأعرافهم ووجهات نظرهم على الآخرين المعدمين الذين يتحولون، بضرورة الحاجة القصوى، إلى خدم ومسخرين وغلمان أحيانا. فالخارج (الأسر) يتحكم، من حيث لا يدري، في داخل السجن، عبر إحداث فئة من المتحكمين الذين يبسطون قراراتهم وتويجهاتهم، ليس فقط على زملائهم المسجونين، بل على موظفين ورؤساء معاقل مستعدين لفعل أي شيء لإرضاء هذه الفئة وتلبية مطالبها، حتى غير القانونية منها، مقابل إتاوات مالية، أو عينية. وسط هذه العلاقات والتشابكات والطحالب الاجتماعية، تولد وتتربى نزعات "الأنا" والشعور بالعظمة والتجبر داخل فئة من السجناء الذين يصبحون "حكاما صغارا" تنتابهم أحلام التمرد والانقلاب على "الحاكم الكبير" (السجان) والخروج عن سلطته. "قفة" بكل هذه الرمزية وهذه الخطورة كان لا بد أن ينتبه إليها محمد صالح التامك، المندوب العام للسجون، محاولا القطع معها بشكل نهائي (رغم طابعها المرتبط بالحفاظ على الروابط الأسرية بين السجين وعائلته)، وتعويضها بتدبير آخر للوجبات الغذائية يعتمد على نظام "التريتور"، بل نظام المطابخ السجنية التي تحوم حولها شبهات انعدام الجودة والفساد. وكشف التامك، في عدد من المناسبات، أن مجموع الزيارات التي يستفيد منها السجناء في عدد من المؤسسات السجنية بشكل مباشر مع ذويهم وأقربائهم، يقارب سنويا المليون زيارة، كما يتوصل السجناء بقفف المؤونة التي يقدر مجموعها سنويا بحوالي مليوني قفة. وأكد التامك أن هذه القفة، التي ضمنها المشرع في القانون في إطار الإمكانية وليس في إطار الإلزام، تطرح إشكاليات عدة، أهمها «استنزاف وقت وجهد عدد هام من الموظفين في التفتيش والمراقبة»، إضافة إلى أنها «تستغل من قبل عدد من الزوار والسجناء لتسريب الممنوعات إلى داخل السجون مع ما تشكله أيضا من خطورة على سلامة الأشخاص والمؤسسات»، علاوى على أنها «تثقل كاهل الأسر المعوزة ماديا وصحيا وتكلفها عناء التنقل بها لمسافات بعيدة أحيانا». وأعلن التامك أن المندوبية العامة، منكبة حاليا على دراسة سبل تدبير القفة بما يكفل الحفاظ على دلالاتها الرمزية حول تكريس الروابط الأسرية لدى السجين، وبما يحد من سلبياتها على مستوى استغلالها لتسريب الممنوعات إلى داخل السجون. يوسف الساكت

القفـة…أداة للتحكـم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تقصيـر فـي التهذيـب

نزلة برد تبعد بوليلة عن الفتيان

مقالات ذات صلة