رسائل العرش إلى من يهمه الأمر

في زمن الثرثرة التي تسِم بنكيران انبعثت صورة اليوسفي تحبل بإشارات إلى الأحزاب انتقل الخطاب الملكي من التلميح إلى التصريح، وبعث إشارات قوية بالصوت والصورة إلى مختلف الفاعلين السياسيين والأحزاب أغلبية ومعارضة. صوت الخطاب حمل رسائل بليغة وتنبيها سياسيا إلى تقديم مصلحة الوطن على الحزب، وجعل المواطن في صلب العملية الانتخابية لأنه وحده من يملك السلطة وله القرار الأخير في اختيار من ينوب عنه في التمثيل البرلماني والتشكيل الحكومي المنبثق، دستوريا، عن البرلمان. صوت/ خطاب الملك تلته الصورة. في مشهد معبر يختزل الكثير من الإشارات والمواقف السياسية والوفاء لرجالات الدولة، وقف جلالته يحتفي بوزيره الأول الأسبق، عبد الرحمان اليوسفي. في سابقة من نوعها يحضر الملك شخصيا تدشين شارع باسم زعيم سياسي، لأن اللحظة عكست الكثير من الدلالات الرمزية والرسائل إلى باقي الزعماء والقيادات الحزبية بشأن النموذج الذي يجب الاحتذاء به. في زمن الثرثرة التي تطبع سلوكات رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، والتنابز بالألقاب بينه وبين باقي الفاعلين الحزبيين، وادعاءاته واتهاماته لباقي الفرقاء السياسيين تارة بالتحكم وتارة بالهيمنة، اختار الملك رجلا من جيل القيادات السياسية التي طبعت تاريخ المغرب. الملك يَرمز بالصورة لتبليغ الخطاب مشهد الملك يحتفي باليوسفي حمل رمزية سياسية وقيما دلالية مكملة لخطاب العرش في زمن الصورة، حمل مشهد الملك إلى جانب وزيره الأول السابق، عبد الرحمان اليوسفي، الكثير من الإيحاءات والرمزية المفعمة بالرسائل الموجهة إلى باقي الأطراف السياسية التي تابعت المشهد. وقد جاءت الصورة تحمل مستويين اثنين، الأول يرتبط بمضمون الرسالة البصرية في أبعادها الفنية والتشكيلية، حيث كان الملك يقف غير بعيد من وزيره، ويحتفي به وهو يصفق إلى جانب المصفقين، بعد إزالة الستار عن لوحة تحمل اسم "شارع عبد الرحمان اليوسفي"، وهو ما يُطلق عليه علماء السيميولوجيا بظاهر الصورة. أما المستوى الثاني، فيرتبط بالتأويل والقيم الدلالية التي ترمز إليها الصورة، كما تناقلتها وسائل الإعلام، ومفادها تكريم لرجل شكل نموذجا للسياسي الحكيم، ورجل الدولة الذي خدمها بعمله، خلال فترة توليه رئاسة الحكومة، وخدمها بصمته حين اختار النأي بعيدا عن ثرثرة المتقاعدين الذين ودعوا السياسة، أو رفضوا أن يودعوها رغم تقدمهم في السن، وبقوا جزءا من التركة التي ورثها الملك عن والده الراحل الحسن الثاني. باستقباله للوزير الأول الأسبق، عبد الرحمان اليوسفي، لحظة تدشين أحد الشوارع وسط مدينة طنجة باسم المناضل الاتحادي، بعث جلالة الملك إشارة قوية إلى زعماء الأحزاب السياسية،. وشكلت لحظة الاحتفاء باليوسفي رسالة قوية إلى القائمين على شؤون الأحزاب، مفادها أن اليوسفي يشكل نموذجا للقيادات السياسية التي يحتاجها المغرب، سيما أن صور التدشين نقلت احتفاء شعبيا وملكيا بالوزير الأول الذي ابتعد عن الأضواء منذ نهاية مهامه الحكومية، ونأى بنفسه عن الخوض في الجدال أو التعليق على الأحداث السياسية من موقع "المتقاعد السياسي". وتناقلت صور تدشين شارع "عبد الرحمان اليوسفي"، الذي يحمل اسم الوزير الأول لحكومة التناوب ما بين 1998 و2002، مشاهد الملك يحيي بحرارة اليوسفي ويقاسمه الاحتفاء بهذه المبادرة الملكية، التي جاءت "تكريما لأحد أبناء طنجة وكبار شخصيات الحركة الوطنية، ورجل الدولة الذي طالما أبان عن تفانيه الكبير وحكمته وتبصره ونكران الذات في الاضطلاع بمسؤولياته". وشكلت هذه المبادرة رسالة سياسية إلى باقي القيادات الحزبية، في ظل حالة التنافر والصراع الذي تعيشه منذ سنوات بسبب الهذيان الانتخابي، ورغبتها في الهيمنة على المشهد السياسي لأغراض حزبية، تضع المصالحة الوطنية جانبا من أجل الظفر ببعض المصالح الانتخابوية الضيقة. واستبق الملك مبادرة التدشين بخطاب ملكي، لمناسبة عيد العرش، وجه فيه تنبيها سياسيا إلى الأحزاب والمنتخبين، إذ رصد قيام البعض "بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين"، منبها إلى "التصرفات والتجاوزات الخطيرة، التي تعرفها فترة الانتخابات، والتي يتعين محاربتها، ومعاقبة مرتكبيها". وقال جلالة الملك إنه "بمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار، التي يمثلها الانتخاب"، داعيا الأحزاب، أغلبية ومعارضة، إلى الكف عن الركوب على الوطن لتصفية الحسابات ولتحقيق أغراض انتخابية ضيقة. وبعد تشخيصه للحالة الانتخابية الحالية، اعتبر الملك أن المغرب "أمام مناسبة فاصلة لإعادة الأمور إلى نصابها، من مرحلة كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة، إلى مرحلة تكون فيها الكلمة للمواطن، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته، في اختيار ومحاسبة المنتخبين"، داعيا "الأحزاب إلى تقديم مرشحين، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن"، مشيرا إلى أن المواطن "هو الأهم في العملية الانتخابية وليست الأحزاب والمرشحون. وهو مصدر السلطة التي يفوضها لهم. وله أيضا سلطة محاسبتهم أو تغييرهم، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم"، داعيا الناخبين منهم إلى "تحكيم ضمائرهم واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها". إحسان الحافظي

رسائل العرش إلى من يهمه الأمر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وصفة ملكية ضد هستيريا الانتخابات

ترانسبرانسي تدخل على خط قضية خدام الدولة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات