الدين في الكتاب المدرسي… خزان البارود !

هل تتضمن المقررات المدرسية تحريضا على العنف؟ لما فيها من دعوات تناقض قيم التسامح والاعتدال، المخالفة نصوصها لوسطية المذهب المالكي. المخاوف من الانحرافات العقدية في التعاليم التي يتلقاها التلاميذ داخل المؤسسات التعليمية، وأثرها على بناء الشخصية المغربية، باتت مثار جدل عقدي وسياسي في ظل تنامي النزعات الإرهابية باسم الدين. البحث في التطرف في مقررات المدرسة العمومية، يدفع إلى الواجهة برامج التربية الإسلامية، خاصة منها في التعليم الأولي لأنها توجه إلى فئات عمرية جاهزة لاستبطان كل تأويل خارج النص يرسخ لديها فهما خاطئا لتعاليم الدين. فالمنهاج الدراسي بهذا المعنى يصبح تعبيرا عن إيديولوجية أكثر منه مادة للدرس. هذا التحول يرصده الأستاذ المكي ناشيد، باحث في علوم التربية، في كتابه «الإرهاب، مغالاة، تعصب وتربية، دراسة تحليلية نقدية للمنهاج التعليمي من خلال الكتاب المدرسي»، قيد النشر. إعداد: إحسان الحافظي لستم أحرارا في أموالكم من بين المواضيع التي تلقن للتلاميذ بشكل سلبي ما يعطل باب الاجتهاد، ويوصد منافذ التفكير والإبداع، نتوقف بالكتاب المدرسي لمادة التربية الإسلامية على موضوع»الاستخلاف في المال في التصور الإسلامي». وموضوع الاستخلاف في الأموال مطروح فقهيا على نطاق واسع، لكن من أي زاوية سيعالجه الدرس المدرسي؟ وهل سيكون لوجهة نظره القدر الكافي من الوجاهة والإقناع؟ أم أنه سيعطل هو الآخر القدرة لدى المتعلمين على التفكير والإبداع والاجتهاد؟ فمن الناحية الفقهية، يكاد الأمر يكون مستهلكا، فالأرزاق كلها قدر من الله تعالى، ولا يد للإنسان في تحصيل الأموال التي يرغب فيها ولو فعل ما فعل من أجل ذلك. وفي هذا السياق، فإننا نجد أن الدرس الديني في مجال ملكية الأموال والتصرف فيها، بقي وفيا للتوجه نفسه المرتبط بالتصور الإسلامي من حيث تحديد علاقة الإنسان بالمال والممتلكات، فهو درس، بالكتاب المدرسي، يحتفظ في سير خطواته على المنهج الرباني نفسه القائم على أساس أحكام الشريعة الإسلامية. وفي هذا الإطار، يتناول المقرر الدراسي هذا الموضوع من قوله تعالى؛»وآتوهم من مال الله الذي أتاكم»(سورة النور. 33)، وهي الآية التي يعتمدها، في الغالب، معظم الفقهاء لتبرير حججهم، والدفع بأفكارهم. يتعرض الكتاب المدرسي (كتاب التلميذ لمادة التربية الإسلامية، الأولى بكالوريا) للموضوع من خلال درس بعنوان «مبدأ الاستخلاف في المال في التصور الإسلامي» وفي هذا الدرس ينطلق من قوله تعالى:»وأنفقوا مما جعلناكم مستخلفين فيه» (سورة الحديد الآية7 ) وقد اعتمد مرجعا في شرح هذه الآية على الكشاف للزمخشري جاء فيه: «يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما ولاكم إياها، وخولكم الاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله»، وبناء عليه، سيكون الدرس الديني، بهذا المعنى، يؤسس لمنظور إسلامي في علاقة الإنسان بالمال يقوم على مبدأ للاستخلاف يرتكز على أساس أن المال ليس من صنيعة الإنسان، وإنما ليس في الأصل ماله، وبالتالي لا حق له في التمتع به كما يريد، وإنما هو مال الله.. إن هذا النموذج من الخطاب الديني المدرسي السائد بمؤسساتنا التعليمية، الرافض لما لدى الإنسان من عقل، والسالب لما لديه من إرادة، لمن شأنه أن يدفع الكثير من المراهقين الشباب المقبلين على الحياة إلى السقوط رهينة الأفكار المحبطة والهدامة، ذلك لأنه خطاب يؤدي إلى شل الرغبة لدى المتعلمين في خلق طموحات مستقبلية والعمل على تحقيقها، لأن المستقبل يصبح مجرد غيب في يد الله وحده، وقد يتساءل المتعلم مع نفسه، لم يتعب ما دامت الأرزاق بيد الله وحده، وهو الذي يمنحها لمن يشاء؟ وأي طموح بعد ذلك يصير بدون جدوى. تنميط الشخصية النموذج السيئ من التنميط للشخصية هو محصلة اعتماد الكتاب المدرسي للتربية الإسلامية لنصوص ثبوتية الأحكام، لا حاجة فيها للتفكير البشري، ولا للإبداع الدنيوي، وكأن واضعي الكتاب ينسون أن أي عمل للإنسان، وما يمكن أن ينتهي إليه من نتائج، هو فعل، في الأصل، بشري، يتحقق من خلال التفاعل الواقعي للفرد مع الحياة الواقعية المعاشة بكل متطلباتها بصرف النظر عن الجانب الديني، والإسلام في جوهره، ينظر إلى نتائج الفعل البشري من جانب مقدار ما يحققه من نفع لعموم الناس في الراهن العاجل، أوفي المستقبل الآجل على حد سواء.

الدين في الكتاب المدرسي… خزان البارود !

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الدار البيضاء وقبائل الشاوية 6

المغرب الأقرب لاحتضان كأس فلسطين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات