دولة القضاة فزاعة ابتكرها الرميد

القاضي السابق قال إن المنظور الملكي كان هدفه إخراج القضاء من رحم السلطة التنفيذية ومن الاستغلال الحزبي قبيل انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ارتفعت أصوات تثير مخاوف بشأن تغول القضاة؟ موضوع تغول القضاة غير مطروح عمليا، لأن السلطة القضائية لم يعترف لها باستقلاليتها سلطة إلا في دستور 2011، لأنها كانت سابقا ومنذ الاستقلال مجرد مرفق عمومي يخضع كسائر المرافق العمومية لوصاية السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل، وحتى بعد المصادقة على قوانين السلطة القضائية وفقا لما أقره المجلس الدستوري فلا يمكن الحديث لا نظريا ولا عمليا بالمرة عن تغول القضاة، لأن السلطة القضائية يرأسها الملك من خلال رئاسته للمجلس وهو الضامن لاستقلال هذه السلطة، فضلا عن أن وجود هيآت الحكامة وممثلي المجتمع المدني بالمجلس شكل من أشكال المراقبة والمحاسبة المجتمعية للسلطة القضائية، باعتبار القضاء شأنا مجتمعيا يخص المجتمع ككل وليس شأن القضاة وفقا للمنظور التقليدي السابق المهجور.إن تغول القضاة عملة كاسدة تروجها وزارة العدل لاستمرار فرض الحجر والوصاية على السلطة القضائية مؤسسات وأفراد، وهذا يعكس غياب الفكر الدستوري لديها لعدم إيمانها باستقلال القضاء لأنها تؤمن فقط بالهيمنة والتحكم لافتقاد مسيرها لأي عقلية قانونية وقضائية معتبرة لغياب الحس العلمي سيما حس رجال الدولة الذين يناضلون في سبيل رفعة الوطن وليس الحزب والعشيرة. هل استطاعت السلطة القضائية أن تحصل على استقلالها الفعلي؟ استطاع المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يحصل على استقلاله الإداري والمالي في تدبير الوضعية الفردية للقضاة دون أن يمكن من سلطة إدارة مرفق القضاء سيما المحاكم إداريا وماليا التي ستظل خاضعة لوزارة العدل، مما يمكن القول إن الاستقلالية المؤسساتية نسبية، وقد تهدد استقلالية القضاء لأن الوزارة قد تستغل الإشراف الإداري والمالي مدخلا للمس بهذه الاستقلالية، وهو ما حذرنا منه، للأسف كانت عقلية تغول السلطة التنفيذية حاضرة في منع بزوغ فجر جديد لاستقلالية مطلقة للسلطة القضائية عن وزارة العدل. ويمكن القول إنه رغم إقرار المجلس الدستوري أن مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، المقرر في الفصل 107 من الدستور، لا يمكن اختزاله في المجلس الأعلى للسلطة القضائية واختصاصاته المحددة في الفصل 113 من الدستور؛ وأن هذا المبدأ لا يمكن إعماله دون توفر المسؤولين القضائيين على صلاحية الإشراف على المصالح الإدارية للمحاكم؛ فإن وزارة العدل انقلبت على هذا المبدأ المكرس في قرار المجلس الدستوري في مشروع قانون التنظيم القضائي وخولت لنفسها صلاحية إدارة المحاكم، مما يبرز حقيقة التغول والالتفاف على قرار نهائي دستوري، استغلالا منها لسلطتها في تقديم مشاريع القوانين في هذه المرحلة الانتقالية دون استشارة المجلس الأعلى للقضاء. هل المغرب يسير نحو دولة القضاة؟ المغرب جرب منذ الاستقلال إلى اليوم دولة وزارة العدل، فكل ويلات المس بالحقوق والحريات كما وثقتها هيأة الانصاف والمصالحة ترجع إليها لأنها تتدخل في استقلالية القضاء وجعلت مرفق القضاء رهينة بيدها لخدمة أغراض الدولة وأهدافها في القضاء على خصومها والتنكيل بهم، وإصلاح القضاء وفقا للمنظور الملكي كان هدفه هو إخراج القضاء من رحم السلطة التنفيذية ومن الاستغلال السياسي والحزبي له، وهو ما تم الوصول إليه نسبيا من خلال قوانين السلطة القضائية وفقا لقراري المجلس الدستوري اللذين جنبا المغرب كارثة دستورية وحقوقية كادت ان تعصف عمليا باستقلال القضاء وبوجود السلطة القضائية، لأن مشاريع القوانين كانت بمثابة ردة وانتكاسة دستورية لا مثيل لها في تاريخ المغرب اعتبرت تكريسا للتغول القديم الجديد لوزارة العدل. بماذا تفسرون وجود شخصيات خارج الجسم القضائي في تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ شخصيا كنت من الأصوات القضائية القليلة التي نادت خلال مناقشة وضع الدستور بتطعيم المجلس بشخصيات ومؤسسات خارج الجسم القضائي، وهو ما استجاب له المشرع الدستوري لأن القضاء صار في جميع دول العالم شأنا مجتمعيا يحتم إشراك المجتمع المدني في المحاسبة والمراقبة والمسؤولية، لأن المتقاضين باعتبارهم مستفيدين من العملية القضائية، يتعين الاستماع إليهم من خلال ممثليهم بالمجلس بخصوص آرائهم حول جودة خدمات العدالة ومسؤولية أطرافها في تحقيق الأمن القضائي وحماية الحقوق والحريات، لأنه ثبت عمليا أن القضاة قد لا يدركون خطورة قراراتهم أو آثارها على المجتمع من غير مساهمة المجتمع المدني فاعلا وشريكا في وضع السياسات العمومية ومنها السياسة القضائية للدولة، باعتباره العين المحايدة الخارجية على الوضع الداخلي للمؤسسة القضائية ومجلسها لا يتقيد بالوضع الهرمي لها وبحساسيتها.والحقيقة أنه ينتظر من مؤسسات الحكامة وممثلي المجتمع المدني والحقوقي تقديم دور كبير في إرساء الشفافية وتكافؤ الفرص وضمان المحاكمة التأديبية العادلة للقضاة، بعيدا عن التحكم والاستهداف، لتكريس استقلالية القضاء وظيفيا وفرديا وإضفاء الطابع الحقوقي على المجلس. ومن خلال منبر جريدتكم نحذر من أي سلطة لوزير العدل في اقتراح تعيين أشخاص موالين له في المجلس، ممن كانوا بمثابة خصوم لاستقلال السلطة القضائية في مناقشات مشاريع الإصلاح القضائي، لأنهم كانوا يكرسون التغول الإداري وتبعية القضاء لوزارة العدل، وهم معروفون لدى الرأي العام القانوني والقضائي، وبمصالحهم مع وزير العدل التي لا تخفى على أحد. رفع اليد عن توجيه القضاة من بين أهم المقترحات لإنجاح الانتخابات المهنية للقضاة هو رفع يد وزارة العدل والمسؤولين القضائيين عن أي توجيه بخصوص التصويت على جمعيات أو أشخاص بعينهم وتنظيم كيفية تعريف القضاة بأنفسهم لدى الهيأة الناخبة باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بمنع أي مظاهر تمس بكرامة القضاء وهيبته سيما القيام بالحملات الانتخابية في الفنادق المصنفة وما يرافققها من الولائم والنفقات التبذيرية التي يثار اللبس حول مصادرها، وتمكين القضاة من وسائل الإعلام العمومية ومن التمويل العمومي، والرقابة على استعمال وسائل الاتصال وبمنع إدخالها أو استعمالها لمناسبة التصويت، ومراقبة أي استغلال لصفة المسؤولية القضائية في توجيه الناخبين والمس باختياراتهم الحرة أو باستعمال وسائل الإدارة القضائية.وفي الأخير نهيب بالجمعيات المهنية القضائية وجمعيات المجتمع المدني وبوسائل الإعلام مراقبة وتتبع هذه الانتخابات وفضح مختلف الممارسات المنافية للمنافسة الحرة والنزيهة لضمان شفافيتها، وشخصيا وبحكم مسؤوليتي في المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، فقد أحدثنا خلية لتتبع هذه الانتخابات ومراقبتها سنمكن كل وسائل الإعلام بتقارير حول سيرها وشوائبها إن وجدت والمسؤول عنها، لأنه يخطئ من يعتقد أنها انتخابات مهنية قضائية خالصة لأنها في الحقيقة انتخابات وطنية ومجتمعية تتعلق بإحدى السلطات الثلاث في الدولة، يلزم التعاطي معها بكل مسؤولية وبضمير ووطنية صادقة للعبور بالقضاء إلى مستوى السلطة القضائية تحت الإشراف الكامل للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حيث لا مكان مطلقا لوزارة العدل. في سطور > دكتور في الحقوق > قاضي الرأي –سابقا-> أستاذ زائر بكليات الحقوق> خبير دولي في قضايا العدالة > الكاتب العام للتحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات> عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية

دولة القضاة فزاعة ابتكرها الرميد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ربورتاج: "الفولارات" التركية موضة المحجبات

"زلزال" بمديرية الموارد البشرية بالأمن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات