أهل فاس يواجهون الحر بالترحال

بعضهم قاوم الحرارة بالوسائل التقليدية اختنقت فاس بلهيب حرارة فائقة زادت اشتعالا منذ حلول رمضان المبارك، ما صعب صيام سكانها، خصوصا الفقراء منهم، وضاعف معاناتهم بحثا عن وسائل تبريد ناجعة كفيلة بتلطيف الجو والتخفيف عن أجساد منهكة، لم تتحمل حرارة فاقت كل الدرجات المتوقعة، سيما في الأيام الثلاثة الأولى لهذا الشهر الكريم. غالبية أهل العاصمة العلمية اعتكفوا بمنازلهم دون أن يغادروها إلا ليلا، لما تخف الحرارة وتنخفض نسبيا درجتها، مفضلين ذلك على الخروج نهارا خوفا من تأثير سخونة الجو على صيامهم، إلا فئة قليلة ممن ارتبطوا بمواعد أو قصدوا إدارات لقضاء أغراضهم، قبل أن يعودوا أدراجهم بمجرد إنجاز المهمة. لذلك بدت أهم الشوارع، سيما بالمدينة الجديدة، نهارا شبه فارغة من المارة إلا من أشخاص متناثرين مهرولين في طريقهم إلى وجهاتهم، وقد تسلحوا بوسائل تقليدية قد تلطف حرارة الجو على أجسادهم، من قبيل وضع قبعات بأشكال وأحجام مختلفة، أو الاستعاضة عنها بقطع ثوب مبللة بالمياه الباردة. المشهد مألوف في غالبية المواقع، واقتبسه حتى الباعة الجائلون بمختلف المواقع المبتلية بالظاهرة، ممن تسلحوا بقارورات الماء لرش الأثواب الموضوعة فوق رؤوسهم، وغسل وجوههم الشاحبة من شدة حرارة الجو الخانق، سيما في الساعات ما بين الظهر والعصر، بل نصبوا خياما من أفرشة نومهم لتغطية أماكن استقرارهم.بعضهم خلد إلى النوم فوق عربته المجرورة المغطاة بشكل حول مواقع إلى ما يشبه مخيمات بعدد متفاوت من الخيام تقليدية التجهيز، في انتظار زبناء لا يتوافدون للتبضع إلا مع اقتراب أذان صلاة المغرب، خاصة بالأحياء شبه الراقية ممن يبدو سكانها أكثر حظا لتوفرهم على أجهزة تبريد راقية أو بسيطة. وعكس ذلك يحترق زملاؤهم بأحياء هامشية تقع في هامش فاس، داخل جدران متراصة فاقدة للتجهيز والتكييف، إلا ما قل منها مجهزة بأجهزة تبريد تكون سببا في نزاعات دامية، كما حدث بحي الضحى، لما احتج جار على جارته مرغما إياها على عدم تشغيله، بداعي تسببه في سخونة جدران منزله المجاور.ويبدو سكان المدينة العتيقة المحاطة بأسوار شامخة من باب الفتوح إلى الرصيف والبطحاء وبوجلود، محظوظين في هذه الأيام الرمضانية المباركة، في ظل برودة منازلهم مقارنة مع تلك بباقي الأحياء، سيما الواقعة في الطوابق السفلى التي عادة ما تكون باردة مشجعة على الاسترخاء في يوم رمضاني قائظ. وتفرض حرارة الجو على سكان مدينة المولى إدريس، الخلود إلى الراحة بمنازلهم نهارا إذ تعيش المدينة خمولا واضحا من ضعف الحركة بشوارعها إلا بالمدينة القديمة وجهة المتبضعين بما لذ وطاب من مأكولات وشهيوات فاسية، بل منهم من يقضي ساعات طويلة في التجول بين دروبها، "باش يجيب نهارو".وثمة فئة أخرى ممن توفرت لها إمكانيات النقل والعطلة، تفضل السفر إلى مدن مجاورة معروفة ببرودة طقسها سيما في إيموزار كندر وإفران وما بينهما من ضايات ومنابع مياه تعرف إقبالا كبيرا، إذ تقضي النهار كله إلى أن يحين موعد صلاة المغرب أو قبلها بساعة أو أكثر، لتعود أدراجها إلى منازلها. وتشكل الوديان والسدود المحيطة بفاس، وجهة عشرات الشباب الباحثين عن وسائل ترفيه وترويح عن النفس في هذه الأيام القائظة، دون مراعاة المخاطر التي تهددهم، باحتمال الغرق بمواقع غير محروسة على غرار وفاة طفل أخيرا، في حقينة سد الكعدة القريب من حي عوينات الحجاج الهامشي.وتفضل فئة أخرى التوجه إلى نهر سبو المرتفعة درجة تلوثه، لقضاء نهار رمضاني في السباحة، ولو اقتضى الأمر جمع مائه في برك خاصة باستعمال الرمل والحجارة في شكل إبداعي فريد، على غرار ذاك لشاب ملأ دراجته الهوائية بالماء بعدما كساها بالبلاستيك، صانعا مسبحا متنقلا لابنيه الصغيرين. حميد الأبيض (فاس)

أهل فاس يواجهون الحر بالترحال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شباب يهربون إلى قنوات الموت

مراكشيون يسخرون من المناخ

مقالات ذات صلة