مات “الزعيم” وبقي “الوهم”

انطفأ الظل، وأغمض "الزعيم" عينيه للمرة الأخيرة، ومازالت الجمهورية مجرد وهم وغبار تذروه رياح مخيمات تندوف ولحمادة التي أعلنت الحداد 40 يوما حزنا على رحيل ثاني رئيس لجمهورية توجد فقط على أوراق وخرائط دول إفريقية وأسيوية وجنوب أمريكية، عرف جنرالات الجزائر كيف يشترون ولاءها مالا وبترولا وغازا متدفقا على حساب معاناة شعب المليون شهيد.قضى محمد عبد العزيز، 50 عاما، يركض وراء ماء في صحراء قاحلة. يلهث وراء شيء ما، كلما اقترب منه وجده مجرد سراب، أو انعكاسا لأحقاد جزائرية دفينة على أرض المغرب وسيادته ووحدته الترابية. وحتى في عز مرضه وغيبوبته، لم يستوعب المراكشي (كما سماه الراحل الحسن الثاني) أنه مجرد زعيم لمجموعة مندفعة من الشباب غرر بهم في لحظة حلم فارقة، حين كانت توزع الأحلام والدول والجمهوريات والكيانات الانفصالية، على مقاس الحرب الباردة.. فانتهت الحرب وسقط الجدار ولم يسقط الوهم.أسلم محمد عبد العزيز الروح، كما أسلمها قبله الوالي مصطفى، وكما سيسلمها الباقون من بعده، وتستمر الحكاية إلى ما لانهاية، دون أن يمس ذلك حبة رمل من صحراء كانت وستظل مغربية بمواثيق العالم وعقود البيعة الوثقى، ودماء الشهداء التي سالت غزيرة في حرب خمس سنوات. كان محمد عبد العزيز مجرد يافع صغير مندفع بأحلام الثورة والتحرر حين انضم في 1973 إلى جبهة تحررية لمقاومة الاستعمار الاسباني في الجنوب المغربي، بدعم من قيادات في جيش التحرير المغربي ومقاومين معروفين في المغرب كانوا لا يتخيلون استقلالا كاملا للمغرب دون تحرير جميع أجزائه.في هذا الجو نشأ "الزعيم" الراحل، الذي رأى النور في 1948 بأحد أحياء مراكش، حيث تابع دراسته الإعدادية والثانوية، قبل انتقاله إلى الرباط لاستكمال مساره الجامعي. ووسط عائلة المناضلين المغاربة تعلم مبادئ النضال الأولى، وقاوم مع زملائه الاستعمار الاسباني، قبل أن تعن لهم فكرة مجنونة، بإيعاز من النظام الجزائري، بتحويل السلاح إلى صدر بلدهم الأم، عبر تأسيس ما يمسى "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا باسم البوليساريو في 20 مايو 1973.بدعم ظاهر من المعسكر الاشتراكي وبعض "الجماهيريات" الناشئة، وبأموال البترول وعائداته التي بدأت تتدفق على جبهة البوليساريو في شكل حسابات بنكية سخية وأسلحة ومعدات عسكرية، بدأ رفاق محمد عبد العزيز يتقوون، ابتداء من 1975، وهي السنة التي التحق فيها الراحل عضوا بالمكتب السياسي للجبهة، وظل قائدا عسكريا في الجبهة حتى انتخابه بعد مقتل الولي مصطفى السيد العربي مؤسس جبهة البوليساريو وأمينها العام في هجوم على نواكشوط عاصمة موريتانيا في 9 يونيو 1976. وفي المؤتمر الثالث لجبهة البوليساريو المنعقد في غشت 1976 عين محمد عبد العزيز أمينا عاما للجبهة ورئيسا لمجلس قيادة الثورة.وفي أكتوبر 1976، عين محمد عبد العزيز رئيسا للجمهورية الصحراوية الوهمية في مؤتمر جبهة البوليساريو الخامس، وهو المنصب الذي استمر فيه "ديمقراطيا" زهاء أربعين سنة، رغم القلاقل والأزمات السياسية الداخلية والمراجعات التي عرفتها الجبهة وظهور قيادات جديدة حرمت من حقها في التعبير عن وجهة نظر مخـــــــــــالفة.عاش المراكشي، خمسة عقود بأوهام "رئيس دولة"، وعلى هذا الأساس ظل يتنقل في أرجاء العالم ببذلته العسكرية مثل ثائر كبير، دفاعا عن انفصال منطقة لم يضع قدماه فيها يوما، واكتفى بتجميع بعض أنصاره في ولاية جزائرية بنى فوقها خياما وسجونا ومخازن لأسلحة مستعملة، و"هونكارات" لمساعدات إنسانية، ما كادت تصل حتى تطير إلى وجهات أخرى، وتتحول إلى حسابات بنكية يملكها قادة البوليساريو في سويسرا وفرنسا وأمريكا وكوبا.يوسف الساكت

مات “الزعيم” وبقي “الوهم”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجزائر تكرس الحجر على "بوليساريو"

محمد عبد العزيز... نهاية صنم

مقالات ذات صلة