مناورات ضد المغرب… أجندات أمريكية

"الفوضى الخلاقة" التي جربتها الولايات المتحدة في الشرق تنقلها إلى المحيط لـ"ابتزاز" حلفائها التقليديين مخطط تقسيم المنطقة العربية بدأ يتململ نحو الفضاء المغاربي، فبعد سنوات من تجريب الولايات المتحدة الأمريكية لمخططاتها التقسيمية جاء الدور على شمال إفريقيا، الذي كان إلى وقت قريب خارج أجندة السياسات الخارجية لواشنطن، باعتباره فضاء ارتبط تاريخيا بالسياسة الفرنسية. الفوضى الخلاقة التي جربتها الولايات المتحدة في الشرق، تسعى اليوم إلى نقلها إلى الغرب العربي، من خلال "ابتزاز" حلفائها التقليديين في المنطقة، على قاعدة ألا صداقة دائمة لأن المصالح ما يحرك السياسات الخارجية لأمريكا. ثلاثة سيناريوهات وراء الأزمة مع واشنطن بين الصحراء وتنويع الشركاء وطمأنة الجزائر راهنت الإدارة على تسميم علاقاتها مع حلفائها في نهاية عهدتها تقرير الخارجية الأمريكية حول الوضع الحقوقي في المغرب، ليس الأول الذي يشن هجوما على الرباط، فقد سبقته تقارير أخرى كانت مثار انتقاد رسمي، إلا أن السياق الزمني للتقرير هذه المرة كان مختلفا، لأنه يرتبط بأجندة جديدة تقوم على "عقيدة أوباما"، عقيدة قوامها أن تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن حلفائها التقليديين في المنطقة. وفي السياق المغربي، يمكن قراءة ما وقع في العلاقات بين الرباط واشنطن، من خلال ثلاثة مؤشرات أساسية، بدأت من مجلس الأمن وتشمل انفتاح المغرب على شركاء جدد، وصولا إلى تسميم العلاقات الثنائية لطمأنة الجزائر.في مجلس الأمن، لم يكن التوتر بين الرباط وواشنطن جديدا داخل أروقة الأمم المتحدة، فقد سبق لمندوب الولايات المتحدة الأمريكية، أن تقدم بمشروع قرار يدفع في اتجاه توسيع صلاحيات بعثة المينورسو للتقرير عن وضعية حقوق الإنسان في الصحراء، كان هذا التوجه دعما للتوجه المعادي للوحدة الترابية، وداعما للمخططات الجزائرية التي راهنت على ورقة حقوق الإنسان من أجل إضعاف الموقف المغربي، أولا، ولفت الانتباه عن جدية المقترح المغربي القاضي منح الصحراء نظام حكم ذاتي تحت السيادة الوطنية. بعد جهد دبلوماسي كبير تراجعت الولايات المتحدة عن مقترحها، لكنها بذلك تكون قد وضعت ملف حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية خدمة لجبهة بوليساريو ولحاضنتها الجزائر. لم تفعل واشنطن الأمر نفسه في التعاطي مع قضية رفض السلطات الجزائرية إحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف.سيناريو جديد سيتكرر في دورة أبريل 2016 بمجلس الأمن، إذ أن واشنطن ستفاجئ الرباط بمقترح لأجل إعادة أفراد بعثة المينورسو الذين طردتهم المملكة من الصحراء، هذا الموقف جاء في سياق توتر في العلاقات المغربية الأمريكية، ليدعم مرة أخرى أعداء الوحدة الترابية عبر ورقة الصحراء التي تحولت إلى "فزاعة" ترفع في وجه الرباط كلما اتجهت نحو تنويع شراكاتها خارج دوائر واشنطن.انفتاح المغرب على شركاء جدد، وعلى رأسهم الصين وروسيا، لم يرض واشنطن التي لا تنظر بعين الرضا إلى الأدوار المتزايدة لهذين البلدين في العديد من المناطق. فنجاحهما راجع إلى الاستقرار السياسي الذي تعرفانه أولا، وإلى التردد الذي تعيشه السياسات الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الحالي، باراك أوباما. الأخير فضل التخلي عن حلفائه التقليديين ورمى بهم في أحضان روسيا والصين وفرنسا، بحكم حالة الانكفاء الذاتي الذي تعيشه واشنطن، بعد وضعية الفوضى الخلاقة التي أحدثتها في كثير من بؤر العالم، وحولتها إلى مناطق توتر وتطاحن طائفي كما في العراق. لقد كانت مناورة الولايات المتحدة الأمريكية جزءا من مخطط لزعزعة الاستقرار، فهي تعرف أن الرباط جزء من تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، وتدرك جيدا أن المغرب حليف استراتيجي في مكافحة الظاهرة في الشرق الأوسط، اليمن، كما في أوربا، عبر التنسيق الأمني مع بلدان أوربية، وصولا إلى الساحل والصحراء التي تحولت إلى خزان بارود بسبب تنامي أنشطة المنظمات الإرهابية.مغاربيا، بعثت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تقريرها المعادي للرباط برسائل طمأنة إلى الجزائر، مفادها أن واشنطن ترعى سياساتها في المنطقة بمنطق المصالح الدائمة وليس الصداقات الدائمة. فالجزائر التي تعيش حالة انحسار شديد بسبب أزمة غياب الرئيس، والتطاحنات الداخلية التي فجرتها إقالة عدد من القادة العسكريين في الجزائر، والأزمات الاجتماعية الناجمة عن تراجع مداخيل صادرات الغاز، كلها عوامل جعلتها تعيش في فوهة البركان بسبب وضعية الاحتقان الاجتماعي (نهج سياسة تقشفية) والسياسية (أزمة الرئاسة) والأمني (صراع بين أجندة المؤسسة العسكرية الجزائري). لقد اختارت واشنطن هذا التوقيت لإرسال إشارات طمأنة إلى السلطات الجزائرية، لأنها تدرك أن ورقة الصحراء هي مصدر إجماع داخل النظام العسكري المعادي للمغرب، فقد لعبت الولايات المتحدة هذه الورقة في مجلس الأمن، كما لعبت ورقة حقوق الإنسان بعدها بأسابيع قليلة، والهدف دعم وضعية الاستقرار في الجزائر بعد أن عزلتها الدبلوماسية المغربية عربيا في ملف الصحراء.إحسان الحافظي

مناورات ضد المغرب… أجندات أمريكية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الناصري:انزعاج من قوة المغرب

مدرسة "تمسولت" العتيقة تؤسس لمرحلة الانفتاح والعصرنة

مقالات ذات صلة