أصوات الحكمة في إدارة ملف الصحراء

سياسيون ومثقفون يدعون إلى حوار مغاربي وتحقيق المصالحة وتفعيل الدبلوماسية الموازية أجمع متدخلون في ندوة "مستجدات الصحراء المغربية" التي نظمها مركز أجيال 21 للثقافة والمواطنة، أخيرا، بالمحمدية، على اعتبار أن القضية دخلت منعطفا جديدا بعد تقرير مجلس الأمن رقم 2285، وما تلاه من مواقف الدول دائمة العضوية في المجلس، وخطاب الملك محمد السادس في الرياض، والتوجه إلى الشراكات الإستراتيجية مع بلدان من خارج الحلفاء التقليديين للمغرب، مثل الصين وروسيا والهند. دعا المشاركون في ندوة المحمدية إلى مواصلة الحوار مع جميع الدول المؤثرة في قضية الصحراء والمعنية بها، بما فيها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، وعلى رأسهم الولايات المتحدة. اليازغي تنبأ بفشل المفاوضات أكد محمد اليازغي، القيادي الاتحادي أن الآفاق المستقبلية في هذا الملف تتمثل أولا في التركيز على تبادل المصالح، التي أصبحت تحكم العلاقات الدولية، وثانيا في استمرار الحوار مع مجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية التي لها مراكز قرار متعددة، ومع الشخصيات الوازنة فيها والأطراف داخل الحكومة والكونغرس.وانتقد اليازغي سلوك الأمين العام الأممي، الذي أصر على زيارة المنطقة، دون المغرب، علما أنه طرف أساسي في النزاع، مؤكدا وجود نية مبيتة لبان كي مون، ستظهر في ما بعد، من خلال تماديه في تصريحات كانت وراء اندلاع الأزمة بينه وبين الرباط.ووجه اليازغي نقدا شديدا لوزير الخارجية والتعاون، الذي كان عليه مراسلة مجلس الأمن كتابيا، عوض الحديث مع بان كي مون، حتى يتم توثيق المراسلة رسميا لدى مجلس الأمن.وقال اليازغي إن قرار مجلس الأمن لم يدن المغرب، كما كان ينتظر الخصوم، وطالب فقط باستئناف الاتصالات مع المغرب، بشأن عودة المكون المدني لمينورسو، وهو المكون الذي لم تعد لديه أي مهمة بعد تعذر إجراء الاستفتاء.وتنبأ اليازغي بفشل المفاوضات الثانية بين المغرب وبوليساريو، كما فشلت في السابق، بسبب تشبث كل طرف بمقترحه، معتبرا أن قرار مجلس الأمن الأخير كان ظرفيا في جزء منه، حيث طغت عليه أزمة طرد المكون المدني للبعثة، ومنح المغرب فرصة للتفاوض مع الأمانة العامة حول عودة أعضائها، خلال الأشهر المقبلة والمهام الموكولة لهم أصلا، بعد فشل القرارات الأممية الداعية إلى تنظيم الاستفتاء في الأقاليم الجنوبية.وأكد اليازغي أن الأمم المتحدة تخلت عن خيار الاستفتاء، بعد تعذر عمل لجن تحديد الهوية، وطرحت المفاوضات بين المغرب وبوليساريو سبيلا للتوصل إلى حل سياسي، تحت إشراف الأمم المتحدة.وجدد اليازغي تأكيده على التمسك بالعلاقات الثنائية مع الجزائر، وإقناعها بالمخاطر التي تتهدد المنطقة برمتها، مؤكدا أن التوتر بين البلدين ليس في مصلحة أحد، وهما محكومان بلعب دور تاريخي في ضمان الأمن والسلم، ومواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة.وطالب بالعمل على حل المشاكل الثنائية بين البلدين بالحوار، والاتفاق علىى ترك ملف الصحراء بيد الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن ما يحدق اليوم بليبيا وتونس، يجعل مسؤوليات المغرب والجزائر تتضاعف 10 مرات، وأن المنطقة مهددة بالانفجار والتشتت، إذا لم يتغلب البلدان الجاران على المشاكل الثنائية.وشدد اليازغي على أهمية ترسيخ الديمقراطية والمواطنة على قاعدة حقوق الإنسان، والتحاور في هذا الموضوع مع أبناء الأقاليم الجنوبية، داعيا الدولة إلى العمل من أجل إرجاع المغاربة المحتجزين في تندوف؛ باعتبار أن مشكل الصحراء إنساني في المقام الأول. أوريد: سياسة الغموض الإيجابيمن جهته، أوضح الكاتب حسن أوريد أن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية حيال ملف الصحراء تتميز منذ 1993 بما يسمى "الغموض الإيجابي"، إذ تبدو مواقفها في صالح المغرب أحيانا، وفي صالح خصوم المغرب، أحيانا أخرى، مبرزا أن هذا الوضع يتطلب مزيدا من الحوار مع واشنطن.ودعا أوريد إلى إيجاد قنوات أخرى لنقاش قضية الصحراء داخل البلدان المغاربية، وخاصة الجزائر، فلا حل بدون جزائر، معتبرا أن قضية الصحراء هي تمظهر لصراع قديم بين البلدين الجارين، مراهنا على مبادرات القوى السياسية والمدنية والمثقفين في فتح هذه القنوات بكل حرية. الدخيل: المواطنة أولاوأكد الدخيل، أحد مؤسسي جبهة بوليساريو، أن المواقف الغربية بشأن قضية الصحراء المغربية تنبني على مصالح تجارية تتخذ في كثير من الأحيان طابعا ابتزازيا، مبرزا أن حل هذه القضية يتأتى من الإرادة في بناء السلم والاعتراف بالآخر وبالمصلحة المشتركة.وأشار إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، هي المنظمة التي أسسها بمعية الصحراويين المغاربة لمحاربة الاستعمار الإسباني، أما "الجبهة الانفصالية الحالية فهي صنيعة الجزائر"، مذكرا أن هذا التوضيح عرضه للسجن بالجزائر في ثمانينات القرن الماضي.وتساءل الدخيل "من يمثل من؟"، مشيرا إلى أن قيادة بوليساريو الحالية لا تمثل كل الصحراويين، إذ هناك 12 ألف صحراوي عادوا إلى المغرب، وهناك آلاف المنتخبين في الأقاليم الجنوبية.وطالب الدخيل بإشراك القياديين الذين التحقوا بأرض الوطن في تدبير الملف، والعمل على تحقيق المصالحة الفعلية، على أساس المواطنة الكاملة لأبناء الصحراء، مشيدا بقرار المغرب المشاركة في اجتماع جنيف الخاص بتقديم المساعدات الإنسانية لسكان مخيمات لحمادة، معتبرا أن ذلك يندرج في إطار حماية الدولة لكرامة المواطن المغربي.وانتقد الدخيل ما أسماه فكر الإقصاء في تعاطي الدولة مع سكان الصحراء، داعيا إلى إصلاح وطني حقيقي يضمن العيش المشترك، والتعامل بنزاهة فكرية مع الملف، وليس بلغة "المونولوغ"، وبناء تصور واضح للمصالحة، لأن فكر الانفصال تنتجه النخب، فيما أغلبية المواطنين تطالب بالكرامة والعدل والشفافية، مؤكدا على أولوية المواطنة أولا قبل الحديث عن الحكم الذاتي. بوطوالة: من أجل دبلوماسية استباقيةوأكد علي بوطوالة، القيادي في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي على ضرورة الربط بين الدمقراطية والتحرير والوحدة، موضحا أنه بدون دمقرطة دول المنطقة المغاربية وإزالة الحواجز لتنقل الأشخاص والبضائع ورؤوس الأموال، لا يمكن للفضاء المغاربي التطور ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، ولا أن يضمن موقعه في المجموعات الصاعدة.وانتقد بوطوالة حكام الجزائر الذين سخروا إمكانيات ضخمة لإضعاف المغرب، من خلال توظيف بوليساريو التي تحولت من حركة سياسية إلى تبني خيار الانفصال، من خلال إحداث دويلة تهدد استقرار المنطقة. وأكد القيادي في حزب الطليعة أن المغرب يواجه مخاطر حقيقية، داعيا إلى الخروج من موقع العمل الاستدراكي إلى الدبلوماسية الاستباقية.وانتقد بوطوالة تعامل الدولة مع قضية العائدين، مطالبا بالتفكير في هيأة وطنية تتكلف بملفهم، وإشراكهم في الدفاع عن القضية، عوض الانفراد بالملف، والذي لم يؤد إلا إلى المزيد من الإخفاقات.وأكد بوطوالة أن النموذج التنموي الذي أعلنته الدولة مبادرة مهمة، لكن يجب إلى جانب ذلك، الاستثمار في الإنسان ومعالجة الاختلالات المسجلة في المجال الحقوقي، ومراجعة برامج التعليم في جوانب التاريخ الوطني. الانتقال إلى المواطنة أكد المؤرخ مصطفى بوعزيز أن الانتقال من الوطن الروحي إلى الوطن الترابي ظل بطيئا، وأن الانتقال إلى المواطنة التي تأسست مع المسيرة الخضراء في 1975 لم يكتمل، منبها إلى أن الوطن بعد المسيرة ظل هشا ومهددا بالتراجع، وهذا كله بسبب التردد الذي طبع عملية العبور إلى المواطنة.وتوقف بوعزيز عند الإرث السلبي الذي راكمته الدولة بخصوص تدبير الملف، سواء في العلاقة مع سكان الصحراء أو مع الجارة الجزائر، مؤكدا أن بوليساريو لم تتحول إلى الانفصال، إلا بعد المسيرة وتوقيع الاتفاقية الثلاثية.وأكد بوعزيز أن النزاع وصل إلى الباب المسدود، وعلى قوى المجتمع أن تقوم بدورها، للدفع من جانبها بسيرورة الحل، عوض البحث عن "انتصارات ظرفية"، لا تخدم سوى مصالح المركب الطاقي والعسكري في الولايات المتحدة، من خلال الدفع في اتجاه إحداث دويلة في الصحراء.وقال بوعزيز إن كلفة نزاع الصحراء باتت مرتفعة، ويجب العمل من أجل تحويل الملف مغاربيا وإخراجه من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، رغم الإقرار بصعوبة هذه المهمة.واقترح تأسيس لجنة للحكماء المغاربيين لقيادة هذا الحوار، والمساهمة في تجنيب المنطقة خطر الانفجار، معتبرا أن إنشاء دويلة في المنطقة يشكل خطرا على الجميع، داعيا إلى الاعتراف بالأخطاء التي مورست في هذا الملف من أجل استعادة أجواء الثقة بين أبناء المنطقة المغاربية. إعداد: برحو بوزياني (تصوير: عبد الحق خليفة)

أصوات الحكمة في إدارة ملف الصحراء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سرقة السيارات... شبح يؤرق الأمن

الوفاء الفاسي وفوسبوكراع إلى القسم الأول هواة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات