“مي فتيحة”…حكاية كل “المحكورات”

مولات البغرير" التي انتحرت دفاعا عن كرامتها تختزل قضية "مي فتيحة"، التي اهتز الرأي العام المغربي بعد إحراقها جسدها احتجاجا على قائد، قصة كل بائع متجول، تطارده من جهة أصوات حاجات الأبناء اليومية، ومن جهة أخرى أصوات الحملات التي تشنها السلطات بين الفينة والأخرى لتطبيق القانون. إلا أنه إذا كان أغلب الباعة المتجولين يلوذون بالصمت، في انتظار أن تشملهم مبادرات لتنظيمهم والاستفادة من محلات تجارية، فإنه بين حملة وأخرى، يثور أحدهم، ويتمرد على قاعدة الصمت ويغادر فورا قاعة انتظار المبادرات، وقد تصل ثورته حد إحراق الذات، كما فعلت "مي فتيحة".هي واحدة من الأرامل اللواتي دفعتهن الحاجة إلى التقلب بين عدة مهن هامشية، من أجل تربية اليتامى، ف"مي فتيحة" ترملت مبكرا، وعاشت وحدها مع طفلتها، قبل أن تنتقل من سيدي قاسم إلى أحد الأحياء القصديرية بالقنيطرة، بحثا عن فرصة أفضل لتنمية مدخولها اليومي. كرست حياتها لرعاية وإعالة صغيرتها، وامتهنت بيع الحلويات لضمان قوتها وتمدرسها. ككل بائعة متجولة تغادر "مي فتيحة" بيتها" بدوار أولاد مبارك، وتتوجه رأسا إلى السوق، لبيع حلوياتها، ثم تعرج على المدارس، وككل بائعة عصفت رياح الحملات الأمنية عد مرات بأحلام "مي فتيحة"، غير أنها كانت تستمد القوة من عيني ابنتها، لتعود من جديد إلى السوق، وأملها أن ترفع مدخولها هذه المرة، لتعويض الخسائر التي ألحقتها بها الحملات.كأنها عملية سيزيفية، تكررت الحملات التي كبدت البائعة خسائر، لتقرر البحث عن بديل لهذه المهنة، فاكترت محلبة وهو المشروع الذي حسدها عليه البعض، فكل بائع متجول يحلم بالحصول على محل لترويج سلعه، وتنمية مداخيله. لم تمر إلا بضعة أشهر، حتى كانت فيها الأرباح أقل مما توقعته المرأة، إلا أنها كانت متفائلة، إلى أن جاء يوم وقعت فيه خلافات مع صاحب المحلبة، ليطالبها بإفراغها.عادت "مي فتيحة" خائبة إلى السوق، وكانت تلك بداية من الصفر بالنسبة إليها، خاصة أنها كانت تطمح إلى بناء البقعة التي استفادت منها في إطار إعادة إيواء سكان دور الصفيح. ولأنها جربت عوادي الزمن وضرباته الغادرة، لم تطل أيام حزن "مي فتيحة"، التي كانت تستقبل زبناءها بابتسامة عريضة، قبل أن يأتي يوم يعدم فيه اليأس هذه الابتسامة، ويدفع "مي فتيحة" إلى حافة الانهيار، إذ لم تعد تتحمل تكبد أية خسائر والبدء في كل مرة من العدم. حجزت عناصر القوات المساعدة سلعتها، ووجهت إليها إهانات، لم تتحملها، لذلك حملت جسدها المتعب، وجرت وراءها شكاياتها الثقيلة، لتطرق باب القائد، عسى أن يرفق بها ويعيد إليها المحجوزات. وجدت المرأة أمامها قلوبا باردة، بل قالت قبل وفاتها إنها تعرضت للصفع، والإهانة والسب، وفي لحظة الانهيار والضياع صبت "مي فتيحة" على نفسها البنزين، وأشعلت النيران، منهية بذلك رحلة معاناة تعيشها كل الأرامل في المغرب.ض. ز

“مي فتيحة”…حكاية كل “المحكورات”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خدم البيوت وأبناء البرلمانيين

"مول الفريز"... "الحكرة" أججت نارا متقدة

مقالات ذات صلة