مجانين في حاجة إلى “عين الرحمة”

جلهم يجهل أصله ومسقط رأسه ويعيشون ظروفا صعبة وآخرون أكثر عنفا تقف السلطات موقف المتفرج حيال عشرات المجانين والمرضى النفسانيين، الذين يغرقون مختلف شوارع فاس، مشكلين قنابل موقوتة يرتقب انفجارها في أي وقت، في غياب أي مبادرة لعلاجهم أو إيوائهم بمراكز خاصة، والنظر إلى أحوالهم المزرية، ب"عين الرحمة" من طرف المسؤولين.في النهار يهيمون بين الدروب، بحثا عن "لقمة عيش"، في فتات القمامة أو ما تجود به عليهم قريحة المحسنين ممن يرأفون لحالهم، قبل أن تزداد معاناتهم ليلا لما تتحول الأركان المنزوية بجانب العمارات، لمأوى مفتوح يفترشون فيه الأرض ويلتحفون السماء المتوجسة أعينهم إليها.الساعة التاسعة والنصف ليلة الأربعاء الماضي، عشاق الريال المشحونة بهم مقهى بشارع الحسن الثاني بفاس، منتشون بانتصاره، غير مبالين بحالة مجنون ألفوا وجوده بالموقع، يلتهم بنهم قطعة خبز سحبها من القمامة، متقدما بخطوات ثابتة بحثا عن مكان آمن يقضي به الليلة الماطرة. يبدو هذا الشاب المجهول الهوية، أنظف و"أعقل" من زملائه، إلا أن حالته هذه لا تستمر طويلا، إذ فجأة قد يتحول إلى أعنف مجانين المدينة، إذ يبدي أحيانا ردود أفعال عنيفة لفظا وحركة. أحيانا يسخر ممن حوله، بشكل تخاله بكامل قواه العقلية. يستفز خلوتهم بتعليقات مازحة، ويسخر من المتبرجات. ولا يتخاذل في إمطار كل ساخر منه، بوابل من السب والشتم صونا لكرامته "الممرمدة" في الوحل، بل يحاول أحيانا إيذاءه بما توفر لديه من أسلحة وحجر. يتحاشى الشاب الحديث عن ماضيه وعائلته، بشكل يوحي بفراره من واقع لا يرضيه، عكس آخر مقتبس اسمه من الحلوى، يطنب في أصله وفصله، وأكثر انسجاما مع محيطه من "العقلاء"، سيما مستخدمي مقهى يجودون عليه بالسجائر والأكل أحيانا، ويبادلهم الحديث بشكل كاشف ل"تعقله". يبدو الشاب الذي يسدل شعر رأسه ولحيته أحيانا، دوما حاملا أغراضه المدسوسة في جيوب ملابسه، بشكل يظهره "رزمة" قماش متنقلة بين أرجاء شوارع المدينة الجديدة، إذ يستقر حيث الأمكنة آمنة ومؤمنة لراحته ونومه رفقة صديقه الذي يشبهه كثيرا.كل صباح يكرر حلقات غضب وهستيريا يكشف عنها بطريقة أعنف من حين إلى آخر، سيما عندما يرفض كل عابر لهذا الموقع تمكينه من سيجارة، حينئذ يلقن حتى المتعاطفين معه، دروسا في نكران الجميل، بل يؤذي نفسه أحيانا.حالته النفسية وسابقيه أقل مأساوية ويمكن علاجها بإيداعهم مستشفى الأمراض العقلية والنفسية ابن الحسن، الذي لم يعد قادرا على استيعاب العدد الهائل من المرضى الوافدين عليه من مختلف المدن المجاورة، سيما من صفرو وتاونات وتازة وبولمان وإفران ومولاي يعقوب.الأمر ذاته ينطبق على شاب أشعث الشعر معروف بارتدائه ألبسة نسائية وهدوئه الحذر رغم ما تخفيه نظراته الحادة إلى من حوله، من غموض، رغم أنه لا يخالط أحدا حتى من أبناء "جلدته"، وحتى وإن التمس المساعدة من عابر، فبصوت غير مسموع، ما يجعل الغموض سمة حالته المرضية.ورغم ذلك فوجه العنف فيه يفجره أحيانا في ذاته، كما آخر أسمر اللون، يحدث أصواتا مزمجرة ترعب البعض أحيانا، على غرار عينات ووجوه جديدة من مجانين أغرقت بهم فاس قبل أسابيع، دون أن تكلف الدولة نفسها، عناء جمعهم وعلاجهم وتطبيبهم تلافيا لأي كارثة إنسانية.ورغم أن أوضاع أمثالهم مفتوحة على كل الاحتمالات ما لم تشمر الدولة عن ساعدها لإيجاد حلول عملية للظاهرة، فإن سلوكات بعضهم تغضب "الأسوياء"، خاصة أن بعضهم يعمد أحيانا إلى نزع ملابسه في الهواء الطلق غير مكترث بمن حوله، كما شاب عوين عاريا بساحة فلورانسا.وتقترح بعض الفعاليات الحقوقية والمدنية بالمدينة تحويل سجن عين قادوس المفرغ من نزلائه والقريب من مستشفى ابن الحسن، إلى مأوى للمرضى عقليا، ولكل المشردين من الجنسين والفئات والأعمار، لتنقية شوارع فاس الغارقة في ظواهر مشينة تخدش سمعتها السياحية والاجتماعية.حميد الأبيض (فاس)

مجانين في حاجة إلى “عين الرحمة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"المارستانات"... المريض التاريخي

الحسين... من سوس إلى بويا عمر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات