المختلون عقليا… مرضى الدولة المتخلى عنهم

بويـا عمـر ينتصـر علـى الـوردي رصال: مبادرة ״كرامة״ فشلت والسبب تهميش العائلات وأبناؤنا يعيشون في الأوساخ والقمل حين وضع الحسين الوردي، وزير الصحة رهان "يا أنا يا بويا عمر"، عرفت الأسر أن بويا عمر باق وأن الوزير سيفشل فشلا ذريعا، وهذا هو الحكم الذي خرجت به الجمعية المغربية لعائلات المرضى المصابين بالأمراض النفسية والعقلية، إذ أكدت رئيستها مالكة رصال، أن الوضع مزر في المستشفيات، وأن أغلبية المرضى خرجوا منها، وضمنهم الحالات المستعصية على العلاج، فيما يعيش الباقون في الأوساخ والقمل والمرض. وقالت رصال إن الضريح باق، لكن تجربة الوزير لم تنجح. تفاصيل أخرى في الحوار التالي: < كيف تقيمون في جمعيتكم مبادرة "كرامة" بعد مرور حوالي سنة على تطبيقها؟< قبل أي تقييم لهذه المبادرة، يجب أن نتحدث أولا عن وضعية المختلين عقليا وعن المرضى نفسيا، لأن هذا النوع من المرضى يغيب عن لائحة أولويات المجتمع والدولة، إذ أن آخر من قد يفكر فيه المسؤولون أو حتى المواطنون هو المريض عقليا. لهذا تجدين الناس وهم يسيرون في الشوارع لا يبالون بالمريض عقليا وهو يبحث في القمامة عما يأكله، أو ممددا على الأرض عاري الجسد، أو يؤذي نفسه، والأكيد أنهم لن ينتبهوا إليه إلا عندما يتحول إلى خطر يهدد حياتهم، ورغم ذلك يفر كل واحد إلى مصالحه ويتركه حيث هو.وهذا الوضع هو نتيجة طبيعية لعدة عوامل، على رأسها غياب تطبيب بمواصفات دولية للمرضى عقليا ونفسيا، والعلاجات المتوفرة في المغرب لا تتماشى مع المعايير الدولية، حتى في أبسط الأمور، أي تصنيف المرضى، إذ إذا زرت مستشفى للأمراض النفسية والعقلية ستجدين جميع أصناف المرض نفسيا وعقليا مختلطة. عدا ذلك هناك مشكل البنيات التحتية، فبخلاف ما هو متوفر في دول أخرى، لا يأخذ المغرب بعين الاعتبار أهمية توفير شروط معينة في البناية لمساعدة المريض على العلاج، فهي عندنا أشبه بمعتقلات ومحتجزات، ولا تتوفر فيها حدائق كبيرة أو أماكن مخصصة للترفيه على المرضى من هذا النوع، ليصبحوا أكثر هدوءا وأقل عدوانية. والاكتظاظ المهول في مستشفياتنا يهدد صحة هذه الفئة من المرضى ولا يساعدها على العلاج، ينضاف كل ذلك إلى مشكل الخصاص الكبير في الموارد البشرية المختصة، بل حتى ما هو موجود منها لم يعد يهتم بالطريقة الصحيحة لمنح المريض دواءه، وهناك خلط حتى في الوصفات. إذن المشكل يتفاقم، ويزداد حدة، بل إن الوضعية ستتفاقم أكثر بتصاعد عدد المرضى نفسيا وعقليا، نتيجة انتشار المخدرات. أما في ما يتعلق بمبادرة كرامة فلن نتردد في جمعيتنا بوصفها ب"الفاشلة"، وكنا نعرف ذلك منذ البداية، غير أننا تمسكنا بقليل من الأمل، وراقبنا الوضع عن كثب، لنصل إلى النتيجة الحتمية التي كنا نعرفها منذ البداية، أي أن الوزير الحسين الوردي أعاد أهالي المرضى نفسيا وعقليا إلى نقطة الصفر، وإلى سنوات طويلة عاشوها في رعب. ويرجع هذا الفشل بالنسبة إلينا إلى سبب رئيسي وهو أن الوزير رفض منذ البداية الإنصات إلينا بإمعان، بل لم يصدق ولم يقتنع بالأسباب التي دفعت العائلات مكرهة إلى نقل أبنائها إلى بويا عمر، وهنا أود أن أؤكد أن 99 في المائة من الآهالي لم ينقلوا أبناءهم إلى الزاوية بدافع الشعوذة أو لاقتناعهم أن الضريح سيشفيهم، بل لأن هذا المكان كان يوفر لنا ما يشبه المراكز لإيواء المرضى خاصة العدوانيين منهم، بعدما جربت العائلات إمكانية علاجهم أو إيداعهم المستشفيات دون جدوى. تجربة كرامة من وجهة نظرنا، بل من عمق التفاصيل التي عشناها ومازالنا نعيشها على شكل معاناة يومية، ستظل فاشلة إلى أن يقتنع المسؤولون بأن إهمال وتهميش العائلات هو سبب هذا الفشل، وإلى أن يعرفوا أنه بدون الاستعانة بخبرة المحتضنين السابقين لنزلاء بويا عمر، سيكون هذا المشروع بمثابة صب الماء في الرمل، وكذلك إلى أن تقرر الوزارة تخصيص مساعدة للعائلات أولا، بدل صدمها بمشاريع قوانين لا تتناسب وخصوصية بلدنا.< في السياق نفسه، هل صحيح أن قانونا جديدا سيلزم العائلات بالاحتفاظ بمرضاها في الفترة المسائية وإعادتهم إلى المستشفى نهارا لتلقي العلاج، وكيف كان ردكم على هذا الإجراء الذي يمنع في الوقت نفسه الأطباء من الاحتفاظ بالمرضى ، بل يفرض عليهم عقوبات إذا خالفوا مضامين القانون؟< هذا صحيح، وهنا الوزارة تزيد همومنا وتدفعنا إلى الهاوية، لأنه لا يوجد أم أو أب يتخلى عن فلذة كبده بدون مبرر قاهر، فأبناؤنا، خاصة المرضى عقليا والعدوانيون بشكل خاص، يشكلون خطرا ليس على حياة أفراد الأسرة فحسب، بل حتى على المواطنين، وأتحدث هنا عن الحالات المستعصية، التي لا ينفع معها أي علاج، ولا يستقيم وجودها في البيت ضمن عائلة مع حق هذه الأخيرة في العيش بكرامة وبدون خوف أو خطر يتهددها في كل دقيقة، لأن هذا النوع من المرضى، قد يضحك معك لساعات، ثم يتحول فجأة إلى خطر حقيقي كما حدث في مجزرة إقليم الجديدة. وهنا أتساءل كيف يلزم الوزير بقانونه الجديد الأطباء بعدم الاحتفاظ بالمرضى وهو يعرف أن الأسر لن تتمكن من عيش التجربة نفسها واحتضان مرضاها عقليا ليلا، فهذا برأينا تخل عن مسؤولية الدولة في حماية الأسر والمواطنين من الخطر المحدق بهم واستهتار بأمنهم، بل استهتار أيضا بحياة هؤلاء المرضى أنفسهم، وقد عشنا تجربة شاب انتحر بعد طرده بطريقة غير مباشرة من مركز إيواء نقل إليه في إطار مبادرة كرامة، إذ منحته طبيبة إذن الخروج وهو مريض. ما أريد الإلحاح عليه هنا هو أن الوزارة في تعاملها مع هذا الملف تهمل العناية بعائلات المرضى ، الذين أصبحوا هم الآخرون يعيشون مشاكل وأمراضا نفسية نتيجة هذا المشكل، فهم من جهة منبوذون من المجتمع ومن وسطهم العائلي بسبب مرض أحد الأبناء، ومنبوذون من قبل الدولة، التي لا تهتم لمعاناتهم اليومية. < هل تمكنت جمعيتكم من مد جسور التواصل مع وزارة الصحة لشرح وضعيتكم؟< لا تهتم الوزارة اليوم إلا بإصدار القوانين ومن خلالها تقابلنا بكلمات جافة، فكل ما سمعناه إبان تنفيذ عملية كرامة هو الوعود، واليوم نعيش الواقع المر. هذا لا يعني أنه لا توجد بعض المندوبيات التي تنصت إلى مشاكل وتحاول حلها، كما أن مسؤولين ببعض المستشفيات يتقبلوننا بينهم ويسمحون لنا بتنظيم بعض الأنشطة، لكن هذه حالات استثنائية، لو حاول الجميع أن ينصت إلينا لكنا اليوم بصدد بناء مركز لاستقبال المرضى، لأننا طالبنا بتوفير العقار، فيما لدينا القدرة على جلب محسنين للتكفل بمصاريف البناء، كما أننا مستعدون لتنظيم أنشطة داخل المستشفيات، ولكن لا يسمح لنا بذلك. < ماذا عن وضعية النزلاء اليوم في المستشفيات؟< أفضل أن أجيب على هذا السؤال بإجراء مقارنة بين ما كان يعيشه أبناؤنا داخل بيوت المحتضنين في بويا عمر وبين ما يعيشونه اليوم، فهم كانوا في الأولى يستحمون مرة في الأسبوع، ويقومون بعدة أنشطة تساعدهم على تصفية أذهانهم وتهدئتهم، واليوم يعيشون في الأوساخ والاكتظاظ والقمل، بل حتى الذين لم يكونوا منهم مدخنين أصبحوا كذلك. والغريب أنهم وهم داخل المستشفيات أصبحوا يعانون من الأمراض، وهناك حالات تحدثت عائلاتها عن تعرضها للاغتصاب، وعن العنف، بل إن مريضة في مراكش انتحرت في المستشفى. المختفون < تتحدث بعض العائلات عن إجبارها من قبل بعض الأطباء والممرضين على تسلم أبنائها المرضى بعدما تعهد الوزير بالتكفل بهم، خاصة الحالات المستعصية مدى الحياة؟< ما يمكنني أن أؤكده لك اليوم هو أنه من بين 800 نزيل كانوا في بويا عمر، لا يوجد اليوم إلا حوالي 250 في المستشفيات، فأين هم الآخرون. كما أنه تردنا شكايات بعض الأسر التي تؤكد أن الأطباء يلزمونها بتسلم أبنائها بمبرر أنهم عولجوا، كما حدث في المحمدية، التي تلقت فيها الأسر تهديدات بطرد جميع النزلاء في رمضان. وهناك حالات مرضى عقليا سلمهم الأطباء وثيقة الخروج وتركوهم يغادرون، منهم حالة مريض لم تجد له أسرته أثرا إلى اليوم، وساعدتها الجمعية في عمليات البحث دون جدوى. كما يتعرض بعض النزلاء لضغط كبير ينقلونه إلى أسرهم لإجبارها على توقيع التزامات بأنها ترغب في تسلم أبنائها وإعادتهم إلى البيت، وبالفعل استسلم بعضها ويعيش اليوم المعاناة نفسها التي كانوا يعيشونها قبل تجربة بويا عمر. أجرت الحوار : ضحى زين الدين

المختلون عقليا… مرضى الدولة المتخلى عنهم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لحرش... خامس ديربي للمحامي

توشاك: مفتاح الفوز باللقب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات