العياشي: أزمة القضاء في تراجع مؤشر الثقة

نائب وكيل الملك بسلا قال إن للأخلاق المهنية دورا في ضمان محاكمة عادلة أجرت الحوار: كريمة مصلي يرى يونس العياشي، نائب وكيل الملك بابتدائية سلا، أن الحديث عن المحاكمة العادلة يجب ألا يقتصر على القضاء باعتباره الجهة الموكول لها أمر تصريف شؤون العدالة وحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات، وأضاف في حوار مع «الصباح»، أن المشكل يكمن في أزمة أخلاق تؤثر بشكل سلبي ، إذ أن التفكير في توفير الأمن القانوني رافعة في تحقيق الأمن القضائي وضمان محاكمة منصفة للمرتفقين، لن يستقيم ما لم يصاحبه تأهيل للعنصر البشري. هل تعيش المحاكمة العادلة اليوم أزمة تجعل منها أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة ؟ إن الحديث عن المحاكمة العادلة يحيلنا إلى الحديث عن القضاء، باعتباره الجهة الموكول لها من حيث المبدأ أمر تصريف شؤون العدالة وحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات. وأعتقد أن أزمة القضاء المغربي تكمن في تراجع مؤشر الثقة فيه يوما بعد يوم حسب ما تتضمنه التقارير الدولية المنجزة في الموضوع وهو ما ينعكس على صورة المغرب في الخارج سواء على مستوى الحقوق والحريات الأساسية المكفولة للمواطن المغربي، أو على مستوى المناخ الملائم والصحي لاستقطاب الاستثمار وجلبه، والمعول عليه أساسا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة، بتحقيق الاستقرار وتخفيض معدل الجريمة ببلادنا، فالقضاء النزيه والمستقل والمحايد أصبح اليوم أحد محفزات الاستثمار ومجالا حقيقيا في التنافسية لاستقطابه،وإحدى ضمانات الاستقرار، إلا أن أزمة ثقة يعيشها قضاؤنا والتي يتهم فيها بعض القضاة -وليس كلهم - من خلال بعض الممارسات المنافية للأخلاق. ماذا يعني ذلك هل هناك أطراف أخرى؟ بالفعل أعني أن هناك أطرافا أخرى متدخلة ومؤثرة في العملية القضائية يجب أن يشملها الإصلاح، وأن يتم الاهتمام بها على مستوى التخليق، وهذا ما فطنت إليه واهتدت إليه الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة التي ترأسها وزير العدل والحريات بتكليف من القاضي الأول الملك محمد السادس، وذلك من خلال إشراك كل الفاعلين الذي لهم ارتباط بالعدالة من هيآت ومنظمات حقوقية ونقابات مهنية، فالأزمة اليوم في كل المجالات وليست في القضاء وحده. هي أزمة أخلاق وذوق ليس إلا. من هنا ينبغي التساؤل في ما إذا كان للأخلاق المهنية دور في ضمان محاكمة عادلة واعتبارها رافعة في بناء دولة القانون. كيف يمكن للأخلاق أن تلعب دورا في ضمان محاكمة عادلة ؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل ينبغي التعريف بالمهن القانونية والقضائية. نقصد بها بكل إيجاز كل مهنة نظمها القانون لتكون في خدمة العدالة ومساعدة للقضاء، والمهن القانونية والقضائية بهذا المعنى كثيرة في الواقع العلمي وهي واردة في القانون على سبيل الحصر كمهنة المحاماة ومهنة التوثيق العصري وخطة العدالة أو ما يعرف بالتوثيق الشرعي أو العدلي ومهنة النساخة ومهنة المفوضين القضائيين ومهنة الترجمة، أما الخبرة فهي مهمة وليست مهنة كما يعتقد البعض عن خطأ. كل المهن القانونية والقضائية السالف ذكرها تتضمن أحكاما خاصة بالحقوق وبالواجبات والتي يجب احترامها من قبل الممارس لها، وذلك تحت طائلة الجزاء المقرر في قانون المهنة نفسها أو في القواعد العامة سيما قانون العقوبات. ويكفي للوقوف على تلك الواجبات المفروضة على ممارسي تلك المهن الرجوع للنصوص المنظمة لها، على أن ثمة مهنا وإن كانت لا تدخل ضمن المهن القانونية والقضائية، فإن تأثيرها في العمل القضائي سيما في الميدان الجنائي، أمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان، ونخص بالذكر هنا مهنة الصحافة بكسر حرف الصاد، وعمل الضابطة القضائية ومهنة الطب فالأخلاق المهنية لممارسي هاته المهن لها من التأثير على ضمانات المحاكمة العادلة، ما قد لا يثبت لغيرها من المهن الأخرى سيما على مستوى قيام المسؤولية الجنائية وإثبات عناصرها التكوينية. هل من تأثير للسلطة الرابعة (الصحافة) على ضمانات المحاكمة العادلة؟ كثيرة هي الوقائع الإجرامية والتصريحات التمهيدية والتحقيقات الإعدادية التي نشرت على صفحات الجرائد وعلى شبكات الانترنيت والتلفزة قبل إحالة المسطرة على النيابة العامة ، فيصدر الرأي العام أحكاما مسبقة تؤثر على القضاء بشكل أو بآخر، ومعلوم أن المادة 15 من ق م ج تنص صراحة على أنه «تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية، كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي». واحترام سرية البحث من قبل ضباط الشرطة القضائية ومعاونيهم هو احترام لقرينة البراءة المقررة في المادة 1 من قانون المسطرة الجنائية، والذي لا ينبغي التشويش عليه أو التقليص منه بدعوى تحقيق سبق صحفي، وقد اعتبر مصطفى اليرتاوي -وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرماني في مقال متميزة له انطلاقا من تجربة في تطبيق قانون الصحافة - ، ونحن نشاطره الرأي ، أن لكل سلطة منطقها في العمل ، فالقضاء يعمل في صمت ويعتمد على عنصر الوقت لإظهار الحقيقة والوقوف على جوهر القضية ، في حين يكسر الإعلام حاجز الصمت والسرية ويخترق عنصر الزمن للحصول على السبق الصحفي، مؤكدا أن هناك ضوابط قانونية من المفروض أن تؤطر التغطية الصحفية للشأن القضائي مع تحديد طبيعة المعلومات القضائية المسموح بها؟إذا كان التعبير يتطلب توفر هامش من الحرية ، فإن هذه الحرية ليست مطلقة عندما يتعلق الأمر بمرفق القضاء وبتصريف أمور العدالة ، وبالتالي فإن حرية التعبير التي هي جوهر عمل الصحافة مقيدة بعدم المساس بحقوق أخرى أهمها احترام قرينة البراءة واحترام الحياة الخاصة للأفراد. وانسجاما مع المبدأ نفسه، تم التنصيص في مسودة مدونة الصحافة على حماية الحياة الخاصة للأفراد، واعتبر تدخلا في الحياة الشخصية كل تعرض للحياة الخاصة لشخص يمكن التعرف عليه ، وذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية لأشخاص تتعلق بحياتهم الخاصة، مالم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة. حق أريد به باطل إن انفتاح القضاء على وسائل الإعلام يجب ألا يكون حقا أريد به باطل، لذلك يجب أن يخضع هذا الحق لضوابط، سيما وأنه مرتبط بالحياة الخاصة للأفراد من جهة وبسرية التحقيق وضمان عدم التأثير على القضاء من جهة أخرى، من خلال التغطية الإعلامية التي في كثير من الأحيان تفتقد للحرفية والمهنية والتجرد والحياد. وهو ما حدا بالمشرع الدستوري من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 109 إلى معاقبة محاولة التأثير على القضاء بطرق غير مشروعة. وقد كانت المادة 15 من الصيغة الأولى لمسودة مشروع المسطرة الجنائية تتضمن مقتضى يسمح للنيابة العامة وحدها بإطلاع الرأي العام على القضية والإجراءات المتخذة فيها، دون تقييم الاتهامات الموجهة إلى الأشخاص المشتبه فيهم أو المتهمين، ويمكن للنيابة العامة أن تأذن بذلك للشرطة القضائية ، إلا أن هذا المقتضى تم حذفه من الصيغة الجديدة للمسودة والمعروضة للنقاش العمومي، ولا ندري مبررات هذا التراجع. الأمن القانوني لتحقيق الأمن القضائي الأزمة اليوم هي أزمة أخلاق وأزمة قيم وأزمة ذوق ، وليست أزمة قوانين وأنظمة فالسعي نحو توفير الأمن القانوني رافعة في تحقيق الأمن القضائي وضمان محاكمة منصفة للمرتفقين، لن يستقيم البتة مالم يصاحبه تأهيل للعنصر البشري سواء كان ضابطا للشرطة القضائية أو قاضيا أو محاميا أو طبيبا أو موظفا بكتابة الضبط أو صحافيا أو موثقا أو عدلا أو مفوضا قضائيا ... بتكوينه تكوينا رصينا و بتربيته على القيم والمبادئ وعلى حب الوطن وعلى الإخلاص في العمل لله تعالى وأختم بقول الشاعر أحمد شوقي :»إنما الأمم الأخلاق ما بقيت _ فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا. في سطور - دكتور في الحقوق - نائب وكيل الملك لدى ابتدائية سلا - أستاذ القانون الجنائي والمسطرة الجنائية بكلية الحقوق الرباط أكدال

العياشي: أزمة القضاء في تراجع مؤشر الثقة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

زوجات عاهرات بالإكراه

إدانة مستخدم بوكالة مالية ببني ملال

مقالات ذات صلة