“بيجيـدي”… السياسـة بالتحكـم

الحزب الأغلبي يقود حملات تستهدف السيطرة وضرب التعددية السياسية تحول حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، من خطاب المظلومية في مواجهة من أسماهم بنكيران التماسيح والعفاريت، إلى ممارسة التحكم، بعد أربع سنوات من تدبير الشأن العام، في هجوم اعتبره معارضوه تغولا، يستهدف بسط الهيمنة على مؤسسات المجتمع والدولة، وتهديد مكتسبات البلاد في التعددية السياسية ودولة المؤسسات. انتخابات 2015... الهيمنة باسم الديمقراطية أبانت الانتخابات الجماعية الأخيرة عن توجه قوي لحزب العدالة والتنمية، نحو التسيير المنفرد لعدد من الجماعات الترابية. وإذا كانت نتائج هذه الاستحقاقات قد وضعت الحزب في موقع يسمح له بالتسيير دون تحالف مع باقي الأحزاب، فإن تفضيل «بيجيدي» لهذا الخيار يعكس رؤية اختزالية للعمل السياسي، ورغبة في الانفراد ضدا على منطق التحالف الحكومي نفسه. إن وجود العدالة والتنمية في «الإدارة» وفي المجالس الجماعية يقوي حظوظه في الانتخابات البرلمانية المقبلة. إستراتيجية "التحكم" في تحالف الأغلبية لقد أفرزت نتائج الانتخابات الجماعية 2015، اكتساحا كبيرا للوائح حزب العدالة والتنمية بعدد من الدوائر الانتخابية على امتداد المدن الكبرى. وقد كانت مقاطعات الدار البيضاء شاهدة على نهج الإقصاء والاستبعاد الذي سلكه مستشارو الحزب في تشكيل مكاتب المجالس. فباستثناء دعم «بيجيدي» لمرشح التجمع الوطني للأحرار في ثلاث مقاطعات بالعاصمة الاقتصادية، حاز مرشحو «بيجيدي» على أغلبية مكاتب مجالس المقاطعات بعدد من الدوائر، ما مكنهم من العبور سريعا نحو رئاسة مجلس مدينة الدار البيضاء في تحالف شكلي ضم الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار وحزب التقدم والاشتراكية. توزيع تمثيلية الأحزاب الممثلة في مجلس المدينة، بعد احتساب مقاعد مجالس المقاطعات، أعطى لحزب العدالة والتنمية أغلبية عددية بـ74 مقعدا.النتيجة أن العدالة والتنمية استطاع أن ينتصر على نمط الاقتراع في هذه الانتخابات، وأن يربك حسابات كل أولئك الذين راهنوا على نظام الاقتراع من أجل وقف زحف «بيجيدي»، فالنظام يبدو من تفاصيله أنه صمم لئلا يفوز أي حزب بأغلبية مطلقة في تسيير مجالس المدن والجماعات، غير أن الذي وقع أن نتائج التصويت قلبت الحسابات، فحزب العدالة والتنمية، وبناء على نتائج انتخابات مجالس المقاطعات في الدار البيضاء، لم يكن بحاجة إلى التعاقد السياسي مع حلفائه داخل الأغلبية الحكومية من أجل الظفر بعمودية العاصمة الاقتصادية، وإنما جاء إشراكه لأحزاب التحالف الحكومي رسالة على تماسك كتلة الأغلبية التي تسير الشأن العام بعد انتخابات 2011.حافظ العدالة والتنمية على المنهاج نفسه في التعاطي مع تشكيل مجالس المقاطعات، فنهج مرشحوه ديمقراطية تحكمية تقوم على إقصاء مرشحي باقي اللوائح الحزبية للمعارضة، من المشاركة في إدارة الشأن المحلي، رغم أن بعض هؤلاء المبعدين اليوم كانوا شركاء لمرشحي «بيجيدي» في تجارب التسيير الجماعي لعدد من مجالس مقاطعات الدار البيضاء منذ 2009، إلا أن الحزب الأغلبي فضل التخلص منهم تارة، أو وضع شروط مسبقة لمشاركتهم تارة أخرى. وهكذا ترأس مستشارو «بيجيدي» 12 مجلس مقاطعة من أصل 16 مقاطعة بالدار البيضاء، إذ تنازلوا عن مقاطعات عين السبع ومرس السلطان وآنفا لمرشحي التجمع الوطني للأحرار، بينما آلت رئاسة مقاطعة بنمسيك للاتحاد الدستوري بعد حيازته لأغلبية عددية. الجماعات بوابة الاكتساح في الانتخابات يعيب الكثيرون على العدالة والتنمية أنه فضل التسيير منفردا رغم أن باقي الأحزاب، أشركته في التسيير بعد نتائج الانتخابات الجماعية لسنة 2009، وذلك رغم أن عددا من هذه التنظيمات السياسية لم تكن في حاجة إلى مستشاري «بيجيدي» لاستكمال الأغلبية العددية. لكن البعض يعتبر أن هذا التوجه لا يخالف قواعد الديمقراطية، فالحزب حاز رتبا أولى بأغلبيات مريحة وله الحق في التسيير منفردا، فيما يراهن العدالة والتنمية على هذه المجالس لتكون بوابته نحو «غزوة» برلمانية جديدة تبقيه على رأس الحكومة لولاية ثانية.غير أن سيناريو «التحكم الديمقراطي» تكرر بعدد من المدن الكبرى، التي حازت فيها لوائح «بيجيدي» على أغلبية عددية، ذلك أن الحزب كلما وجد أنه ليس في حاجة إلى التحالف إلا وفضل التسيير الانفرادي وحرم باقي المرشحين من المشاركة في تدبير الشأن العام، بينما ربط تحالفات من داخل وخارج التركيبة الحكومية في سبيل تحقيق أغلبيات مريحة تقوده إلى رئاسة المدن الكبرى. وهو السيناريو الذي تكرر في مدينة طنجة حيث تحالف العدالة والتنمية مع الاتحاد الدستوري، من المعارضة، بينما حافظ على تحالفاته الطبيعية من داخل الأغلبية بعدد من المدن الكبرى.تقدم «بيجيدي» بالمدن الكبرى يخدم الحزب في الانتخابات التشريعية المقررة يوم 7 أكتوبر المقبل، وهي الحسابات التي يبدو أنها كانت وراء إقصاء مرشحي الحزب لباقي الأحزاب في تشكيل الأغلبيات المسيرة للمجالس الجماعية أو لمجالس المقاطعات، ذلك أن التسيير الجماعي يشكل مدخلا رئيسيا نحو استقطاب مزيد من الأصوات الانتخابية في الاستحقاقات البرلمانية العامة. وفي هذا السياق، يبدو أن رهان «بيجيدي» على المجالس الجماعية يخدمه لأجل تحقيق نتائج متقدمة في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي يعول عليها من أجل الإبقاء على حظوظه في رئاسة الحكومة لولاية ثانية، خاصة أن الإشارات الصادرة عن قيادة «بيجيدي» تذهب في هذا الاتجاه، وكان آخرها ما صرح به رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، حين قال أنه سيطلب من الملك التمديد لوزيره في العدل، مصطفى الرميد، وهو التمديد الذي لن يتحقق إلا بناء على ما ستسفره عنه نتائج انتخابات مجلس النواب المقبل.إحسان الحافظي

“بيجيـدي”… السياسـة بالتحكـم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيران... رجل التحكم الأول

توقيف قائد متورط في فضيحة أخلاقية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات