كثيرة هي الجرائم التي ترتكب تحت تأثيرات خارجية يكون فيها الجاني خارج الإرادة أو السيطرة ما ينعدم معه القصد الجنائي، هذا النوع من الجرائم أحاطه المشرع بتدابير خاصة للوقوف على مدى السلامة العقلية للجاني وقت ارتكاب الفعل الجرمي، ومنح المشرع النيابة العامة وقضاء الموضوع حق الوضع تحت المراقبة القضائية للشخص المشتبه في أنه ارتكب جريمته دون إدراك.التدبير الذي منحه المشرع للقضاء في طريقة التعامل مع هذا النوع من الجناة، غايته الحماية المزدوجة سواء لمرتكب الجريمة أو المحيطين به، بالنظر إلى أنه إذا كان يعاني اضطرابا نفسيا أو خللا عقليا فإن من شأنه أن يشكل خطرا على المعتقلين الذين يوضع معهم خلال مراحل المحاكمة، ومن ثم نص الفصل 75 من القانون الجنائي، على أن الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية هو أن يوضع شخص في مؤسسة مختصة، بمقتضى قرار من محكمة الموضوع إذا كان متهما بارتكاب جناية أو جنحة أو بالمساهمة أو المشاركة فيها، ولكنه، كان وقت ارتكاب الفعل، في حالة خلل عقلي ثبت بناء على خبرة طبية، واستوجب التصريح بانعدام مسؤوليته مطلقا وإعفاءه من العقوبة التي قد يستحقها وفق القانون. أما الفصل 76 من القانون نفسه، فقد أفاد بشأن الخبرة الطبية أنه إذا تبين لمحكمة الموضوع، بعد إجراء خبرة طبية، أن الشخص المتابع أمامها بجناية أو جنحة، كان عديم المسؤولية تماما وقت ارتكاب الفعل بسبب اختلال عقلي، فإنه يجب عليها، أن تثبت أن المتهم كان، وقت الفعل، في حالة خلل عقلي يمنعه تماما من الإدراك أو الإرادة، وأن تصرح بانعدام مسؤوليته مطلقا وتحكم بإعفائه، وأن تأمر، في حالة استمرار الخلل العقلي، بإيداعه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، ويبقى الأمر بالاعتقال ساريا على المتهم، إلى أن يودع فعلا في تلك المؤسسة. ويستمر الإيداع القضائي بالمؤسسات العلاجية طالما استوجب ذلك الأمن العام وعلاج الشخص المودع بها والذي يبقى تحت الملاحظة، ويجب فحصه كلما رأى الطبيب المعالج ضرورة ذلك، و كل ستة أشهر، وإذا استقر رأي الطبيب المعالج على إنهاء الإيداع، فإنه يجب أن يخطر بذلك رئيس النيابة العامة بمحكمة الاستئناف الذي له أن يطعن في قرار الإخراج في ظرف عشرة أيام ابتداء من تسلمه ذلك الإخطار. ويلزم الفصل 78 من القانون الجنائي محكمة الموضوع إذا قررت بعد الخبرة الطبية، أن مرتكب جناية أو جنحة، رغم أنه قادر على الدفاع عن نفسه في الدعوى، إلا أنه كان مصابا وقت الأفعال المنسوبة إليه بضعف في قواه العقلية يترتب عليه نقص مسؤوليته، أن تصرح بأن مسؤوليته ناقصة بسبب ضعف في قواه العقلية وقت ارتكاب الفعل، وأن تصدر الحكم بالعقوبة، وأن تأمر، إذا اقتضى الأمر ذلك، بإيداع المحكوم عليه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، قبل تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، ومدة بقائه في هذه المؤسسة تخصم من مدة العقوبة، وينتهي إيداعه في المؤسسة. أما إذا قررت المحكمة بعد الخبرة الطبية، أن الشخص المتابع لديها بجناية أو جنحة كامل المسؤولية أو ناقص المسؤولية بالنسبة إلى الوقائع المنسوبة إليه، ولكن بسبب خلل في قواه العقلية طرأ عليه أو اشتد أثره بعد ارتكاب الفعل، أصبح غير قادر على الدفاع عن نفسه في الدعوى، فإنه يجب عليها، أن تقرر أن المتهم عاجز عن إبداء دفاعه بسبب خلل في قواه العقلية، وأن تأمر بوقف النظر في الدعوى، وأن تأمر بإدخاله في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، ويبقى الأمر بالاعتقال ساريا بالنسبة إلى المتهم حتى يتم إيداعه فعلا. كريمة مصلي