أحياء بني مكادة بطنجة تتنفس الجريمة

نقص الإمكانيات المادية واللوجستيكية سبب في تراجع الوضع الأمني بالمدينة تعد منطقة «بني مكادة» بطنجة، نقطة أمنية سوداء بالمدينة، نظرا لما تعرفه من ارتفاع واضح في معدلات الجريمة، كالسرقة والاعتداء على المواطنين، وكذا السطو المسلح على المساكن والمحلات التجارية، بالإضافة إلى الجرائم التي يتم فيها القتل والتنكيل بالجثث بدم بارد، لدرجة أصبح كثير من المواطنين يعتبرون السكن بها أو المرور ليلا عبر أزقتها يدخل في خانة المغامرة. يخلف عدد من المظاهر الإجرامية والممارسات السلبية، قلقا واستياء بالغين لدى سكان بني مكادة، خصوصا أحياء بئر الشيفا والسانية والشوك وبن صالح وموح باكو وسيـــدي إدريس... الذين تولد لديهم إحساس بالخوف على ذواتهم وأبنائهم، سيما الضحايا من الفتيات والنساء اللواتي يعملن في المناطق الصناعية وتعرضن للسطو على ممتلكاتهن أثناء عبورهن في الصباح الباكر وأثناء ارتباطهن بالتوقيت الليلي في إطار العمل بالتناوب. ولعل الشهور الأخيرة، التي عاشت خلالها المنطقة على وقع سلسلة من الجرائم المتواصلة، التي نفذها مجرمون من أجل السرقة أو بسبب خلافات شخصية أو لدوافع أخلاقية، بالإضافة إلى عشرات من الاعتداءات التي تعرض لها عدد من المواطنين تحت طائلة التهديد بالسلاح الأبيض، هي التي أثارت سخطا واستياء عارمين لدى سكان هذه المنطقــــــة، الذين مافتئوا يطالبون الجهات المسؤولة بتدخل عاجل للحد من حالة اللاأمن، التي أصبحوا يعيشون على وقعها بشكل شبه يومي تقريبا. وقد خلفت جريمة الثلاثاء 9 فبراير الجاري، التي عثر خلالها على بائع للمجوهرات مذبوحا من الوريد داخل محله بحومة الحداد بالمدينة، احتجاجات عارمة شارك فيها مئات من الرجال والنساء والأطفال، الذين بادروا بشكل تلقائي إلى الاحتشاد أمام مقر أمن المنطقة الثانية ببني مكادة، للتنديد بما وصفوه بـ «تردي الأوضاع الأمنية بأحيائهم»، محملين الجهات المسؤولة عواقب هذا الوضع الأمني المزري، الذي أصبح يهدد المدينة. ومن المنتظر أن تشهد مدينة البوغاز، وقفة احتجاجية بساحة الأمم وسط المدينة، وهي الوقفة التي دعا إليها نشطاء موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، وأطلقوا عليها شعار «بغينا الأمن في طنجة»، وذلك للتعبير عن استيائهم ورفضهم لمظاهر الاعتداءات المسلحة التي تطول المواطنين بعدد من الأحياء والشوارع «الراقية» والشعبية. استنفار أمني وحملات واسعة إثر هذه الأحداث المتسارعة، بادرت المصالح الأمنية بمدينة البوغاز إلى استنفار صفوفها بتنظيم حملات تمشيطية واسعة بجل أحياء المدينة، شاركت فيها فرق من الشرطة القضائية والسياحية وعناصر الأمن العمومي، وأسفرت عن إيقاف مئات من ذوي السوابق واللصوص والمجرمين المبحوث عنهم بخصوص تهم متعددة تتعلق أغلبها بتكوين عصابات إجرامية والضرب والجرح والسرقة الموصوفة والاتجار في المخدرات، الذين تم وضعهم تحت تدابير الحراسة النظرية، في انتظار انجاز المحاضر الرسمية لإحالتهم على أنظار النيابة العامة المختصة. وتفيد الإحصائيات التي أنجزتها المصالح الأمنية بطنجة، أن عدد الموقوفين تضاعف خلال السنة الماضية (2015) مقارنة بسنة (2014)، حيث فاق العدد 61 ألف موقوف قدموا جميعهم أمام العدالة، مبرزة (الإحصائيات) أن عدد القضايا المنجزة بالدوائر الأمنية التابعة للمنطقة الثانية لبني مكادة، يفوق بكثير عدد القضايا المنجزة بالدوائر التابعة للمنطقة الأولى بطنجة المدينة، وهو ما ربطه عدد من المهتمين بالتوسع العمراني غير المنظم بعدد من الأحياء الهامشية، التي تتميز بهندسة عشوائية وأزقة ضيقة تسمح بتكون عدة نقط سوداء تحتكرها عناصر خطيرة وعصابات تحتضن جميع أشكال الانحراف. بالإضافة إلى استفحال ظاهرة الوافدين على المدينة، الذين يتحولون بعد انسداد الآفاق في وجوههم إلى أداة ضاربة في الجريمة بحثا عن قوتهم اليومي بشتى الوسائل المتاحة. الأمن لا يقتصر على جهاز معين عدد من الأساتذة المختصين في القانون الجنائي، أكدوا في لقاءات وندوات متعددة، أن تصاعد الجريمة بالهوامش ومناطق السكن غير اللائق يرجع بالأساس إلى عوامل اجتماعية واقتصادية وبيئية، غالبا ما تخلق أشخاصا يشكلون خطورة حقيقية على الأمن الاجتماعي للمحيط الذي يعيشون بداخله، مشددين على ضرورة تصدي سلطة القضاء لمثل هذه الظواهر الجنائية، بتكييف وقائعها وعرضها على القضاء الجنائي بدلا من الجنحي، حتى ترقى العقوبات إلى ما يتوافق مع خطورة الجرم المرتكب.وأوضحت المصادر نفسها أن استتباب الأمن وحماية المواطنين، لا يقتصران على جهاز أمني معين، بل هما مسؤولية كل الأجهزة الأمنية باختلاف تخصصاتها، إذ لابد من توفير مناخ أمني يندرج ضمن مخطط إستراتيجي يهدف إلى تأهيل كل المناطق السوداء، التي هي أحوج إلى استتباب الأمن وضمان الاستقرار، وذلك بالتعامل «الجدي» مع حاجيات المواطنين الأساسية، من سكن وتعليم وصحة، بالإضافة إلى الاعتناء بالشكايات التي تقدم إلى المصالح الأمنية، من أجل اتخاذ كل الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية اللازمة لاجتناب وقوع الجريمة. جهاز أمن متذمر ذكرت العديد من المصادر بأن أجواء التذمر والإحباط النفسي باتت منتشرة وسط عناصر الأمن بطنجة، وذلك بفعل العمل اليومي الذي يمارسونه في ظل محدودية الإمكانيات المتوفرة لديهم، والتي تحبط كل المجهودات والأعمال المتواصلة التي يقومون بها من أجل ترسيخ وبلورة أهداف رسالتهم النبيلة المتمثلة في استتباب الأمن والطمأنينة بين المواطنين. وفي حديث مع رجل أمن بالمدينة، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، ذكر أنه أصيب، في غياب أبسط شروط العمل، بمرض السكري، بسبب ضغط العمل وقلة النوم، ولم يستبعد أن نسبة كبيرة في صفوف رجال الشرطة مصابون بأمراض أخرى، مؤكدا في الوقت نفسه، على ضرورة تحسين ظروف العمل من خلال توفير وسائل الاشتغال وأدوات التحفيز، وذلك لمساعدتهم على إنجاز المهام الموكولة إليهم على الوجه الأكمل والرفع من مستوى الخدمات بالشكل المطلوب لفائدة المواطنين . استياء أكد عدد من المواطنين الذين التقتهم «الصباح»، حقيقة تنامي ظاهرة الإجرام بالمدينة، وطرحوا عدة تساؤلات بخصوص مسبباتها، التي ربطها بعضهم بضعف التغطية الأمنية المرتبط بوضعية القطاع الأمني نفسه، الذي يحتاج، في نظرهم، إلى دعم قوي بالموارد البشرية والإمكانيات المادية واللوجستيكية، بالإضافة إلى المساهمة الفعالة لكل الجهات المسؤولة عن الجانب الأمني بالمدينة، التي يساهم بعضها، بطريقة أو أخرى، في تفريخ مزيد من أوكار الجريمة وارتفاع عدد مجهولي الهوية.وذكر أحد المواطنين من منطقة العوامة، أنه لا يتفهم محدودية مراكز الشرطة بالأحياء المهمشة، التي ترتفع بها نسبة الجريمة، في حين تعمل إدارة الأمن على تدعيم المراكز الموجودة بوسط المدينة والأحياء الراقية، مؤكدا أن انخفاض الجريمة بهذه الأحياء وعند الأسواق وفي الأماكن المزدحمة بالناس، لن يتوفر إلا بتكثيف مراكز الشرطة ودعمها بالأفراد والآليات والأجهزة الحديثة، مشددا على أهمية ضرورة الإكثار من النقاط الأمنية وملاءمتها مع الاتساع والتطور العمراني والسكاني للمدينة، لأن الوقاية من الجريمة خير من علاجها بعد وقوعها. المختار الرمشي (طنجة)

إيقاف متهمة بالنصب بالبيضاء

25 سنة لقاتل عشيقته بأزمور

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات