الأغاني… تيرمومتر “البغو” عبر الأجيال

ما بين جيل ״يا طيف حبيبي״ و״درتي لي الطيارة״ تطور المفهوم الحب عاطفة إنسانية متأصلة في النفس البشرية وفطرية فيها. فمنذ أن تحرك الإنسان على وجه البسيطة، أدرك أن هناك ذواتا مغايرة له، انجذب إليها بطريقة، مهما تعاقبت الحقب والحضارات والأزمنة واختلفت الأمكنة وطرائق التعبير عنها، فإنها ظلت تحمل في ذاتها عناصر جوهرية وثابتة مشتركة بين جميع البشر.يسود اعتقاد شائع أن الوتيرة السريعة للتحولات التي خضع لها المجتمع البشري بشكل عام، والمجتمع المغربي على وجه الخصوص، كان لها تأثيرها الواضح على أساليب التعبير العاطفي عند الأفراد، بل إن البعض يذهب إلى التشكيك في وجود هذه العاطفة أصلا، ويعتبرها مجرد وهم، وأنها انقرضت مع الأجيال السابقة، أو على الأقل اتخذت شكلا آخر لا صلة له بما سبق.عاطفة الحب أيضا طالتها آلة صراع الأجيال، فكل جيل يرى أن من حقه التعبير عن مشاعره بطريقته الخاصة ووفق ما تمليه عليه شروط التحولات والحياة التي يعيشها، كما أن كل جيل يرى أن الجيل أو الأجيال التي جاءت بعده، تسير نحو الأسوأ وتفقد الحياة بساطتها وتُحدث في قيمها تغييرات تجردها من معانيها.من الأشكال التعبيرية التي تشكل استجابة عفوية لنمط تفكير الناس وعنوانا لطبيعة مشاعرهم، هناك الأغاني. فباستعراض بسيط لعناوين الأغاني السائدة في حقب معينة، يظهر للمستعرض الكيفية التي كان بها المغاربة يعبرون عن عواطفهم وفقا للشروط الاجتماعية والأخلاقية التي كانوا يعيشون فيها.في هذا السياق يقول السيناريست والشاعر الغنائي حسن لعروس (80 سنة) إن جيله الذي تفتح وعيه خلال مطلع الخمسينات، كانت فيها الظروف الاجتماعية تختلف كثيرا عما صارت عليه حاليا.ويضيف "كان أهم ما يميز تلك المرحلة هي الرقابة الصارمة التي كان يخضع لها الشباب، خاصة الفتيات منهم، من قبل الأسرة أو المحيط المقرّب، وهو ما كان يجعل العلاقات العاطفية محكومة بهامش ضيق للتحرك والمناورة، إذ يقتصر الأمر في الغالب على النظر من بعيد واعتماد لغة الإشارات وتبادل الابتسامات من بعيد، وفي أحسن الأحوال تبادل الرسائل التي كانت تتنقل بين العشاق خلسة وعبر رسل من نوع خاص غالبا ما يكونون أطفالا ينتدبون لهذه المهمة بمقابل لا يتعدى قطعا نقدية زهيدة أو حلويات أو شيئا من هذا القبيل.ويزيد لعروس أن مشاعر الشباب التي كانت على هذا الشكل تعكسها أيضا طبيعة الأغاني التي كانت سائدة في تلك الفترة ويستهلكونها، وغالبا كانت مستوردة من الشرق ممثلة في أغاني فريد الأطرش أو محمد عبد الوهاب وأسمهان وغيرهم، كما أن ارتياد قاعات السينما ومشاهدة الأفلام التي كانت تكرّس هذا النوع من الحب الذي كان متسما بنوع من العذرية التي كانت تطبع علاقات فئة من الشباب المتعلم، دون أن تعني أنها كانت تسري على الجميع بالضرورة.خلال فترة الستينات، سادت العديد من الأغاني خاصة المغربية، والتي كانت أكثر مباشرة وعفوية في التعبير عن مشاعر المغاربة، وهو ما يظهر من خلال عناوين الأغنية العصرية التي بلغت أوج ازدهارها خلال تلك المرحلة، منها أغاني إبراهيم العلمي الشهيرة مثل "ياللي صورتك بين عينيا" أو "يا الناسي" أو "مساك مساك" أو مع المعطي البيضاوي مثل "يا طيف حبيبي" أو روائع عبد الوهاب الدكالي وبلخياط والحياني وغيرهم والتي كانت تعبيرا عن استمرار الجانب الطهراني في الأغنية والذي يعكس التحفظ الذي ظل ملازما لسلوك المغاربة، رغم الرغبة الجامحة في الانعتاق والتحرر التي بدأت تداعب خيالات شباب تلك المرحلة.كما أن تلك المرحلة وما قبلها أفرزت أيضا رصيدها الغنائي الذي عبّر عن فئات اجتماعية لم تكن بالضرورة خاضعة لتقاليد الحشمة والوقار الذي يحاول البعض أن يخلعه على المرحلة، وكان ذلك ممثلا في عشرات الأغاني الشعبية التي كانت تتداول في المجالس الخاصة أو في "القصاير" وبعض الفضاءات الليلية، مع فرق أن وسائل الإعلام التي كانت في تلك الفترة، على ندرتها، لم تكن تجرؤ على تبنيها أو تقديمها إلى المتلقين.عزيز المجدوب

الحكومة تعود "للهراوة" في وجه المتدربين

بنكيران: لو كان الإضراب حلا لدعوت إليه

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات