“الشكامة” في خدمة الاستعمار

الباحث الإبوركي قال إن "التبركيك" أضعف المجتمع المغربي أمام الأطماع الأجنبية لا يعتبر "التبركيك" مجرد سلوك فردي أو جماعي، ينظر إليه في الكثير من الأحيان بشكل سلبي، بل يعتبر أيضا واحدا من ركائز جهاز "المخزن" التقليدي الذي يشكل نواة الدولة المغربية، والذي اعتمد في فترات تاريخية مختلفة على سريان المعلومة و"التبركيكة" في تحصين وجوده والحفاظ عليه. وفي هذا السياق، يرى الباحث عمر الإبوركي، أن المخزن باعتباره مؤسسة تعني تمركز السلطة، فقد تأسس على تنظيم تقليدي دقيق يقوم بمهمة مراقبة المجال القبلي، الذي برزت فيه زعامات محلية لها تنظيمها التقليدي الذي يعتمد على مجموعة من الأفراد التابعين لهذه الزعامات، ويقدمون لها خدمات تجعلهم على علم بكل ما يحدث في أطراف القبيلة. ويضيف الإبوركي، في حديث مع "الصباح"، أن المعلومة شكلت عنصرا أساسيا في ضبط وتسيير المجال الاجتماعي والاقتصادي داخل كل مجتمع، ولهذا فإن هناك فئات مارست هذه الوظيفة عبر القرون الماضية من تاريخ المجتمعات، وتحدثت بعض الكتابات التاريخية عن وجود فئات اجتماعية تميزت بنفوذها منها "المقدمون" و"الشيوخ" و"الخراصون" والأمناء والقياد وغيرهم، الذي يستمدون مشروعيتهم من "المخزن" أو السلطة المركزية، بحكم أن "المخزن" عبر العصور الماضية، وإلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لم تكن لديه الإمكانيات المادية لضبط المجال، فقد استعمل هذه الآليات لتيسير خدماته والنظر في أمور القبيلة، وهو ما أكسبه ما يسمى بفن الحكم. وتحدث الباحث في علم الاجتماع عن طبقة "الشكامة"، أو المخبرين وناقلي المعلومة، خلال نهاية القرن التاسع عشر، قائلا إنهم لعبوا دورا كبيرا في إضعاف مناعة المجتمع المغربي أمام الأطماع الأجنبية، خاصة أن هذه المرحلة التاريخية تميزت بتحولات هامة جدا منها قيام السلطان الحسن الأول بتقسيم القيادات، وتعيين الأمناء المكلفين بجمع الضرائب، من أجل إضعاف الزعامات المحلية، والحد من طغيانها، وهي العملية التي رفضتها هذه الفئات. ويضيف الإبوركي أن السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، عرف المغرب هجوما شرسا من الأجانب بشراء الأراضي، والمحلات التجارية داخل المدن بمساعدة فئة من المخبرين، فانتشعت هذه الظاهرة، وبرزت فئة المحميين الذين أصبحوا تابعين للهيآت الدبلوماسية الأجنبية، وكانوا يقدمون لها المعلومات الضرورية عن المغرب، مقابل الحصانة التي تمنحها لهم هذه الدول المتنافسة على الهيمنة والغزو، واعتبِرَ هؤلاء خارجين عن التقاليد المغربية. وانتقل صاحب كتاب "الظاهرة القائدية.. القائد العيادي الرحماني نموذجا" إلى الحديث عن الطريقة التي استثمر بها الاستعمار الفرنسي معطى سريان المعلومة داخل الجهاز "المخزني" لتجذير حضوره في المغرب، إذ لجأت إدارة الحماية إلى استثمار هذه الآليات من أجل المعرفة الدقيقة لبنيات المجتمع المغربي، ومهد إلى ذلك المخبرون المحليون والأجانب من الرحالة والإثنوغرافيين، الذين لم يتركوا كبيرة ولا صغيرة إلا أحصوها، وساعدهم في ذلك المخبرون المحليون، فكانت الكتابات العديدة التي شرّحت المجتمع المغربي، وجعلت المعلومة في خدمة الاستعمار، كما ساعدت هذه الكتابات في اختراق المجتمع المغربي مع المحافظة على بنياته التقليدية، أو ما سمي بعملية التهدئة، والسياسة الأهلية لتجنب الصدام والمقاومة. ويرى الإبوركي أن فئة الشكامة اتخذت منحى آخر بعد الأزمة مع الإدارة الاستعمارية، وأصبح «التبركيك» مصطلحا قدحيا عند المغاربة يعني نقل الخبر المجاني، وتم تصنيف فئة «الشكامة» خارج الدين والعقيدة، لأنهم يتعاونون مع النصارى والاستعمار، وقد شنت عليهم المقاومة حربا تشهيرية واسعة ما يزال المغاربة يروونها إلى اليوم. ويخلص الباحث المغربي إلى أن «التبركيك» أو «الشكامة» ظاهرة قديمة نظرا لأهمية المعلومة لكن استعمالها فقط هو الذي يحدد قيمتها، ما إذا كانت تخدم أمن وتنمية المجتمع، أم على العكس من ذلك تخدم مصالح أجنبية ضد هذا المجتمع. عزيز المجدوب

“الشكامة” في خدمة الاستعمار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المقاهي ... "احضيني نحضيك"

"التبركيك"... المخابرات الشعبية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات