المقاهي … “احضيني نحضيك”

تحظى بزيارات يومية لأعوان سلطة ورجال الأمن لجمع أكبر عدد من المعلومات تعد الأحياء الشعبية مرتعا خصبا لـ"التبركيك"، فهي مكان تفريخ "إحضي أي"، في إشارة لأشخاص، شغلهم الشاغل، الحديث عن الناس وكشف ما يخفونه سواء حسدا أو من باب الفضول. تبقى المقاهي أكبر أماكن "الحضية" و"التبركيك"، فهذا الفضاء مقر للعاطلين عن العمل أو " اللي ما عندو ما يدار"، ما يجعلها مكانا للمعلومة، التي غالبا ما تتعرض للتزييف أثناء انتقالها من شخص لأخر. بمقهى شعبي شهير بالبيضاء، تفادى زبناؤه الجلوس قرب شخص اختار طاولة بمكان يطل على الشارع. هذه المقاطعة الضمنية، سرعان ما ستجد تبريرا لها، إذ سيحل عون سلطة ويشاركه الطاولة قبل أن يغادر بعد أن دخن سيجارتين واحتسى كوب قهوة سوداء. أحد الزبناء علق على الأمر بمزحة" صافي أعطاه رابور"، ليتضح أن صاحبنا "بركاك" من نوع خاص، يتفادى رواد المقهى مشاركته الحديث، إذ حسب قول عدد منهم، يحاول بطريقة ماكرة الحصول على معلومتك الشخصية ومعلومات الجيران والأصدقاء، فهو عين السلطة التي لا تنام، وعمله الجلوس بالمقهى ومراقبة "الشادة والفادة". تحظى سلوكات المستشارين الجماعيين وبنات الحي باهتمام كبير من قبل رواد المقاهي، يحكي خالد، 39 سنة، أن هذه الفئة تكون موضوع مراقبة يومية، وأي زلة من أفرادها، ينتشر خبرها كالنار في الهشيم بين الجميع، سيما إذا ظهرت آثار "النعمة" على المستشار الجماعي، إذ غالبا ما يتهم بالفساد والاختلاس، وأيضا بالنسبة لبنات الحي إذا ما ضبطن رفقة غرباء. لتأكيد دور المقهى في عملية "التبركيك"، يؤكد مصدر أنها تحظى بزيارة يومية لأعوان سلطة سواء في الصباح أو المساء، فهي مصدر المعلومة، يستقونها من أصحابها، ويفرزون الحقيقة من الإشاعة ويعدون تقارير في الموضوع يرفعونها لرؤسائهم. ليس زبناء المقهى الوحيدين مصدر المعلومة، بل حتى النادل والمسير، فهم ملزمون بمعرفة دقيقة بطبيعة الزبناء، ولتأكيد ذلك، يؤكد عبد المغيث، 30 سنة، نادل بمقهى مخصصة للشيشة، أنه ساهم في مرات عديدة في إيقاف مبحوث عنهم، إذ بمجرد أن تطأ قدمهم المقهى، يشعر الشرطة بوجودهم، فتعتقلهم. بالنسبة إلى عبد المغيث، فهو مكره لا بطل، لأن المقهى مهدد في أي لحظة بالإغلاق بسبب "الشيشة، إذا أغفل العاملون فيه تعاونهم وتنسيقهم مع الشرطة. ليست المقاهي بالمكان الوحيد للمعلومة، بل حتى المحلات التجارية بمختلف أنواعها في الأحياء الشعبية، والدليل أنه يمكن سؤال أي تاجر عن شخص بالحي، لتحصل على التفاصيل المملة عنه. يحكي محمد، 50 سنة، تاجر، لـ"الصباح" أنه بمجرد الحصول على رخصة استغلال المحل، فإنك بشكل ضمني ملزم بتقديم معلومات عما يقع بالحي لأعوان السلطة وحتى رجال الأمن، في حال كان هناك أمر طارئ. دور أصحاب المحلات التجارية في نقل المعلومة، خطير جدا، حسب مصدر لـ"الصباح"، إذ لتأكيد صحة كلامه، يستشهد بواقعة تفكيك خلية إرهابية بحي مولاي رشيد، بعد أحداث 16 ماي، لعب فيها مالكو المحلات التجارية دورا كبيرا، إذ أثارهم حضور أفراد الخلية الإرهابية بالحي ليشعروا عون سلطة بالأمر، والذي أخبر مسؤوليه، وبعد تحريات دقيقة حولهم، دوهم منزلهم والعثور على متفجرات في طور التصنيع. بعيدا عن المحلات التجارية، تعد صالونات الحلاقة المكان الحقيقي لـ"التبركيك" مهما كانت المكانة الاجتماعية لزبنائه، فداخل هذه المحلات، تسرد روايات وقصص وأسرار الجميع. في المحلات الراقية، تكون الأخبار حول رجال الأعمال وزوجاتهم، ومشاريعهم وسلوكاتهم، وإن كانت زوجة أحدهم متورطة في قضية ما، أما في المحلات الشعبية، فغالبا ما يكون أبناء الحي وبناته، موضوع أحاديث طويلة، يكشف فيها المستور. والمثير أن هذه المعلومات تتكلف "العيون" بإيصالها إلى جهات أمنية. بالحانات، يكشف مسير أن المرء لا يحتاج إلى مجهود للحصول على معلومة، لأن "الشراب كي خلي واحد اعترف بالخاطر".للدولة عيون بالحانات مهمتها إعداد تقارير حول الزبناء، غالبا ما يكونون رجال سياسة فضلوا مناقشة قضية تهم حزبهم أو الشأن العام، داخل الحانة، وأيضا مومسات وعلاقتهن بمروجي المخدرات، خصوصا بعد انتشار الكوكايين، بعبارة أخرى، يقول المسير "كولشي محظي، غير دير زوين" حسب قوله. يكشف مصدر أن "البارميطات" يلعبن دورا مهما في جمع أكبر عدد من المعلومات، تحت إشراف مسير الحانة، غالبا ما تسلم حسب أهميتها لمختلف الأجهزة الأمنية. مصطفى لطفي

المقاهي … “احضيني نحضيك”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

راديو الأحياء الشعبية

"الشكامة" في خدمة الاستعمار

مقالات ذات صلة