جماعة لغديرة… ضيعة يحكمها المزاج

حكامها يحاربون التنمية و״بلوكاج״ في ملف ثقيل أعده قضاة جطو والفرقة الوطنية تعود فكرة الزيارات المفاجئة إلى المرافق الحيوية لتشغل بالك، وتكون بصدد التساؤل عن عناوين، فيأتيك اتصال هاتفي، وعلى الخط من يقول: «توجد جماعة تفتح أبوابها يوما واحدا في الأسبوع»، يبدو لك النبأ مثيرا وعنوانا مناسبا لتقصده، غير أن رحلتك، تنتهي بأن مشكلة «الجماعة مغلقة»، ليست إلا تفصيلا ثانويا جدا، في قصة أعقد: أول جماعة ترابية بالمغرب، تصير، فعليا، ضيعة تسير بالمزاج منذ 33 سنة ! لفريك كبيرة، 40 سنة، ربة بيت ومديرة روض للأطفال، من سكان جماعة الغديرة، وبدوار لوطى، حيث تقطن، يصدق عليها توصيف «امرأة بألف رجل». تضع كبيرة، فوق طاولة أمامها، داخل الروض الذي افتتحته لتنتشل أطفال الدوار من الضياع في أزقته التي تخترقها سيول آسنة مصدرها مطابخ المنازل، ملفا رتبت فيه عددا من الشكايات والعرائض التي وجهها السكان، إلى جهات عدة، منها المكتب الوطني للماء والكهرباء، والوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل بإقليمي الجديدة وسيدي بنور، المعروفة بـ»راديج»، ثم تسحب منه وثيقة، قادتها، يوما، إلى اللقاء، وجها لوجه، مع مسيري الجماعة، الذين يتردد الباقون في مواجهتهم. من أنتم؟ تشجعت كبيرة، ذلك اليوم، وقررت الدخول على كبير المسيرين في مكتبه، «وضعت بين يديه شكاية مشفوعة بتوقيعات السكان، نخبره فيها، أننا صبرنا زيادة على اللزوم»، لكنه غضب من جرأتها، فقال لها «من أنتم حتى تضعوا شكاية لدي؟ هذا ممنوع وغير ممكن، ليست لكم صفة، ولوضع الشكاية، لا بد أن تكوني منتخبة أو رئيسة جمعية معترف بها». سايرت مديرة روض الأطفال، «الرايس»، وأنشأت لجنة تحضيرية من الشباب لتأسيس الجمعية، لكن تبين في النهاية، أن ممثلي سلطة الوصاية، بالمنطقة، «متواطئون أو خائفون».تلك الوقائع، ليست سوى عناصر لفهم عقلية حكام جماعة لغديرة، أما آثار «خطاياهم» على الميدان، فعنوانها: محاربة التنمية، وجعل السكان ينسون أسماء دواويرهم، لتكون مجرد أرقام، تحيل إلى دوائر انتخابية، فكلما توجهت بالسؤال إلى أحد السكان، مهما كانت صفته ومهنته وثروته: «في أي دوار تسكن؟»، يجيبك: «الدائرة رقم...»، وعندما تسأل «كم دوارا تتكون منه الجماعة»، يجيبونك: «23 دائرة». أغلى ماء في المغرب دوار لوطى، يوجد على الحدود بين جماعة لغديرة وبلدية البير الجديد، وسكانه يقضون كل مصالحهم بالمدينة، إذ لا يفصلهم عنها سوى شارع، وتجاور منازلهم بناية المركب المائي للمدينة، غير أن المفارقة الكبيرة، هي أن أوضاعه، هي الأكثر قساوة مقارنة بباقي دواوير الجماعة البعيدة عن المدار الحضري: لا ماء في البيوت، وللحصول عليه، لا بد من «شرائه» من سقاية، تابعة للمدينة، لكنها «مملوكة» للنائب الأول لرئيس الجماعة القروية ! عبد المجيد شهاب، (30 سنة)، عامل متزوج وأب لطفل، يعد واحدا من الشباب الذين سئموا من حكم رئيس، ظل في موقعه منذ أن كانوا أطفالا، ويقول إن «السقايات» صارت في هذه الربوع، ريعا يدر الكثير من الأموال على بعض المنتخبين، ومنهم النائب الأول للرئيس، الذي توجد، تحت تصرفه سقايتان: واحدة يديرها ابنه، والثانية، أهداها لزوجته، يفتحان الصنابير للسكان يوميا، لفترة لا تتجاوز ثلاث ساعات، وبدون أن يسلما لهم وصولات أو فواتير، يقبضون عن كل طن من المياه 15 درهما.وعند اللقاء بحسن الكحل، واحد من المستشارين الأربعة المعارضين للرئيس وأغلبيته المكونة من 18 منتخبا وأربع نساء مررن في اللائحة الإضافية، يظهر كيف أن الوكالة الجماعية المستقلة لتوزيع الماء بإقليمي الجديدة وسيدي بنور، خلقت مجالا ريعيا يدر الكثير من الأرباح على المحظوظين، «تصل إلى حوالي 15 ألف درهم شهريا في المعدل، بحكم أن الطن الواحد من المياه تتسلم عنه الوكالة 7 دراهم و20 سنتيما، ما يجعل هامش الربح الصافي عن الطن الواحد محددا في ضعف مبلغ شرائه من الوكالة».كهرباء مسروقة الأربعاء 30 دجنبر 2015، انعقد السوق الأسبوعي لجماعة لغديرة، المعروف بـ»أربعاء اشتوكة»، وكانت مناسبة جديدة، التأم فيها سكان «لوطى»، وخرجوا في مسيرة، انطلقت من أمام مقر الجماعة الترابية، وانتهت في وسط بلدية بئر الجديد، حيث توجد إدارة المكتب الوطني للكهرباء، والوكالة الجماعية المستقلة لتوزيع، وهناك سمع المحتجون من المسؤولين، اللازمة ذاتها: «نحن مستعدون لإنجاز ما يقع على عاتقنا، والمجلس الجماعي هو الذي يرفض التعاون». ويحكي السكان، أن كل الإدارات تبرئ ساحتها وتؤكد لهم، أن المجلس الجماعي، هو الذي يعترض على مدهم بالتجهيزات الأساسية لأن دوارهم عشوائي.عزيز أمشراف، عامل «زليج» من مواليد 1988، تختزن ذاكرة هاتفه المحمول، صور ظاهرة أفظع، طبع معها المسؤولون، وتهدد حياة السكان، ويتحمل المكتب الوطني للكهرباء تكاليفها المالية: إنها ظاهرة سرقة الكهرباء المنتشرة بجماعة الغديرة. ويقودك عزيز في جولة بين الدروب الضيقة للدوار، لتعاين كيف تشابكت خيوط الإمداد الكهربائي المسروق في قمم الأعمدة.«حلت لجان كثيرة، وعاينت كيف أن أغلبية السكان ينيرون بيوتهم بكهرباء مسروقة، وقاموا بإحصاء، وعاينوا مخاطر الظاهرة على الصحة العامة»، يقول الذهبي بوشتى، من سكان الدوار، ثم يجيب حاسما: «لكن لا حياة لمن تنادي، ويصدح الجميع بالتبرير ذاته: هذا دوار عشوائي ولن تتم معالجة المشكلة». جطو يضع الأصبع على الداء تعدد نسخة من تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات حول مهمتهم بالجماعة، تتوفر «الصباح» عليها، سبع ملاحظات سلبية عن فترة التسيير الممتدة من 2005 إلى 2011، تتعلق بسوء تدبير وتجاوزات وسمت نظام المراقبة الداخلية، وتدبير المداخيل، والأملاك الجماعية، ونفقات الوقود، وصرف منح وإعانات الجمعيات، وتدبير الموارد البشرية، وتنفيذ النفقات. وتحت كل ملاحظة، سرد محققو المجلس الأعلى للحسابات، اختلالات من قبيل: عدم مسك الجماعة محاسبة للمواد والقيم والسندات، وعدم إنجاز جداول للمنجزات، سيما الكميات المنجزة وأماكن إنجازها، وعدم تكليف المصلحة المختصة بتتبع الأشغال والإشهاد على إنجازها، زيادة على عدم تعيين وكيل جديد للمداخيل، منذ إحالة السابق على التقاعد، مع عدم اعتماد قرار جبائي، واستخلاص الرسم على عمليات البناء دون وجود ترخيص قانوني يسمح بذلك. وفضح المحققون بعض مظاهر التواطؤ بين مسيري الجماعة وممثلي سلطة الوصاية، سيما قائد المهارزة، عندما كشفوا تحمل الجماعة لنفقات لا يجب أن تتحملها، من قبيل اقتناء رجال السلطة المحلية لكميات كبيرة من الوقود على حساب الجماعة، في وقت لا تتوفر فيه الجماعة على سيارات مصلحة تابعة لها خلال فترة 2008 و2009.وفيما فضح تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وضع سيارة مخصصة للأعمال الاجتماعية، رهن إشارة النائب الثاني للرئيس بصفة دائمة، أوصى مسيري الجماعة بالعمل على «توجيه النفقات الجماعية لخدمة مصالح السكان، والكف عن توفير السيارات لفائدة الأعضاء أو تحمل نفقات وقود مصالح غير تابعة للجماعة». ولا يتوانى المجلس الجماعي في إغلاق أبواب مقر الجماعة قبل الموعد بساعات، وهو ما عاينته «الصباح» أثناء زيارتها، علما أن المجلس الأعلى، نبه إلى ذلك في 2011، بكشفه أن الموظفين يتلقون تعويضات عن الساعات الإضافية، بمعدل 5 أيام في الشهر (40 ساعة)، علما أنهم «لا يقضون الساعات القانونية كاملة بالجماعة». وكشف التقرير في السياق ذاته، مفارقة غريبة جدا، وتتمثل في إلحاق مسيري الجماعة، موظفة تابعة لهم على جماعة بلدية البير الجديد، دون احترام للإجراءات، ومواصلة تحمل أجرتها الشهرية، ولائحة طويلة من الاختلالات، توزعت على حوالي 20 صفحة في التقرير العام لأنشطة المجلس الأعلى للحسابات برسم 2011. إنجاز: امحمد خيي

جماعة لغديرة… ضيعة يحكمها المزاج

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مؤامـرة تحـاك ضـد الجهويـة

احتجاجات الأساتذة المتدربين بتطوان تستنفر الأمن

مقالات ذات صلة